سفير سورية لدى الأمم المتحدة فيصل المقداد لـ«الشرق الأوسط»: فيتزجيرالد مارس التزوير في تقرير «تقصي الحقائق» وكان بإمكانه كتابته من دون تجشم عناء السفر إلى لبنان

TT

تجري فرنسا مع الولايات المتحدة وبريطانيا مشاورات بشأن الصياغة النهائية لمشروع قرار يصادق على اقتراح بيتر فيتزجيرالد رئيس لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق عن ملابسات وظروف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رقيق الحريري.

وعلى هامش هذه المشاورات التقت «الشرق الأوسط» مع مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فيصل المقداد الذي لمح إلى استعداد سورية للتعاون مع اللجنة الدولية في حالة تشكيلها إذا وافق اللبنانيون على ذلك. وهذا نص الحوار:

* بعد صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق كانت أبرز ملاحظة خرجتم بها هي أن التقرير مسيس أكثر من اللازم. والسؤال هو لماذا الإصرار على نعت هذا التقرير بهذه الصفة مع العلم أن حدث اغتيال الحريري هو حدث سياسي وأن المهمة التي حددها مجلس الأمن للجنة هي معرفة الظروف والملابسات التي قادت إلى اغتيال الحريري؟ ـ نحن نتصور أن هذا التقرير ليس مسيسا فقط وإنما يبدو أن الذي كتبه لم يذهب إلى لبنان وكان يمكن لفيتزجيرالد أن يكتب مثل هذا التقرير وهو في دبلن وليست هناك الحاجة إلى السفر وتكبد مشقة الحضور إلى لبنان لكي يخرج بتقرير من هذا النوع. نحن نقول أن فيتزجيرالد اجتمع مع كافة الأطراف اللبنانية لكن التقرير عكس على ما يبدو لغة تم الاتفاق عليها مسبقا بحيث تم توجيه هذا التقرير منذ بدايته إلى نهايته نحو غرض واحد، وهو أن يتم تشكيل لجنة تحقيق دولية، ناهيك من التزوير الذي مارسه في التقرير. وأود أن أشير بشكل دقيق إلى أن التقرير قد عكس وجهة نظر واحدة في الساحة اللبنانية خاصة وجهة نظر المعارضة والقوى التي لها بعض الملاحظات على بعض الجوانب لكنه لم يعكس على الإطلاق أي رأي آخر. طبعا من الحقائق التي شوهها التقرير، تحميل سورية مسؤولية التوتر السياسي الذي شهده لبنان في الفترة الماضية. ومن المعروف أن هذا التوتر السياسي لم يكن قائما قبل صدور القرار 1559 فهو (بيتر فيتزجيرالد) لا أدري من أين أتى بهذا التصور علما أن القرار 1559 قاد إلى شرخ عميق في الوسط اللبناني بين مؤيد لما ورد في القرار ومعارض له.

* لكن من الواضح أن التقرير لم يوجه أي تهمة جنائية أو قضائية لأي جهة ما.

ـ هذا صحيح لأن التقرير كما أعلن الأمين العام (كوفي انان) ليس حكما قضائيا وإنما هو تصورات، ولكن هذه التصورات جاءت محرفة وغير صحيحة على الإطلاق.

* إن التصور السائد أن الحدث الذي أدى الى صدور القرار 1559 هو الإصرار على تمديد ولاية الرئيس أميل لحود ثلاث سنوات وقد تحدث التقرير عن هذه المسألة بالتحديد. ـ في الحقيقة فيتزجيرالد أساء إلى هذا الموضوع، ومن المعروف أن الجانبين الفرنسي والأميركي كانا يحضران لقرار منذ شهر يونيو (حزيران ) الماضي وكانت لدينا معلومات عن أهم ما يتضمنه هذا القرار. وقد تعاملنا معه أو أخذنا علما به منذ ذلك الوقت. وفي الحقيقة كانت النوايا مبيتة منذ يونيو من العام الماضي وقد استغلت بعض التطورات من أجل استصدار هذا القرار الذي كان جاهزا. لذلك جاء التوتر الحقيقي مباشرة بعد اعتماد هذا القرار وليس قبله.

* لماذا تتصورون أن التوتر السياسي حدث بعد صدور قرار مجلس الأمن في الوقت الذي يتهم فيه الحريري بأنه كان وراء صدور هذا القرار أو الدفع باتجاه إصداره؟

ـ لقد أشيعت الكثير من الأقاويل حول هذا الموضوع، ولكن ما نعرفه عن الرئيس الحريري أنه كان من حلفائنا الأساسيين على الساحة اللبنانية ومن الذين يقدرون التضحيات التي بذلتها سورية. والكل يعرف أن الانجازات التي حققها الرئيس الراحل الحريري تمت بفضل دعم سورية وبفضل تضحياتها وبفضل وجود القوات السورية في لبنان الذي وفر له الجو الآمن للقيام بهذه الإصلاحات. وكان الرئيس الحريري قد صرح، يوم اغتياله، بأنه كان مع أطيب العلاقات مع سورية وأنه ملتزم بنهج العلاقات المميزة مع سورية وانه يعمل بهذا الاتجاه ولم يقل على الإطلاق بأنه انضم إلى المعارضة. والبعض حمله مواقف لم يقلها ولا آمن بها ولا تعتبر جزءا من نهجه المعروف فقد كان يؤكد في كل ملاحظاته أن سورية هي الأساس.

* ألا تعتقدون أن الطريقة التي اغتيل بها رفيق الحريري وفي المنطقة التي جرت فيها تشير إلى وجود إما خلل أو فراغ أمني كبير؟

ـ في الحقيقة نحن أكدنا وقلنا بأن سورية لم تكن موجودة أمنيا والقوات السورية كانت قد انسحبت منذ وقت طويل من بيروت لذلك نقول إن خسارة الراحل رفيق الحريري هي خسارة كبرى لسورية بشكل أساسي كما هي خسارة كبرى للبنان. وإن هذه الطريقة الوحشية التي تم بها اغتيال الحريري طريقة غير مقبولة وتتنافى مع الأخلاق والقيم التي نؤمن بها. لكن الأمر حدث شئنا أم أبينا ونحن نأبى ذلك والخسارة كما أؤكد هي خسارة مشتركة والمقصود منها تدمير العلاقات السورية ـ اللبنانية والإساءة إلى التضحيات التي قدمتها سورية منذ وقفها للحرب الأهلية التي بدأت منذ عام 1976 وحتى خروج قواتها من لبنان.

* من المتوقع أن تقدم فرنسا مشروع قرار إلى مجلس الأمن بناء على الاستنتاجات التي خرج بها بيتر فيتزجيرالد رئيس لجنة تقصي الحقائق، فما هو رأيكم بمشروع القرار وبعناصره الأساسية؟

ـ لم نطلع بعد على عناصر مشروع القرار ونحن بالمناسبة مع كل ما يمكن أن تقبل به الحكومة اللبنانية في هذا المجال، ولكن يجب أن نؤكد على أن أي قرار يجب أن يؤكد على سيادة واستقرار لبنان وعلى وحدة أراضيه وشعبه، وأن تتصرف أي لجنة تحقيق ضمن هذه الآلية وما يدعو إليه ميثاق الأمم المتحدة ومن خلال التقيد بشكل أساسي بلجنة محايدة تحترم القوانين والجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية، وهي جهود ليست بالقليلة في مجال التحقيق في الحادث الإجرامي.

* هل ستشتركون بمشاورات مع الأمين العام والأمانة العامة للأمم المتحدة في تشكيل هذه اللجنة بعد اعتماد مشروع القرار لمعرفة من سيكون فيها وبطبيعة تركيبتها؟

ـ نحن نقول إن هذا الموضوع يخص الأشقاء في لبنان وهم المعنيون بالأمر ونأمل أن يبقى الموضوع محصورا في هذا الإطار.

* في حالة تشكيل اللجنة الدولية للتحقيق في ملابسات اغتيال الحريري، ومهمتها ستكون مختلفة كليا عن مهمة لجنة تقصي الحقائق وربما تستدعي استجواب بعض مسؤولي المخابرات السورية التي كانت موجودة في لبنان وقت الاغتيال، فهل ستوافق سورية على استجواب هؤلاء المسؤولين إذا طلبت اللجنة ذلك؟ ـ لن أتنبأ بما يمكن أن يكون عليه مشروع القرار، ولكن من مصلحتنا أن يتم الكشف وفي أقصى سرعة عن الجهة التي اقترفت هذه الجريمة. وأؤكد على أن هذه الجريمة قد أضرت بسورية كما أضرت بلبنان ولذلك من همنا ومن مصلحتنا الكشف وبأقصى سرعة عن اليد التي اقترفت هذه الجريمة.

* ما هو مدى استعداد سورية للتعاون مع هذه اللجنة الدولية بعد تشكيلها؟

ـ كما قلت إني لا أود أن أقدم أي افتراضات، ولنر الآن ما سيتم الاتفاق عليه في مجلس الأمن. وكما قلت نحن نحترم أي قرار يقبل به الأشقاء اللبنانيون.