التقاعد المبكر يثير جدلا في المغرب و19 ألف موظف تقدموا بطلب «المغادرة الطوعية» للإدارة

الوزير بوسعيد ينبه إلى عدم إصدار أحكام قيمة حول العملية

TT

أصبحت بعض الوزارات المغربية تواجه مشكلة عويصة تكمن في رغبة عدد كبير من الكوادر المؤهلة للاستفادة من برنامج يهدف الى تقليص الإدارة يعرف هنا باسم «المغادرة الطوعية» ويموله البنك الدولي.

وطبقاً لهذا البرنامج فإن أي موظف يرغب في ترك وظيفته يمكنه ذلك، ويتلقى تعويضاً مالياً يتراوح ما بين 400 الف الى مليون ونصف مليون درهم مغربي (ما بين 48 الف دولار و180 الف دولار).

ومما أغرى عددا كبيرا من الموظفين للاستفادة من برنامج التقاعد المبكر هو ان رواتبهم ستستمر مع خصم مبلغ زهيد منها ولن يتوقف أداء الراتب الى ان يصلوا الى سن التقاعد القانونية (المعاش). وكان البنك الدولي وجه انتقادات مستمرة للحكومات المغربية المتعاقبة حول سياسة التوظيف التي اتبعتها وأدت الى تضخم الادارة مما أعاق عملها، كما تسبب التوظيف غير المبرمج في بروز ظاهرة باتت تعرف في المغرب بظاهرة «الموظفين الأشباح» أي اولئك الذين يتقاضون مرتبات لكنهم لا يحضرون الى إداراتهم.

وعلى الرغم من ان برنامج التقاعد المبكر يمنح المسؤولين حق الاعتراض على استفادة أي موظف من الاستقالة فإنه لا يحق للإدارة بعد الحصول على تلك الموافقة التراجع عن القرار، ويبدو ان بعض الادارات لم تنتبه لهذا الجانب.

وقال مسؤول حكومي في وقت سابق إن عشرة آلاف موظف عبروا عن رغبتهم في الاستفادة من التقاعد المبكر، نصفهم من اساتذة التعليم. وكانت عملية التقدم بطلبات من اجل التقاعد المبكر بدأت في اول يناير(كانون الثاني) الماضي، وستتواصل حتى نهاية يونيو (حزيران) المقبل.

وفي سياق ذلك، أعلن محمد بوسعيد، وزيرتحديث القطاعات العامة المغربي، ان عدد المتقدمين بطلب المغادرة الطوعية من الإدارات العمومية بلغ حتى اول من امس الى 19 ألف و670 طلبا، تمت الاستجابة بصفة نهائية لـ5 آلاف و598 طلبا، وهو ما يمثل نسبة 28.4 % من اجمالي الطلبات، فيما حاز7433 طلبا على الموافقة المبدئية، ولم يبت بعد في 6639 طلبا.

وأكد الوزير بوسعيد، الذي كان يتحدث، أمس، الى النواب في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (الغرفة الاولى في البرلمان )، تعويض 889 موظفا غادروا الادارة بصفة نهائية، وكلفوا خزانة الدولة 162 مليون درهم (الدولار يساوي 8.3 درهم) ويوازي هذا التعويض 28 شهرا من الأجر (الراتب) الشهري.

ونبه الوزير بوسعيد، النواب الى عدم إصدار أحكام قيمة حول عملية المغادرة الطوعية نظرا لمرور نصف المدة (3 أشهر) على انطلاقتها، وتأخر بعض القطاعات في تفعيل العملية بشكل تام بالنظر الى خصوصيتها مثل وزارة التربية والتعليم، مشيرا الى انه سيتم البت في الطلبات على ثلاث مراحل ابتداء من 15 أبريل (نسيان) المقبل، و30 مايو (ايار) المقبل، و30 يوليو (تموز) المقبل، كما يرجع الأمر الى تريث بعض الفئات من تقديم طلباتها ولاسيما تلك التي لم يتم بعد صرف الشطر الأخير من الزيادة في الرواتب المقررة لفائدتها، وتردد بعض الأشخاص في تقديم طلباتهم الى حين التأكد من صحة المعلومات المقدمة اليهم من خلال معاينة عملية تسوية وضعية الشريحة الأولى المستفيدة.

وأبرز بوسعيد أن وزارة التربية والتعليم تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الطلبات التي تصل الى 10 ألف طلب، وتمثل 53.4 % من اجمالي الطلبات، تليها وزارة الداخلية ب1907 طلب، فوزارة الفلاحة ب1163، موضحا أن غالبية المستفيدين تتجاوز أعمارهم 54 عاما، إذ يمثلون نسبة 41.7 % فيما تتوزع باقي النسب على باقي فئات العمرية. ويمثل الرجال 60 % من اجمالي الطلبات، وهو رقم منطقي بارتفاع عدد الموظفين مقارنة بعدد الموظفات.

ونفى الوزير المغربي أن تؤدي العملية الى افراغ الادارة من الكوادر، وقلل من تخوفات النواب. وأوضح أن لرئيس الإدارة الحق في التحفظ على الطلب المقدم له، لاحتياج الوزارة الى خدمات المعني بالأمر، وخص بالذكر وزارات التعليم والصحة والعدل.

واعتبر الوزير بوسعيد ما ينشر في الصحف من تقديم رشاوى واعتماد مقاييس الزبونية والمحسوبية للظفر بالمغادرة الطوعية مجرد اشاعات. وأمام الحاح النواب على وجود نوع من التواطؤ، قال الوزير بوسعيد إن الحكومة عازمة على ضرب المتلاعبين، وتحتاج الى حجج قاطعة لطرد كل من سولت له نفسه القيام بذلك.

وفي السياق ذاته، نفى الوزير المغربي أن تكون هذه العملية تمت بايعاز من جهات خارجية، في اشارة الى البنك الدولي الذي يطالب بتقليص كتلة الأجور حتى تتساوى ونسبة النمو، بيد أنه جدد التأكيد على أنها فكرة مغربية محضة تتوخى عصرنة الإدارة المغربية لمواكبة التحولات الجارية في العالم. واطلع المسؤول المغربي النواب على نتائج استبيان، أجرته الوزارة وشمل 594 موظفا، أعلن من خلاله الموظفون عزمهم، في حالة قبول طلباتهم، انجاز مشاريع اقتصادية فردية أو جماعية، إذ عبر 66 % من اجمالي العدد عن هذه الرغبة. وتوقع المسؤول المغربي ارتفاع عدد الطلبات عند اقتراب نهاية عملية المغادرة في 30 يونيو (حزيران) المقبل، لوجود ما أسماه تحفيزات، ويصل عدد الموظفين المدنيين بالقطاع العمومي 851 ألف موظف يكلفون خزانة الدولة 55 مليون درهم، إذ تصل كتلة الأجور الى نسبة 12.5% بالنسبة للناتج الداخلي الخام.