تقارير عن سعي سورية للاحتفاظ بنفوذها في لبنان عبر شبكة خفية من النشطاء في ضاحية بيروت الجنوبية

TT

ذكر مسؤولون اميركيون وأوروبيون وآخرون في الأمم المتحدة بالإضافة الى المعارضة اللبنانية ان سورية تعمل سرا عبر شبكة من النشطاء اللبنانيين علي ضمان استمرار سيطرتها على لبنان حتى بعد انسحاب آخر جندي من قواتها التي تصل الى 15 ألف جندي، في تحد لقرار الأمم المتحدة الذي يدعو لإنهاء سيطرة سورية المستمرة من 29 سنة على لبنان.

وبالرغم من ان سورية أغلقت مقر مخابراتها في وسط بيروت، فإن دمشق تؤسس وجودا خفيا، في الضواحي الجنوبية للعاصمة اللبنانية، ويعمل فيه عدد من المسؤولين الذين لن يتم الكشف عن وظائفهم، طبقا لما ذكرته المعارضة اللبنانية والمصادر الغربية. وتتناقض مثل هذه الخطوة مع تعهد الرئيس بشار الأسد بسحب النشاط الاستخباراتي السوري الكبير من العاصمة اللبنانية ابتداء من امس (الخميس).كما ذكر المسؤولون الاوروبيون في الأمم المتحدة أن سورية تستخدم حلفاء لها في الحكومة اللبنانية وعملاء في اجهزة الأمن اللبنانية لتعطيل الانتخابات اللبنانية التي ستجري في شهر مايو (أيار) المقبل لاختيار برلمان جديد، وهو المفتاح الرئيسي للتغيير السياسي. وفي البرلمان الحالي فإن الرئيس والمكلف برئاسة الحكومة و70 من أصل 128 نائبا في البرلمان من الموالين لسورية.

وأوضح روبرت رابيل في تحليل ظهر هذا الاسبوع في تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى انه «بالرغم من وجود القوات السورية في لبنان، فإن دمشق تسيطر على لبنان عبر المؤسسات اللبنانية التي تزدحم بالعناصر الموالية لسورية».

وفي الوقت ذاته اوضح مسؤول اميركي كبير يشارك في السياسة المتعلقة بلبنان «ان ما نحاول القيام به هو وضع اكبر قدر من الضغوط على دمشق لتوضيح ان أي استخدام لنفوذها في لبنان، لن يتم التسامح معه ـ ولدرجة ما فإن أي شيء سيئ سيحدث، سنعتبر سورية مسؤولة عنه».

كما أضاف مسؤول كبير في وزارة الخارجية «الرسالة التي نبعث بها هي: الاشخاص الذين من المفروض ان يديروا لبنان ليسوا السوريون ولا عملاء سورية، ولكن اللبنانيين... والوجود الوحيد الذي يجب ان يكون لسورية في لبنان هو سفارة، مثل أي دولة اجنبية اخرى». والمعروف ان سورية التي تعتبر لبنان منذ امد طويل امتدادا لسيادتها، لا تحتفظ بسفارة في بيروت.

ومن المتوقع ان يؤكد مبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن ان يؤكد على اهمية إزالة كل رموز النفوذ السوري في لبنان خلال جولة محادثاته الثالثة والأخيرة مع الأسد الأحد المقبل قبل تسليم تقريره الرسمي لمجلس الأمن حول مدى التجاوب السوري. وفي إطار تلك النشاطات التقى رود لارسن في واشنطن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي.

واوضح كل من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، اللذين توصلا الى صياغة سياسة مشتركة إزاء لبنان، ان سورية تعتبر مسؤولة، ولو جزئيا، عن تفجيرات حدثت في الآونة الأخيرة. فقد أعرب مسؤول اميركي رفيع عن اعتقاد واشنطن في ان سورية تقف وراء هذه الهجمات.

جدير بالذكر ان سورية نشرت قواتها في لبنان عام 1976 كجزء من محاولة لوضع نهاية للحرب الأهلية، التي استمرت 14 عاما اخرى. ويعتقد محللون ان لدى سورية وسائل اخرى للتأثير على الأحداث في لبنان، اذ ان الدولتين وقعتا اتفاقية دفاع مشترك تسمح لسورية بالعودة الى الأراضي اللبنانية تحت أي دعاوى. يضاف الى ذلك ان هناك حوالي 600000 سوري يعملون في لبنان ويشكلون قوة عاملة حيوية في لبنان، الذي تقل مساحته عن مساحة ولاية كنيكتيكيت الاميركية ويقدر عدد سكانه بأقل من 4 ملايين نسمة. قطع العلاقات التجارية بين البلدين سيكون صعبا، وربما يترك لمفاوضات منفصلة ترتيب اتفاقيات جديدة تنظم التجارة والهجرة والعمل. ويشغل الكثير من السوريين وظائف هامشية في منطقة وادي البقاع ويشكلون عمالة رخيصة يعتمد عليها اصحاب المزارع في المنطقة. ويقول تيمور غوكسيل، وهو مستشار سابق بمنظمة الأمم المتحدة في لبنان وأستاذ حاليا بالجامعة الاميركية في بيروت، ان النفوذ السوري متغلغل في غالبية أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية في لبنان وحتى بعض المواقع المدنية لا بد من المصادقة عليها من دمشق. إلا ان غوكسيل قال انه من السذاجة بمكان ان نتخيل ان انسحاب القوات السورية من لبنان لا يعني انتهاء العلاقة الوثيقة بين الجانبين. تعتمد استراتيجية واشنطن والأمم المتحدة على ان يوفر الانسحاب السوري فرصا جديدة لإجراء انتخابات حرة وتغيير سياسي في لبنان. بعض المحللين اللبنانيين يشعرون بالتفاؤل ازاء مستقبل الأوضاع عقب الانسحاب السوري. إلا ان رامي خوري، رئيس تحرير صحيفة «ديلي ستار» اللبنانية، يعتقد ان سورية ستواصل استكشاف السبل اللازمة للإبقاء على نفوذها في لبنان، لكنه أشار الى انه لا يعرف على وجه التحديد كيف ستحتفظ سورية بنفوذ قوي خصوصا في ظل الضغوط الداخلية الداعية لإجراء مراجعة شاملة للنظام الأمني والسياسي في لبنان.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»