تركيا في عين الإعصار (6) وزير الخارجية التركي: سنة العراق أخطأوا بمقاطعتهم الانتخابات وما زلنا نحثهم على اللحاق بالقطار

TT

أخيرا صار للسفينة التركية عقل بوسع المرء أن يحاوره ويفهم منه ما يجري، وهذا شيء جديد نسبيا لانه في ظل الحكومات الائتلافية التي حكمت البلاد طيلة السنوات الثلاثين الماضية كان الباحث في الشأن التركي يواجه مشكلتين، الأولى أن عقل الحكومة الشرعية مشتت وموزع على مختلف القوى السياسية المشاركة في الائتلاف (أحيانا كان الواحد منا يلاحظ انه لا يوجد عقل أصلا)، والثانية أن حكومة العسكر الخفية بأجندتها الصارمة كانت تعمل بعيدا عن الأعين وبالتالي كان الوصول إليها متعذرا، والحوار معها مستحيلاً.

الوضع اختلف الآن تماما. فثمة حزب واحد يحكم، له رؤية واضحة سواء كان ممثلوه على رأس الحكومة او يهيمنون بأغلبيتهم على البرلمان، ثم ان الحكومة الخفية لم تعد حكومة كما كانت، كما انها لم تعد خفية، فرئيس الأركان ما برح يؤكد أن الجيش ينفذ السياسة ولا يصنعها، ثم ان مجلس الأمن القوي نزعت عنه العسكرة من الناحية العلمية وصارت أمانته موكولة إلى أحد السفراء بعدما نزع عنها سلطات الجنرالات.

هناك ثلاثة من أركان ممثلي الحكومة، اثنان في الواجهة هما رئيس البرلمان بولند ارينج ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية عبد الله غل أما الثالث فهو أحد أهم مستشاري رئيس الوزراء، الدكتور احمد داوود اوغلو أستاذ العلوم السياسة السابق الذي يعد كبير مهندسي السياسة التركية، والحاضر في كل قرار أو اجتماع سياسي، والغائب في كل الصور.

* حظ الحجاب ضد حقوق الإنسان

* البرلمان كان الباب الذي لا بد من المرور منه لإنجاز عملية الترميم واعادة البناء الجارية في تركيا الآن، إذ ما كان لحكومة حزب العدالة أن تستجيب للآمال المعقودة عليها من الناس أو تلبي الشروط التي استدعتها عملية تأهيل تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا إذا كانت على تفاهم تام مع البرلمان الذي تحتفظ فيه بأغلبية معتبرة (لهم 363 نائبا من بين 550 عضوا) تضمن لخططها أن تمر بسلام.

«قمنا بتغيير حوالي مائة قانون لذلك كان مطلوبا منا ان نحدث ثورة هادئة وتغيير 40 مادة في الدستور خلال السنتين الماضيين»، هكذا قال السيد بولند ارينج وهو يشرح الجهد الذي بذله البرلمان للإسراع بخطى الإصلاح المطلوب. وأضاف قائلاً: «كنا نركض في حقيقة الأمر. وكان ذلك ضروريا، لان قائمة الإصلاحات كانت أطول بكثير مما توقعنا. ومشاكل الناس المعقدة كانت لها الأولوية. قمنا بتعديل رواتب الموظفين وتحسين رواتب أصحاب المعاشات. كما اصدرنا قانون الضمان الاجتماعي وأوقفنا الإسراف الحكومي وألغينا المشروعات عديمة الفائدة وقلصنا عدد الوزارات من 38 إلى 24 وزارة، عبر القوانين التي أصدرناها خاصة تلك المتعلقة بإطلاق حرية التعبير للجميع من دون استثناء وإلغاء العقوبات التي كانت مقررة في هذا الصدد كما ألغينا عقوبة الإعدام وغيرنا القانون الخاص بمجلس الأمن القومي الذي تعزز وجود المدنيين فيه، وأخضعنا ميزانية الجيش للرقابة المحاسبية والقضائية.. الخ.

* هل كان ذلك كله تنفيذا لطلبات الاتحاد الأوروبي؟

ـ كانت إصلاحات ضرورية للنهوض بالمجتمع وتخفيف الأعباء عن الناس وبطبيعة الحال فقد كانت هناك خطوات اتخذت استجابة لطلبات الاتحاد الأوروبي.

* من الواضح أن البرلمان اهتم للغاية بالاستجابة لطلبات الاتحاد الأوروبي وأعطى لها الأولوية وقد سمعت من بعض الذين لقيتهم ان جماهير المتدينين الذين صوتوا لحزب العدالة حتى فاز بالأغلبية لم يتحقق لهم شيء مما توقعوه؟

ـ هذه ليست حكومة المتدينين وحدهم وإنما حكومة الشعب التركي كله الذي له الأولوية في جدول أعمالنا، وكل مصلحة للشعب هي مصلحة للمتدينين أيضا. وقد أثبتت الانتخابات البلدية أن شعبية الحكومة زادت ولم تنقص فقد وصل الحزب إلى السلطة بنسبة 31% من الاصوات، لكن الذين صوتوا لمرشحينا في انتخابات البلديات الأخيرة كانت نسبتهم 62%.

* هل كان سحب مشروع تجريم الزنا بضغط من الاتحاد الأوروبي؟

ـ التجريم كان موجودا في القانون من قبل ولكنه أوقف في عام 1994 بقرار من المحكمة الدستورية العليا، وقد أراد البعض إعادة أحياء المادة الخاصة به، ولكن المشروع سحب ولم يتح للمجلس أن يناقشه، نتيجة للغط الذي أثير حول الموضوع، ونحن لسنا متعجلين في شيء، ونحاول أن نمضي في الإصلاحات التي تحظى بالإجماع الوطني، أما القضايا الخلافية فهي مؤجلة حتى ينضج الاتفاق من حولها.

* هل تعتبر أن مسألة حظر الحجاب من القضايا التي لم ينعقد من حولها الإجماع الوطني؟

ـ رأيي الشخصي أن الحظر يتعارض مع ميثاق حقوق الإنسان. وهو لا يزال موضوعا خلافيا ودقيقا واعتقد الآن ان الإجماع الوطني لم يتوفر له بعد ولست اخفي تعاطفا وتقديرا شديدين مع دعاة رفض الحظر عن المحجبات ولكن أرجو أن يتفهم الجميع أن همومنا لها أولويات، والمشاكل الحياتية التي تضغط على شريحة واسعة من الناس على رأس تلك الأولويات، كما أرجو أن يتفهموا أننا نؤخر ملفات القضايا الخلافية، واننا نعمل جاهدين من اجل الحفاظ على الاحتشاد الوطني، ومن ثم فأعيننا مثبتة دائما على ما يجمع وليس ما يفرق ونعتبر التدرج مهما للغاية خصوصا في المسائل الاجتماعية.

* ألا ترون انكم في النهاية قد لا تكسبون ود او رضى الاتحاد الأوروبي ولا تكسبون أيضا الأحزاب العلمانية، لكنكم تخسرون قاعدتكم الأساسية المتمثلة في المتدينين؟

ـ في مسألة الاتحاد الأوروبي لا نريده حبا من طرف واحد، ورغم ان قبول تركيا من حيث المبدأ تم حسمه، فان ذلك إذا لم يتحقق في نهاية المطاف، فليس معنى ذلك نهاية تركيا، التي يعرف الجميع انها دولة كبيرة وقوية في المنطقة، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو أحد مشروعاتنا لكنه ليس مشروعا به تحيا تركيا أو تموت. وبالنسبة لكسب تعاطف العلمانيين وخسران تأييد المتدينين فإنني اكرر اننا لا نتعامل مع القضايا والملفات المختلفة من هذه الزاوية وانما نحن مشغولون بالمجتمع ككل وبالفئات الضعيفة فيه. نحن نؤكد احترام العلمانية وندعو إلى تبادل الاحترام بين العلمانيين والمتدينين.

* ألا ترى أن البرلمان ليست فيه معارضة تذكر، وان الوضع السياسي في تركيا يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية، حتى أن البعض يعتبر ذلك من قبيل العودة الواقعية إلى نظام الحزب الواحد؟

ـ المعارضة موجودة في البرلمان وصوتها لم يختف بعد، ولكن إذا كان حزب العدالة قد حظي بتأييد أغلبية الجماهير، وبالتالي كان له تمثيله القوي في المجلس، فماذا نفعل، وهل تتوجه إلى الناس بالنقد واللوم؟

* علاقات مع أميركا تحمل الاختلاف

* عبد الله غل كان مقبلا لتوه من بروكسل، حيث رافق رئيس الوزراء طيب رجب اردوغان في الاجتماع الذي دعا إليه الاتحاد الأوروبي، وحضره الرئيس الأميركي جورج بوش وكان ذلك قد تم وسط الضجة الإعلامية التي أثيرت حول الشعور بالكراهية للولايات المتحدة والذي عبر عنه 82% من الأتراك، والأزمة بين واشنطن وانقرة لذلك، بادرته بالسؤال عن المدى الذي وصلت إليه العلاقة بين البلدين وكان رده أن الحديث عن الأزمة هو افتعال إعلامي مشكوك بالمبالغة فيه، لان ثمة تفاهما بين انقرة وواشنطن، يقوم على الثقة والاهتمام المتبادل، وذلك لا يخل باختلاف المواقف، لان وجود التفاهم والاحترام لا يعني الاتفاق في كل شيء، ودعا في ذلك الي التمييز بين موقف الحكومة التركية وبين تعبيرات الشعب التركي فالحكومة اختلفت مع الإدارة الأميركية في موضوع العراق من ناحيتين، الأولى ان القيادة التركية عارضت الغزو والثانية ان البرلمان التركي رفض استخدام الأميركيين للأراضي التركية في الغزو، وقد تجاوزنا الموضوع الأول، واتجهنا إلى التعامل مع نتائجه، اما موضوع رفض عبور القوات، فليس سرا ان واشنطن لم تكن سعيدة به، ولكنها تفهمت أن ذلك قرار البرلمان الذي يمثل الشعب، وما كان للحكومة أن تتحدى إرادة الشعب وتمضي في الاتجاه المعاكس لها. وفي حينه فان ذلك احدث شرخا في علاقات البلدين أمكن علاجه وتجاوزه.

فيما يتعلق برأي الشعب التركي ونتائج الاستطلاعات التي عبرت عن رفضه للسياسة الأميركية عموما، رأى غل أن الأتراك لا ينفردون بهذه المشاعر، وانهم فيما عبروا عن ذلك فانهم لم يختلفوا كثيرا عن غيرهم في أوروبا، وقال في هذا الصدد انه اذا كانت نسبة الرافضين بين الأتراك 82% فقد أشار الاستطلاع ذاته الذي أجرته هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) أن النسبة وصلت إلى 84% في فرنسا و86% في ألمانيا.

* هل تعتقد أن حساسية واشنطن إزاء الموقف التركي ناشئة عن أن ثمة علاقة حميمة مع انقرة منذ نصف قرن، فضلا عن أن واشنطن تعتبر تركيا نموذجا للعالم الإسلامي يراد تعميمه في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تحتل فيها انقرة موقعا مركزيا؟

ـ العلاقات الحميمة موجودة بالفعل، وهي لا تمنع الاختلاف أو التباين في الموقف، وهو الحاصل في علاقات فرنسا وألمانيا بالولايات المتحدة وهما ربما كانا اقرب إليها منا، أما موضوع الشق الثاني في السؤال فهو لا يسعدنا ولا نستريح إليه طبعا، فنحن نقدر اهتمام البعض بالتجربة التركية ولكن هذه التجربة هي حصيلة ظروف وخبرة وخصوصية المجتمع التركي، ومثل هذه التجارب يتعلق استنساخها وتطبيقها على مجتمعات أخرى لها ظروفها المغايرة، وخصوصيتها التي ينبغي أن تحترم لدينا، ونحن لا نحب أن نستخدم في أية مخططات أجنبية وندعو في كل مناسبة إلى أن تحل حكومات وشعوب المنطقة مشاكلها بنفسها ومن دون تدخل من أحد.

* هل يوجد تفاهم بين أنقرة وواشنطن حول المشروع؟

ـ أخذنا علما به وموقفنا منه كما قلت حالا، وللعلم فإننا كنا مدركين من وقت مبكر أهمية إجراء الإصلاحات في العالم العربي والإسلامي وقبل إطلاق المبادرة الأميركية، قلت هذا الكلام في خطاب علني أمام اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في طهران (عام 2003) فتحدثت عن الديمقراطية والشفافية ومحاسبة الساسة ومحاربة الفساد وتحقيق المساواة بين أبناء الشعب الواحد ومن المخجل أن يتدخل غيرنا لإجراء تلك الإصلاحات في بلادنا. وما زلنا من جانبنا نسعي لتنشيط الحوار بين الدول العربية الإسلامية راجين أن تتفاهم تلك الدول على حل مشاكلها فيما بينها من دون أي تدخل خارجي.

* الاحتمال الأسوأ في العراق

* هل تحاول تركيا أن تضع قدما داخل الاتحاد الأوروبي وقدما أخرى في العالم العربي الإسلامي؟

ـ تركيا بلد كبير فرض عليه موقعه وتاريخه أن يتحرك في دوائر متعددة لا تناقض بينها وحرصنا على الانضمام للاتحاد الأوروبي لا يتعارض مع تحركنا في إطار الدوائر العربية والإسلامية ومن جانبنا عملنا على مد جسور قوية مع دول الجوار العربية والإسلامية المحيطة بنا، وقمنا بحل كل المشاكل التي كانت عالقة مع تلك الدول، وفي الوقت ذاته بذلنا جهدا كبيرا لاحتواء الأزمة العراقية من خلال الدعوة الي عقد مؤتمر لدول الجوار ثم إننا رشحنا شخصية تركية لامانة منظمة المؤتمر الإسلامي وفاز بها.

* هل تعتبر ان مؤتمر دول الجوار العراقي حقق أشياء في مواجهة الغزو الذي عارضتموه؟

ـ كنت أتمنى ان يحقق المؤتمر نتائج افضل كما كنت أتمنى أن تقوم جامعة الدول العربية بدور اكثر فاعلية لكننا لا نملك كل الخيوط في ايدينا لاننا لسنا وحدنا في الساحة، نحن نملك ان نبادر فقط ونحاول تحريك الأمور في الاتجاه الصحيح، لكن بلوغ تلك الغاية منوط بأطراف أخرى متعددة. صحيح إننا عارضنا الغزو ولكنه بعد أن وقع فإننا لم نقف مكتوفي الأيدي مكتفين بالرفض وانما كان علينا أن نتعامل مع نتائجه.

* هل تعتبرون أن ما يحدث في العراق يشكل تهديدا للأمن القومي التركي؟

ـ لا نستطيع ان نتجاهل ما يجري في العراق لاسباب كثيرة ونتمنى ألا يحدث الأسوأ الذي يمس بطريق مباشر الأمن القومي لبلادنا.

* ما هو الاحتمال الأسوأ؟

ـ التقسيم هو الأسوأ لانه يعني وقوع حرب أهلية فيه لكننا مازلنا نستبعد ذلك الاحتمال وما تلقيناه من رسائل عبر كل الأطراف يؤيد ذلك الظن، وفي كل الأحوال فالشأن العراقي ضمن أولويات السياسة الخارجية التركية، ولهذا السبب فاتصالاتنا مستمرة مع مختلف الأطراف في داخل العراق وخارجه.

* ما تقييمكم لمقاطعة السنة للانتخابات؟

ـ لقد اتصلنا بهم وشجعناهم على المشاركة واعتقد انهم أخطأوا حين عزلوا أنفسهم عن المشهد الانتخابي ومازلنا نحثهم على اللحاق بالقطار لانه يتحرك وينبغي ألا يذهب بعيدا عنهم.

* إلى أي مدى تعتبرون ملف تركمان العراق مؤثرا على موقف حكومة انقرة؟

ـ لقد وقفنا إلى جانب الأكراد في محنتهم إبان النظام السابق ونحن نتحمل مسؤولية أخلاقية إزاء التركمان لكننا نعتبر أن مشكلتهم لن تحل إلا في حل مشكلة وحدة العراق لأننا نعتبر أن العراق الموحد والديمقراطي يمثل ضمانا للجميع.

* في اكثر من مناسبة اعتبرتم أن كركوك خط احمر بالنسبة لتركيا وان سيطرة الأكراد عليها وضمها الى محافظات الشمال أمر يقلق انقرة.

ـ نحن نحترم الشأن العراقي إلا إذا اضر بالمصالح الحكومية ونتمني أن تظل كركوك مدينة عراقية تحتضن الجميع ولا يوظفها طرف من دون آخر لحسابه وان نحتفظ بمسافة من الشأن الداخلي العراقي إلا إننا حاضرون في التعاطي مع القضايا التي تهم أمر بلادنا.

* ثمة تقارير نشرتها الصحف التركية تتحدث عن وجود أسلحة نووية في قاعدة انجرليك العسكرية الأميركية وتقارير أخرى عن اعتزام الولايات المتحدة إقامة قواعد أخرى على الأراضي التركية.

ـ هذه كلها شائعات لا أساس لها من الصحة فكل السلاح الأميركي في القاعدة تحت السيطرة التركية ولا شيء يدخل فيها ويخرج منها إلا بعلمنا وبالتالي ليس صحيحا أن بها أسلحة نووية كما أن واشنطن لم تطلب منا إقامة قواعد عسكرية جديدة.

* ما موقفكم من الضجة المثارة في الغرب حول المشروع النووي الإيراني؟

ـ نحن متفهمون للموقف الإيراني ولا نرى في مشروعاته تهديدا لنا، لكننا نتمنى أن تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

* ذلك يعني إسرائيل أيضا؟

ـ اسرائيل ينبغي الا تستثنى، ومطالبة إيران بعدم استخدام مفاعلاتها للأغراض غير السلمية يجب أن تنطبق على إسرائيل وألا فلن تكون لها قيمة.

* قمت بزيارة إسرائيل في الوقت الذي تنشط فيه إسرائيل في شمال العراق. هل عبرتم عن القلق إزاء ذلك؟

ـ زيارة إسرائيل لها ملابسات خاصة (علمت لاحقا انها كانت استجابة لطلب فلسطيني وسوري) وعلاقاتنا بإسرائيل لا تتجاوز علاقة بعض الدول العربية بها، وقد نقلنا إلى المسؤولين هناك قلقنا من الأنشطة الإسرائيلية في شمال العراق ولكنهم نفوا الأنباء التي تحدثت عن ذلك.

* هل تعتقد أن رئيس الوزراء رجب اردوغان يهيىء نفسه للترشح لرئاسة الجمهورية؟

ـ الوقت مبكر والانتخابات يفترض أن تجري في عام 2007 والموضوع ليس على الاجندة الآن.

* الحل العسكري مستبعد

* ثمة خمسة مفاتيح لسياسة الحكومة الحالية، ينبغي ان يضع المرء يديه عليها حتي يستطيع ان يفهم الموقف التركي ويستوعبه جيدا، هكذا قال الدكتور احمد داوود اوغلو المستشار السياسي لرئيس الوزراء. المفتاح الاول يكمن في العلاقة بين الشؤون الداخلية والسياسة الخارجية، التي تفرض احداث موازنة بين الحرب والأمن، إذ نحن نعتبر أن توفير الحريات والتوسع فيها داخليا هو من ضمانات تحقيق الاستقرار والأمن وإذا كانت دول عدة كبرى ضحت ببعض مقومات الحرية في سبيل الاحتياط للأمن فان الحكومة التركية تفهمت هذا التوجه ولذلك قطعت شوطا بعيدا في إطلاق الحريات (ذلك واضح بالنسبة للأكراد بدرجة أخص) وكان تقليص دور العسكر من الخطوات المهمة التي اتخذت على هذا الصعيد.

المفتاح الثاني يتمثل في فض الاشتباك مع كل الجيران، واستبعاد التفكير العسكري في التعامل معهم الأمر الذي اعتبر العمل السياسي والدبلوماسي خيارا وحيدا، وبهذا الأسلوب تعاملت انقرة مع مشاكلها العالقة مع كل من اليونان وسورية وإيران وبلغاريا وارمينيا ورومانيا وجورجيا.

المفتاح الثالث يتمثل في توسيع نطاق التعاون ومد الأيدي للجميع وعدم الاكتفاء بالتعويل على الولايات المتحدة من دون غيرها. وهذا المفهوم وراء الجسور التي تحاول الحكومة مدها في مختلف الاتجاهات من زيارة موسكو التي كانت أول رحلة من نوعها يقوم بها رئيس الوزراء التركي إلى الصين مرورا بروسيا ودول شرق أفريقيا، إضافة إلى التداخل المستمر مع الاتحاد الأوروبي.

المفتاح الرابع يركز على السعي الحثيث لتغيير صورة تركيا في العالم الخارجي، ومخاطبة أوروبا باعتبارها دولة أوروبية، ومخاطبة العالم الإسلامي انطلاقا من اعتزازنا بهويتنا الإسلامية، في هذا الصدد فان فكرة تركيا الجسر نرفضها، لأن الجسر بلا هوية، ونفضل أن تقوم بدور الدولة المركزية المهمة والمؤثرة في المنطقة.

المفتاح الخامس والأخير يتمثل في اعتماد أسلوب الدبلوماسية المتحركة، التي تطلق المبادرات ولا تكتفي بردود الفعل وهو ما حدث مثلا أثناء الإعداد لغزو العراق حيث كان رئيس الوزراء التركي يناقش الأمر مع مختلف عواصم الشرق والغرب في حين بقي الآخرون ينتظرون ما ستفعله واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى.

* بأمر التاريخ والجغرافيا

* أضاف الدكتور احمد اوغلو أن تركيا لا تستطيع أن تنكفئ على ذاتها ولا تستطيع أن ترهن سياستها بانتظار ما يفعله الآخرون لان كل المشاكل التي تثار حولها تصب عندها وتؤثر فيها وإذا كان قدرها قد كتب عليها ذلك فلا مفر من أن تتعامل مع هذا الواقع كما هو.

قلت: لكن تركيا مثقلة بالتزامات واعباء ثقيلة تحد من حريتها في الحركة مثل ارتباطها بحلف شمال الاطلسي (الناتو) وحرصها على الارتباط بالاتحاد الأوروبي واضطرارها إلى الامتثال لشروطه.

اجاب: أرى أن الحرية ليست مطلقة وان تركيا مثقلة بأعباء كثيرة في الداخل والخارج لكن ثبت من خلال الممارسة أن السلطة إذا توافرت لديها الإرادة وإذا كانت مدعومة بتأييد شعبي تستمد منه شرعيتها تستطيع أن تفعل الكثير وتوسع من هامش الحرية المتاح لها. وهناك مواقف كثيرة بعضها معلن والبعض الآخر غير معلن، تصرفت فيها تركيا باستقلالية على غير ما توقع البعض. وكان رفضنا لعبور القوات الأميركية أراضي بلادنا في غزو العراق، من الشواهد الدالة على ذلك والتي لم يتوقعها كثيرون حتى في الإدارة الأميركية ذاتها، وحين التقينا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال انه بدوره فوجئ بقرارنا، معتبرا ان تركيا لا تملك القدرة على مقاومة الرغبات الأميركية.

قلت: هل هذا ينسحب أيضا على رفض انقره مبلغ المليار دولار الذي خصصته الإدارة الأميركية لتعويض تركيا عن خسائرها من جراء غزو العراق.

قال: الملابسات مغايرة لكن رفض التعويض انطلق من الحرص على استقلال الإرادة التركية.