تقرير اللجنة الرئاسية الأميركية: ضباط الاستخبارات بعثوا برسائل عاجلة عن شكوكهم حول أسلحة العراق قبل إلقاء خطاب باول بساعات في مجلس الأمن

TT

في الوقت الذي كان وزير الخارجية الاميركي السابق كولن باول يعمل خلال الليل في غرفة فندقه في نيويورك عشية خطابه امام مجلس الأمن في فبراير (شباط) 2003، بعث ضباط وكالة الاستخبارات المركزية برسائل إلكترونية عاجلة وبرقيات يعبرون فيها عن شكوك عميقة حول اتهام اساسي سيعلنه في كلمته. وحذر ضابط استخبارات كبير في حديث هاتفي مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك جورج تينت انه لا يثق في المصدر الرئيسي للتأكيدات بأن علماء صدام حسين يطورون عناصر قاتلة في مختبرات متنقلة. وطبقا لشهادة ضمها تقرير اللجنة الرئاسية التي شكلها الرئيس بوش بخصوص فشل اجهزة الاستخبارات والذي ادى الى قراره بغزو العراق في مارس (اذار) 2003، فإن تينت رد بكلمات اقرب الى «نعم نعم» وانه «مرهق».

وذكر تينت للجنة انه لا يتذكر هذا الجزء من الحديث. ولم ينقل مثل هذه المخاوف الى باول، الذي جعل تهمة الحرب الجرثومية النقطة الاساسية لعرضه امام مجلس الأمن في اليوم التالي.

وكان ذلك مثالا بين العديد من الامثلة ـ التي أشار اليها التقرير الواقع في 695 صفحة حول اختلافات غير مثمرة في دقة الادعاءات ضد العراق. وأوضح التقرير انه حتى الايام التي سبقت دخول القوات الاميركية للعراق في شهر مارس، فإن أجهزة الاستخبارات تلقت العديد من الادلة التي تقوض كل الاتهامات التي وجهتها للعراق، تقريبا.

وفي عشرات من القضايا الاضافية المتعلقة بالبرامج النووية والكيميائية العراقية، أشارت الهيئة ما وصفته «غرفة صدى» تتحول فيه الافتراضات الى تأكيدات، وبالتالي تصبح محصنة ضد الادلة.وقبل المحللون الرئيسيون، بدون التأكد، المعلومات التي تؤكد وجود اسلحة غير مشروعة، كما ذكرت الهيئة. ورفضوا أدلة مضادة باعتبارها خدعا عراقية ماهرة.

وتجدر الاشارة الى ان تحليل الهيئة لفشل أجهزة الاستخبارات فيما يتعلق ببرنامج الاسلحة النووية العراقي دليل واضح على ذلك. فقد بدأ في اوائل 2001، مع تولي بوش السلطة، عندما حصلت وكالة الاستخبارات المركزية على اول تقرير لها بأن العراق يحاول شراء انابيب المنيوم من السوق السوداء. وتوصلت الوكالة، وبسرعة، بعد اكتشاف عينة في شهر ابريل (نيسان) من تلك السنة، ان العراق ينوي استخدام تلك الانابيب في اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، لاستخدامها في الاسلحة النووية.

ولم يتراجع مركز استخبارات الاسلحة ومنع انتشار الاسلحة والحد منها التابع للوكالة، عن هذا التحليل، طبقا للتقرير. وخلال العام ونصف العام التالي، حقق محللو المركز انتصارا بيروقراطيا هائلا ضد المنشقين من الوكالات المختلة الذين ذكروا ان الانابيب ـ هي ذات حجم وشكل ومادة غير مناسبة لاستخدامها في اجهزة الطرد المركزي.

واصبحت الانابيب الدليل الاساسي على «تقييم رئيسي» في ادارة التقييم الاستخباري الوطني، الذي صدر في اكتوبر (تشرين الأول) 2002، وذكر ان العراق اعاد «تشغيل برنامج تسلح نووي ويمكنها انتاج قنبلة قبل نهاية العقد».

ولدعم تأكيدها بخصوص الانابيب الالومنيوم، اعدت الوكالة سلسلة من وجهات النظر اكد كبار علماء الفيزياء انها مشوشة من الناحية التكنيكية، او زائفة. ورد محلل في المركز ـ اشارت اليه صحيفة واشنطن بوست باسم جو ولم تذكر لقبه بناء على طلب وكالة الاستخبارات المركزية ـ على ذلك بتجاهل مركز مختبرات اوك ريدج وهو المركز الرئيسي الوحيد في اميركا الذي يضم خبراء في تقنية اجهزة الطرد المركزي النووية.

واشار تقرير الهيئة الى ان وكالة الاستخبارات المركزية شكلت لجنة من الخبراء لتحدي فريق اوك ريدج. وتوصل هؤلاء الخبراء، اعتمادا على «كميات من الوثائق قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية» الى ان الانابيب تستخدم في اجهزة الطرد المركزي.

ورفضت الوكالة عقد اجتماع للجنة استخبارات الطاقة النووية لحل النزاعات النووية بخصوص الاسلحة النووية. وكانت اللجنة قد اقترحت مرتين عقد مثل هذا الاجتماع، في ربيع وصيف عام 2002 لتقييم كل الادلة. وردت وكالة الاستخبارات المركزية «انها ليست على استعداد لمناقشة موقفها».

وفي نفس فصل الصيف عرض نائب مدير الوكالة انذاك جون ماكلخلين وجهة نظر الوكالة خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، مؤكدا ان الانابيب «تستخدم في برنامج اجهزة الطرد المركزية الغازية». وان الحصول عليها يشير الى «النية الواضحة لانتاج مواد انشطارية». وفي الشهر التالي بعثت الوكالة الى عدد من صانعي القرار بتقرير يصف الانابيب بأنها «دليل قاطع على ان العراق جدد برنامج اجهزة الطرد المركزية الغازية لتخصيب اليورانيوم».

وجاء دليل اساسي اخر من منشق عراقي ابلغ وكالة الاستخبارات الدفاعية ان العراق أسس منشآت نووية جديدة سرية. ولم تتمكن اجهزة الاستخبارات الاميركية من تأكيد هذا التقرير او تحديد موقع المنشآت التي لم تكن موجودة اساسا. وبعد الحرب توصلت وكالة الاستخبارات المركزية الى ان المنشق العراقي «جرى توجيهه» من قبل المؤتمر الوطني العراقي، بقيادة احمد الجلبي. وكشف التقرير، ان وكالة الاستخبارات الدفاعية لم تسحب تقرير المنشق العراقي من قاعدة المعلومات الوطنية حتى الان.

كما لم تسحب التقييمات التي قدمها المنشقون من امثال «كيرفبول» (curveball) الذي تبين ان روايته عن مختبرات متنقلة يعد فيها العلماء الاسلحة البيولوجية، كاذبة تماما، طبقا لتقرير الهيئة. وتجدر الاشارة الى ان المخاوف بخصوص كيرفبول كانت منتشرة في وكالة الاستخبارات المركزية لاكثر من ثلاث سنوات قبل ان يعلن باول ادعاءاته للعالم. ولم يلتق أي ضابط في وكالة الاستخبارات المركزية مع كيرفبول قبل الحرب، وإن كان ضابط في وكالة الاستخبارات الدفاعية بعث برسالة إلكترونية الى زملائه يشير فيها الى انه خلال اجتماعه مع المنشق، كان كيرفبول يبدو غير جدير بالثقة. وحتى بعد عرض باول الشهير في قاعة مجلس الأمن، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية العثور على معلومات اكثر عن كيرفبول، الذي نقلت روايته عبر جهاز الاستخبارات الالمانية. وبعد 5 ايام من عرض باول، بعثت وكالة الاستخبارات المركزية برسالة إلكترونية الى مسؤول كبير في جهاز وكالة الاستخبارات الدفاعية تطلب فيها مزيد من المعلومات عن المنشق.

وما حدث بعد ذلك، طبقا لرواية الهيئة، يكشف عن علاقات العمل السيئة داخل قطاع الاستخبارات، وعدم الاهتمام بالحصول على الحقيقة بخصوص كيرفبول، والسهولة التي تجاهلت بها وكالة الاستخبارات الدفاعية المخاوف بخصوص القضية ضد العراق.

فقد بعث رئيس وحدة في وكالة الاستخبارات الدفاعية تلقى الرسالة الإلكترونية من وكالة الاستخبارات المركزية الى موظف يعمل تحت قيادته الذي بعث بها بطريق الخطأ المرسل. وفي الرسالة عبر رئيس الوحدة عن صدمته من اشارة وكالة الاستخبارات المركزية الى ان كيرفبول ربما غير جدير بالثقة. ونقل عن رئيس الوحدة قوله، في تقرير الهيئة، «ان وكالة الاستخبارات المركزية تلجأ مرة اخرى الى الاعيبها التقليدية» و «ليس لديها علم» بالطريقة التي تم التعامل بها مع المصدر.

وفي مارس 2004 بعد سنة من غزو العراق، واجهت وكالة الاستخبارات المركزية كيرفبول بخصوص ادعاءاته قبل الحرب.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»