مصادر فرنسية لـ«الشرق الاوسط»: محاولات لبنانية لتفريغ القرار الدولي المتوقع من محتواه

فرنسا واثقة من إنشاء لجنة تحقيق دولية

TT

توقعت مصادر فرنسية رسمية ألا يتم التصويت على مشروع القرار الفرنسي ـ الأميركي الخاص بإنشاء لجنة تحقيق دولية ومستقلة لكشف حقيقة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري قبل يوم الثلاثاء القادم. وأشارت المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس الى الجهود التي تبذلها السلطات اللبنانية وغير اللبنانية داخل مجلس الأمن ومع عدد من الأعضاء المتحفظين من أجل «إفراغ مشروع القرار الجديد من محتواه»، مؤكدة أن باريس تعتبر قيام لجنة دولية «فاعلة ومفيدة وقادرة على تحقيق مهمتها بمثابة خط أحمر» لن تتراجع عنه فرنسا ولا المجموعة الدولية.

وبالنظر الى المناقشات التي جرت حتى الآن في مجلس الأمن الدولي، فإن أعضاءه ينقسمون، وفق المصادر الفرنسية، الى ثلاث مجموعات. وتضم المجموعة الأولى أكبر عدد من الدول الأعضاء هي بالإضافة الى فرنسا والولايات المتحدة، بريطانيا والدنمارك واليونان ورومانيا وتنزانيا. وتضم مجموعة المتحفظين الصين وروسيا والجزائر، فيما تضم المجموعة الثالثة البرازيل واليابان والفلبين التي تريد تعديلات طفيفة «من زاوية الحرص على السيادة اللبنانية ولأنها تعتبر أن ما يؤسسه القرار الجديد المنتظر يعد سابقة في تاريخ الأمم المتحدة يجب التنبه لجوانبها القانونية ولكيفية عمل اللجنة الموعودة وتعاملها مع السلطات اللبنانية». وتبدو باريس «واثقة» من استصدار القرار الجديد. ورجحت مصادرها أن تصوت المجموعة الثالثة لصالح القرار مقابل عدد من التعديلات التي تتناول التأكيد على السيادة اللبنانية وعلى المسائل الإجرائية المرتبطة بها. كذلك ترجح المصادر نفسها أن تمتنع الصين وروسيا والجزائر عن التصويت ما يعيد الوضع الى صورة ما كان عليه تقريبا عند التصويت على القرار 1559 في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويتشكل مجلس الأمن الذي ترأسه حاليا البرازيل، الى جانب الدول الخمس الكبرى، من اليونان ورومانيا والدنمارك واليابان والفلبين والجزائر وتنزانيا وبنين والأرجنتين.

وبالعودة الى المساعي اللبنانية وغير اللبنانية في مجلس الأمن، أكدت المصادر الفرنسية أن هدف بيروت هو العمل «للحد من انتداب اللجنة وإفراغ القرار من محتواه ما يمنعها من تحقيق مهمتها وهو ما لا يمكن لفرنسا أن تقبله». وقالت هذه المصادر: «ما نريده هو إنشاء لجنة دولية مستقلة ومفيدة وفعالة قادرة على إنجاز مهمتها» بحيث تساعد القضاء اللبناني على سوق المسؤولين عن عملية الاغتيال إلى القضاء. وشدد مصدر فرنسي آخر على إصرار باريس على إسناد رئاستها الى «شخصية قوية» ذات خبرة ومراس. ويرى هذا المصدر الدبلوماسي أن استقلالية اللجنة «وهو الأمر الذي نتمسك به يضمنه إسناد تشكيلها الى الأمين العام للأمم المتحدة» كوفي أنان بالتشاور مع مجلس الأمن الدولي.

ورأت المصادر الفرنسية أن اللجنة الموعودة «ليست محكمة دولية» ما يعني ان محاكمة المسؤولين والمشاركين والمخططين لعملية الاغتيال «ستتم، إذا ما حصل ذلك، أمام القضاء اللبناني»، وهذا أمر محسوم. وتعترف المصادر بأن ثمة «إشكالية» في تنظيم كيفية التعاطي بين اللجنة والسلطات القضائية اللبنانية وحول القنوات القانونية التي توفر لها التعاون ما يتعين حسمه في مداولات مجلس الأمن الدولي.

أما بخصوص الجدل القائم حول «المدى الجغرافي» لتحقيقات اللجنة، فقد أكدت المصادر الفرنسية أن المطروح اليوم هو أن «تستطيع اللجنة استجواب كل الأشخاص الذين يرى المحققون أن استجوابهم ضروري للكشف عن الحقيقة في لبنان». وتبدو هذه الصياغة غامضة إذ ليس واضحا ما إذا كان المقصود هو أن تتم عملية الاستجواب لـ«كل الأشخاص» داخل الأراضي اللبنانية أم أن تحصر بالمسؤولين الأمنيين وغير الأمنيين في لبنان. ويتوقع أن يحسم الجدل حول هذه النقطة الحساسة قبل أن يطرح مشروع القرار الخاضع لتعديلات وتحويرات على التصويت.

وأبدت المصادر الفرنسية بعض الليونة بخصوص المسائل «الإجرائية» مثل مدة انتداب اللجنة ودورية التقارير التي سترفعها الى الأمين العام والى مجلس الأمن ولجهة تشكيلها وعديد أعضائها. غير أن باريس ترفض المطلب اللبناني حول «حيادية» اللجنة أي أن يكون أعضاؤها منتمين الى دول حيادية لا تضم من تعتبرهم السلطات اللبنانية أطرافا مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها. وقالت المصادر الفرنسية إن مجلس الأمن «لم يدرج» على تحديد جنسية أعضاء اللجان التي يشكلها ولم يدرج على الأخذ فقط بمواطني الدول المحايدة فالمهم ليس «حيادية اللجنة بل استقلاليتها». وخلصت المصادر الفرنسية الى القول إن مسؤولية تشكيل اللجنة ستعود الى كوفي أنان الذي عليه أن يعين «الخبراء» المجربين والقادرين على التعامل مع هذه القضية المعقدة.