المتشددون يضيقون فرص عمل محلات الحلاقة النسائية في العراق

هديل قالت لـ«الشرق الاوسط» إنها أضاعت حياتها في زحام الفقر والحرب والانتظار

TT

لم تكن هديل تعرف ان حكايتها تشبه حكاية الكثير من العراقيات في مثل سنها الي شارفت على الاربعين، لكنها ادركت ذلك عندما ربطتها علاقات متعددة مع بنات جنسها من اللواتي يترددن على المحل التجاري الذي تقف فيه لتبيع كل انواع العطور العالمية وادوات التجميل لتبدو الصورة اجمل كما تقول تلك الفتاة التي راحت تروي لنا حكايتها وتطلب منا عدم نشر صورتها التي نحتفظ بها خوفا من المترصدين لكل شيء ينبض بالحياة في العراق.

هديل فتاة جميلة جدا ولم تترك سنوات العمر عليها غير مسحة الحزن الواضحة لكل من يقترب ويتحدث معها، وهي تقف في محل كبير للعطور وأدوات التجميل في منطقة تجارية وسط بغداد مرتدية بنطلون الجينز لانها فتاة عملية خبرت الحياة وعليها ان تمضي مسرعة من اجل ان تقدم كل شيء للاخرين، لكنها في زحمة تضحياتها نسيت ان العمر يمضي ولا شيء سيوقفه حتى وان قدمنا له التضحيات.

تقول هديل التي وثقت احاسيسها لنا بكلمات على الورق «لم تكن احلامي عادية ولا حياتي كذلك. احلامي كانت تملك جناحي فراشة وانا انثى حلمت بالبيت والزوج والاطفال الذين رسمت لهم مستقبلا لا يشبه الاحلام بل يتفوق عليها. احببت رجلا سرقته الحرب الاولى بين العراق وايران وبعدها سرقت مني الحياة ابي لتتركني وحيدة اواجه مصير المسؤولية. كانت احلامي ان ادخل كلية الصيدلة لكن حلمي توقف امام متطلبات العائلة بعد حرب ثانية فرضتها الحكومة علينا فأدركت ان علي ان اواجه المصير الثاني واعمل ليل نهار من اجل ان اوفر قوت يوم واحد لعائلة كبيرة».

وتضيف قائلة «بدأت احلامي تصغر شيئا فشيئا لكنني لم اتوقف عن الحلم وعن العمل ايضا. عملت بوجبتين صباحية ومسائية وكنت اتلفت على الصيدليات في بغداد واعلق احلامي على واجهاتها الكبيرة لان حلمي صار مع الصغار الذين يأملون في احلام جديدة وفرض الحصار، وكانت حياتي اشبه بمكوك يدور حول نفسه وانوثتي تصرخ من شدة الخوف من مجهول ينتظرها على ابواب الثلاثينات. كنت ابصر الاطفال في الشارع وتمنحني حركتهم العشوائية شعورا بدفْ الامومة التي طالما حلمت بها وسرقتها مني الحروب». وتستطرد قائلة «حاولت مرارا ان اكتم غضب فقداني لكل شيء بابتسامة استقبل بها الزبائن من النساء اللواتي يأتين بحثا عن الجمال لكنني في كل مرة اكتشف انني لست الوحيدة في العراق التي فقدت كل شيء واول الاشياء وآخرها الانوثة والامومة، فهناك الكثير من النساء اللواتي سرقت منهن الحروب الثلاث الزوج والحبيب والمستقبل وتركتهن في مواجهة مصير المسؤولية بمفردهن دون معيل».

والمشكلة الان كما توثق لنا هديل هي انها تواجه كل يوم مصيرا مجهولا، فبعد ان هددت صاحبات محال الحلاقة صار عمل المرأة في مثل مهنتها صعبا هو الاخر في اجواء تبدو غريبة عن العراق، فقد تم تكفير صاحبات محال الحلاقة وكذلك الحلاقين من الذين يتبعون القصات الغربية، وهي تخشى ان يشملها تكفير الجماعات الاصولية المتشددة فأين ستذهب من جديد ومن الذي سيدخل الى عائلتها قوت يومهم وهل سيسرق منها الأصوليون حلم ان تبني للاخرين من افراد اسرتها؟ ام انهم سيتركون لها فسحة من حلم جديد ابصرته بشيء من الحرية اثر التغييرات الاخيرة لكنها على ما يبدو لا تشعر بتفاؤل الايام القادمة خصوصا ان بوادر الشر بالقرب منها.

تقول هديل في آخر احلامها وهي على قارعة التغييرات الجديدة «ربما سأمنح نفسي ذات يوم فسحة من الحلم يقيني شر الحروب التي اضاعت كل شيء وتركت لنا ذكريات انوثة لن تعود».