كرامي أخفق في إعلان حكومته الموعودة ولوح بالاعتذار... والجلوس في بيته

اجتماع ماراثوني للرؤساء اللبنانيين الثلاثة لم يؤد إلى حل العقد المفاجئة

TT

لم تسفر الاتصالات والمشاورات التي استمرت حتى ما بعد منتصف ليل أول من أمس وطوال يوم أمس، عن إزالة العقد والعراقيل التي اعترضت الإعلان عن تشكيل الحكومة الكرامية، وتركزت حول توزيع عدد من الحقائب وفي مقدمها حقيبة الداخلية التي تعتبر مرتبطة بالحقائب الأساسية الأخرى، اي الخارجية والعدل والدفاع والمال. وبعدما تردد ان هذه العقدة قد حلت، توجه الرئيس المكلف عمر كرامي إلى القصر الجمهوري عصر أمس حيث انضم إليه رئيس البرلمان نبيه بري.. وعقد الثلاثة اجتماعاً استمر خمس ساعات لم يؤد إلى ولادة الحكومة، حيث بدت هذه العملية متعثرة بعد بروز عقد جديدة بينها مسألة التمثيل الدرزي والكاثوليكي.

وكان كرامي قد لوَّح بالاعتذار والجلوس في بيته نتيجة ما آلت إليه الأمور وبلغته التعقيدات في عملية تشكيل الحكومة. فقد أصر على بقاء الوزير المستقيل سليمان فرنجية على رأس وزارة الداخلية، ورفض الأخير هذا الطلب باعتبار انه يتعارض مع قناعاته، خصوصاً ان الرئيس المكلف أعلن ان أولى مهمات الحكومة الجديدة ستكون استرداد قانون الانتخاب الذي أعده فرنجية على أساس القضاء دائرة انتخابية، واستبدال قانون آخر به يعتمد المحافظة مع النسبية، الأمر الذي يعتبره صاحب المشروع مسيئاً لشخصه ومصداقيته. كما ذكرت معلومات ان رئيس الجمهورية إميل لحود ابلغ الرئيس المكلف معارضته استرداد المشروع بعدما كان قطع وعداً للبطريرك الماروني نصر الله صفير بإبقائه، وهو ما أثار حفيظة كرامي الذي أصر على إبقاء المشروع كما هو، لافتاً إلى ان هذه المسألة جرى التوافق حولها في لقاء «عين التينة» الذي يضم قوى وقيادات سياسية وحزبية موالية وداعمة لسورية.

وفيما نشط الوسطاء للبحث عن مخرج لهذه المشكلة منطلقين من اقتراح فرنجية تسلم حقيبة الصحة بدلاً من الداخلية وانضمام حليفه النائب سايد عقل الى الحكومة على ان تسند اليه وزارة البيئة، بلغت الرئيس كرامي أنباء المؤتمرين الصحافيين اللذين عقدهما كل من الوزيرين المستقيلين ايلي الفرزلي والياس سكاف في البقاع أول من أمس وأعلنا فيهما عزوفهما عن المشاركة في الحكومة، بالتزامن مع بيان أصدره نائب رئيس مجلس النواب ميشال المر يعتذر فيه هو الآخر عن عدم الانضمام إلى الحكومة بعد الاتصالات التي أجريت معه لإقناعه بتولي وزارة الداخلية.

هذه الأنباء وغيرها أثارت غضب كرامي الذي علق بانفعال، وفق ما نقل عنه مصدر قريب منه، قائلاً: «في «عين التينة» أكد الجميع أنهم سيتعاونون معي ويسهِّلون مهمتي. لكن ما أراه هو عكس ذلك تماماً. فهذا يرفض وذاك يعتذر وآخر يضع العراقيل». وهنا لوّح كرامي بالتخلي عن هذه المهمة والاعتذار والعودة الى بيته «من دون وجع الرأس». وحذر وزير بارز في الحكومة المستقيلة (قريب من لحود وأعيد توزيره في الحكومة الجديدة) من مغبة عدم الإعلان عن التشكيلة الوزارية كما وعد بذلك الرئيس كرامي أول من أمس اثر عودته من روما. وقال هذا الوزير لـ «الشرق الأوسط»: «إذا لم تبصر الحكومة النور اليوم (أمس) فإن الهيكل سينهار على الجميع. والعوض بسلامتكم على الدولة والمؤسسات»، مستغرباً في الوقت نفسه موقف البعض ممن يصنفون بحلفاء سورية من مسألة دخول الحكومة ووضع الشروط التعجيزية لذلك متسائلاً: «هل هذا هو الوفاء لسورية؟».

وما ان بلغ استياء كرامي مسامع المعنيين بـ «الطبخة الحكومية» حتى سارعوا مع ساعات الصباح الأولى أمس إلى تكثيف الاتصالات و«ابتداع» المخارج لحل العقد واستدعى ذلك لقاء مطولاً عقد بين الرؤساء الثلاثة إميل لحود ونبيه بري وعمر كرامي في القصر الجمهوري استغرق خمس ساعات اجري خلاله العديد من الاتصالات مع المرشحين لدخول الحكومة، وتم استعراض التشكيلات الحكومية المقترحة، حيث تبين انه كلما حلت عقدة ظهرت أخرى. فبعد الموافقة على تولي فرنجية وزارة الصحة اثر تخلي رئيس مجلس النواب نبيه بري عنها لصالح فرنجية بدلاً من مرشحه وزير الصحة الحالي محمد جواد خليفة (شيعي)، برزت عقدة جديدة لم تكن في الحسبان مصدرها وزير المهجرين طلال أرسلان الذي أوعز إلى زياد الشويري، الأمين العام للحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه، بإصدار بيان وتعميمه على وسائل الإعلام يعلن فيه ان الوزير أرسلان لن يشارك في الحكومة الجديدة إذا لم يتم التشاور معه في الأسماء الدرزية المتداولة في التشكيلة. وأفاد الشويري ان أرسلان ابلغ المعنيين ربطه المشاركة في الحكومة بهذا التشاور، ورفض تولي حقيبة المهجرين. كما ان استنكاف الوزير سكاف (كاثوليكي) عن المشاركة في الحكومة تطلب إجراء مزيد من الاتصالات لحل هذه المسألة.

وكان وزير الدولة ألبير منصور القريب من كرامي قد لمح إلى إمكانية إرجاء الإعلان عن الحكومة إلى اليوم، معتبراً «ان تأجيل تشكيل الحكومة له وجه سلبي وآخر ايجابي. الوجه السلبي هو في التأخير بالطبع. أما الوجه الايجابي فهو ان تأليف الحكومات في لبنان عاد إلى طبيعته التاريخية لجهة لبننة تأليف الحكومات».

وكانت إشارات «الدخان الأبيض» بقرب ولادة الحكومة بدأت تظهر من منزل الرئيس المكلف عمر كرامي في الرملة البيضاء من خلال عدد من الزوار الذين التقاهم صباحاً قبل توجهه إلى القصر الجمهوري في بعبدا بعد الظهر، ومن بينهم وزير البيئة وئام وهاب الذي قال: «قد يكون هناك بعض الإشكالات البسيطة والشكلية التي تحول دون إعلان ولادة الحكومة. ولكن أنا لا استبعد ان تبصر النور بعد الظهر او مساء (أمس)».

وسئل: اي قانون سيعتمد في الانتخابات؟ فأجاب: «نحن كفريق «عين التينة» نصر على قانون المحافظة مع النسبية، فهما القانون الأعدل، الا اذا كان هنالك بعض الناس الذين يريدون الاستمرار في هيمنتهم على مناطق معينة او على طوائف معينة. وطبعاً هؤلاء الأشخاص لا يناسبهم قانون النسبية، لانه يدخل جميع الناس الى مجلس النواب. ولكن نحن نرى انه في ظل القرار السياسي الذي تركه الانسحاب السوري، من الافضل ان يكون جميع الناس داخل مجلس النواب. وقانون النسبية هو الذي يحقق ذلك». وحول موضوع التمثيل الدرزي في الحكومة، قال وهاب: «كل الأسماء المطروحة درزياً فيها الخير والبركة. لكن طبعاً هناك موضوع الحقائب. وفي هذا الإطار يصر الوزير طلال أرسلان على حقيبة أساسية وهذا حق له، وحق للطائفة الدرزية، فلا يجوز ان تسلم الطائفة دائماً حقائب ثانوية منذ الطائف وحتى اليوم. يجب ان تكون للطائفة الدرزية حقيبة أساسية، ويتولاها كائناً من كان في الحكومة المنوي تشكيلها او في غيرها. وعموماً لا نعرف لماذا هذا الإصرار على عدم إعطاء الطائفة الدرزية حقيبة أساسية». وأوضح وزير الثقافة ناجي البستاني بعد زيارته كرامي ان إلغاء موعد الحادية عشرة من قبل ظهر امس الذي كان مقرراً لزيارة الأخير القصر الجمهوري وإعلان تشكيلته الحكومية تم «لأسباب لوجستية». ورداً على سؤال حول حل عقدة الداخلية ومطلب الوزير فرنجية وإصراره على قانون الانتخاب الذي أعده على أساس القضاء، قال: «لا أتصور وجود عقدة بالطريقة التي تطرحونها. هذه فرضيات. اما الأجواء فكانت ايجابية جداً بين الرؤساء الثلاثة وبين جميع الوزراء، بمن فيهم الوزير فرنجية الذي كان دائماً ايجابياً في سبيل كل ما يؤمن المصلحة العامة للوطن».

وتحدث الوزير البستاني عن قانون الانتخاب، فقال: «انا كناجي البستاني موقفي بالنسبة لقانون الانتخاب واضح، وكنت قلته في الحكومة. انا مع النسبية على صعيد نصف المحافظة او المحافظة او اي تقسيم إداري. وقد تبين اليوم ان الأكثرية في البلد هي مع النسبية».