ذاكرة الحرب الأهلية في عيون شباب لبنان.. بعضهم لا يعرف عنها وآخرون يحاولون نسيانها

TT

لم تغب الحرب الاهلية عن ذاكرة الشباب في لبنان، وبعبارة ادق، عادت الحرب الى هذه الذاكرة مع تداعيات جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري و«انتفاضة الاستقلال» واعتصام مجموعات من الشباب في خيم منصوبة قبالة ضريح الراحل في وسط بيروت منذ الجريمة.

لكن كيف يسترجع الشباب من كل الطوائف والشرائح الاجتماعية هذه الذاكرة بعد 30 عاماً؟ بعضهم عاش ردحاً يسيراً من فصولها لكنه يتذكر التفاصيل بوضوح ودقة، والبعض الآخر سمع عنها الكثير وتضرر بسببها، والبعض الثالث لم يكن يعرف شيئاً عنها كأنها وقعت في قارة اخرى، لكن الاحداث الاخيرة جعلته يهتم ويسأل ليفهم ماذا جرى ومن هو رينيه معوض او بشير الجميل او كمال جنبلاط؟ (هم من القادة الذين اغتيلوا خلال الحرب). من هنا تتباين ردات الفعل وتتناقض وتذهل احياناً، فالطالب الجامعي غسان الذي لم يبلغ العشرين من عمره، اي ان الحرب غادرته وهو بعد في الثانية يقول: «الحرب تعني ان نركض من اسرّتنا. نقبع على الارض مع اندلاع صوت التفجيرات واذا اشتد القصف ننزل في منتصف الليل الى الطوابق السفلى، حيث تنتظرنا الجارة التي تكون قد جهزت ركناً في ممر بين الغرف بالفرش والاغطية لنتابع نومنا مع بعض حتى الامان». وليد اكبر قليلاً هو في الثالثة والعشرين ويعمل في محل للكهربائيات، الحرب عنده هي «الهروب من الطابق السابع الى الملجأ، او الهروب من بيروت الى الجبل، وهي ايضاً انقطاع كهرباء وتحايل لتدبير ربطة خبز، وتأنيب من الوالدة لاننا سكبنا كمية ماء اكثر من المطلوب لنغسل ايدينا». اما ابراهيم الذي لم يعرف الحرب مطلقاً لانه من مواليد عام 1990، ويتابع دراسته الثانوية فهو يقول: «ما اسمعه عن الحرب يعكس صورة الموت، كأنكم كنتم تعيشون في عالم وسخ، وكأن الحياة كانت مشلولة، عندما ارى بناء مهدماً ومنخوراً بالرصاص اعرف ان الحرب تعني الخراب». عادل وهو طالب في السابعة عشرة ايضاً لم يعش الحرب، لكن لديه الكثير ليتحدث عنه يقول: «الحرب مذلة وقد تسببت بتشريد الاهل، واعادت لبنان الى الوراء وضربت القطاعات الاقتصادية والسياحية».

سيرين الطالبة الجامعية لا تنظر الى الحرب بعين رفاقها لتقول: «الحرب كانت للدفاع عن قضية لبنان وطرد الفلسطينيين منه، لانهم صادروا سيادته، كما فعل السوريون بعدهم. ونحن مستعدون للعودة اليها اذا لم تتم استعادة لبنان لهذه السيادة والحرية والاستقلال». لكن الحرب تعني القتل المتبادل ولا تحل ازمة، وخروج الفلسطينيين كان على يد الجيش الاسرائيلي بفعل اجتياح عام 1982، وليس بفعل التقاتل الداخلي. ترد سيرين: «ليس صحيحاً، لو لم تكن الارضية متأزمة والوضع متفجر والارادة اللبنانية ترفض الوجود الفلسطيني لما خرج احد. واليوم لو لم نطلق انتفاضة الاستقلال بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وننزل الى الشارع بمئات الالوف لنعلن رفضنا، لم يتحرك المجتمع الدولي لتنفيذ القرار 1559 القاضي بخروج الجيش السوري واجهزة مخابراته من لبنان. كل المؤشرات تدل على اننا حاضرون للقيام بهذه الحرب، اذا لم يتم الانسحاب، لذا سارعوا الى التدخل». يدخل ابراهيم على خط الحوار ليقول: «ليس صحيحاً ان الحرب كانت بين اللبنانيين والفلسطينيين فقط، وانما بين لبنانيين ولبنانيين، لذا استمرت ثماني سنوات بعد خروج الفلسطينيين. اذا اردنا ان نقتل بعضنا من اجل مبدأ سياسي، الحرب لا تفيد. اما اذا كان المطلوب ان يثأر فريق من فريق آخر لشعوره بخسارة السلطة، فالامر ليس جيداً. ويضيف ابراهيم: «ما حصل للرئيس الشهيد رفيق الحريري افظع من الحرب، وكأن هناك من يريد ارغامنا على خوض غمارها، حينها ربما لا يستطيع الانسان ان يبقى على الحياد».

غسان يجد ايضاً ان البعض يحاول جر لبنان الى حرب شبيهة بتلك التي اندلعت عام 1975 ويقول: «ربما اذا اردنا ان نحقق وطناً نعيش فيه قد نضطر الى الحرب، لكن عندما اقرأ عن تلك المرحلة اجد انه لم يكن لديهم سبب للقيام بهذه المجازر، كما ان كل فريق كان مدفوعاً من جهة خارجية، وكان المتحاربون يعيشون صراع وجود، مع ان قادتهم كانوا يعرفون أن لا احد يستطيع الغاء الآخر».

عادل يعتقد ان «سبب الحرب هو انعزال الطوائف وعدم الانفتاح على الديانات الاخرى في لبنان، لذا نشبت الحرب ولم تحل مشكلة وانما تسببت بمشاكل اكبر. ويمكن تفادي الحرب الاهلية بشرح الديانات كلها لجميع اللبنانيين وتشجيع الاختلاط، فأنا لا اشعر مثلاً بأن وجود المسيحيين يستفزني كوني مسلماً، لان مدرستي تختلط فيها الطوائف، واذا حصلت الحرب لن اهرب وانما سأجمع رفاقي ومن له قناعاتي لنؤسس تياراً يعمل على تقريب وجهات النظر. يجب ان تكون الحرب وسيلة ليتعظ الناس من اخطائها ومخاطرها. ورغم اني لم اشهد فصولها الا اني اشعر بان آثار الحرب ما زالت حتى يومنا هذا تطغى على نفوس الناس الاكبر مني سناً، واجد ان البعض متعصب ويفكر بالثأر والبعض الآخر متوتر وخائف او محبط وكئيب». غسان لا يفكر بالبقاء في لبنان اذا اندلعت الحرب ويقول: «اريد ان انهي تخصصي الجامعي وابدأ العمل، لا اريد ان اموت برصاصة طائشة، كما كانت الحال طوال 15 عاماً، وكما اسمع عن اقارب لي قضوا بهذه الطريقة او بسبب التفجيرات والقصف العشوائي لذا سأسافر اذا اندلعت الحرب مرة اخرى ولن ابقى لاخسر مستقبلي».

ويحمل بعض الشباب ضغينة موروثة من اهلهم تجاه الطرف الآخر المختلف عنهم طائفياً وسياسياً. يقول امين وهو يساري الانتماء اباً عن جد ومن منطقة جبل لبنان «ان سبب الحرب هو النظام الطائفي السائد، واذا عادت سيكون انطلاقاً من تغذية النعرات الطائفية التي بدأ بعض الفئات بتأجيجها. كأنهم لم يفهموا حتى الآن انها تسببت باغتيال وجود لبنان بأسره. نحن قادرون على العيش معاً، اذا فقدت هذه الفئات الطائفية فعاليتها ودعم الخارج لها تحت شعارات تخوين من ليس معها». لكن ليلى وهي صاحبة متجر صغير للحلي تعتبر «ان الدين والطائفة لا يؤثران في استقرار لبنان سلبياً، فالتعددية الطائفية تشكل غنى فكرياً وثقافياً واجتماعياً، من هنا وصف الراحل البابا يوحنا بولس الثاني لبنان بانه «رسالة حضارية» وغياب الطوائف في هذا الاطار خسارة وليس ضماناً لعدم عودة الحرب».