القوات العراقية تسيطر على المدائن من دون قتال لعدم وجود رهائن أو خاطفين

مسؤولون حكوميون يتهمون عناصر «الائتلاف» الشيعي باختلاق القصة والحزب الإسلامي يلمح إلى دور «شعوبي» إيراني

TT

أعلنت الحكومة العراقية أمس ان قواتها سيطرت على بلدة المدائن (سلمان باك) وأنها لم تعثر على أي رهائن شيعة ممن تردد أن مسلحين سنة احتجزوهم وهددوهم بالقتل.

وقال «بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء المنتهية ولايته إياد علاوي، ان قوات الأمن العراقية دخلت «فجر أمس البلدة بعملية سريعة وخاطفة». وأضاف «وقد تمت السيطرة على المدينة بالكامل ولم يحدث أي صدام أو مواجهات بين القوات العراقية والخارجين على القانون»، لكنه أكد انه «تم إلقاء القبض على عشرة من الخارجين على القانون كما تمت السيطرة على كميات من الأسلحة والذخائر والعثور على سجن خال من الأشخاص». وأضاف «لم تعثر قوات الأمن العراقية على أي رهائن او محتجزين في المدينة».

وفي وقت لاحق أمس حمل سكان البلدة مسؤولية حالة التوتر الأخيرة التي شهدتها بلدتهم «لأجانب» قدموا من خارج البلدة ونفوا حصول عمليات خطف لسكان من البلدة أو قالوا إنهم على الأقل لم يسمعوا بحصول مثل هذه العمليات.

وأشار شهود عيان من أهالي البلدة التقاهم مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في الشوارع، إلى أن مسلحين ملثمين يستقلون سيارات حديثة الصنع ويحملون أسلحة حضروا إلى المدينة عدة مرات خصوصا في الليل، مؤكدين أن هؤلاء هم «من خارج المدائن».

وكان مسؤول شيعي بارز في بغداد رفض الكشف عن هويته، أعلن قبل يومين ان ما يصل إلى 150 رهينة بينهم نساء وأطفال احتجزوا يوم الجمعة الماضي عندما اقتحم مسلحون بقذائف صاروخية وبنادق كلاشنيكوف المدائن مطالبين برحيل الشيعة عن البلدة. كما أثار أعضاء «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعي ضجة قوية داخل الجمعية الوطنية العراقية في جلستها أول من أمس، متهمين الحكومة بالتقصير في فك اسر الرهائن، وطالب بعضهم بإحضار رئيس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية للمساءلة، وضغطوا لاستصدار قرار عاجل بتشكيل لجنة لمتابعة الأمر.

لكن مسؤولين في الحكومة العراقية، بينهم وزير الداخلية فلاح النقيب، اعتبروا ان الأمر مبالغ فيه لأسباب سياسية. واتهم النقيب صراحة المخابرات الإيرانية بتضخيم الأمر.

وأوضح مسؤول كبير بوزارة الداخلية ان خمسة أفواج من قوات مغاوير الشرطة وقوات حفظ الأمن والنظام التابعتين للوزارة، دخلت فجر أمس إلى البلدة الواقعة على بعد نحو 40 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من بغداد، ولكن بعد ساعات من التفتيش لم يجدوا أي أثر للرهائن أو المسلحين. وأكد هذا المسؤول «لم نعثر على أية رهينة ولم نعتقل أي شخص»، مضيفا أنه لم يتم إطلاق رصاصة واحدة.

أما اللواء عدنان ثابت، وهو مسؤول آخر بوزارة الداخلية، فقال انه تم إطلاق سراح تسع رهائن. وأضاف في تصريح نقلته رويترز «هناك مبالغة في أعداد الرهائن أكثر من الحقيقة. المعلومات التي عندنا كوزارة داخلية لا يتجاوز عددهم التسع رهائن والطرف الآخر من القصة هو خلاف بين عشيرتين أو سوء فهم بين عشيرتين وصارت قصة الرهائن». ولكنه قال ان عمليات التفتيش أسفرت عن الكشف عن عدد من مخابئ الأسلحة وعثر على سجن المدائن خاويا.

وحذرت الشرطة منذ البداية من احتمال أن يكون عدد الرهائن مجرد ثلاثة، وقالت ان هذا الوضع نتيجة لأسابيع من عمليات الخطف المتبادلة بين السنة والشيعة.

وأبرز هذا التشوش مدى اضطراب السلطات العراقية في الوقت الذي تزيد فيه مشكلة فراغ السلطة حدة، حيث لا يبدو تشكيل حكومة عراقية في الأفق.

ويثور خلاف متزايد بين الفصائل السياسية المتناحرة حول توزيع الحقائب الوزارية مع اعتزام الحزب الشيعي الرئيسي الاحتفاظ بوزارة الداخلية وإصراره على عدم سيطرة السنة على وزارة الدفاع.

وذكر بعض المسؤولين أن الوضع في المدائن مبالغ فيه لتحقيق مكاسب سياسية، إذ تحاول بعض الجماعات أن تظهر من خلال استغلال أزمة رهائن أن الحكومة المؤقتة غير فعالة لأنها تسمح لمسلحين من السنة بالتحرش بالشيعة من دون محاسبة.

وقال صباح كاظم، المستشار في وزارة الداخلية لرويترز، ان عدم وجود حكومة يجعل الجميع يحاولون إظهار أنهم يعلمون شيئا وأن لهم نفوذا. وأضاف «كانت هناك مبالغة في المدائن. فهي مجتمع مختلط به مشكلات متعلقة بمسائل عشائرية». ولكن قال ان هناك قوى خارجية بعضها على الجانب السياسي تحاول استغلال الوضع.

ووسط هذه التوترات يحاول رئيس الوزراء الشيعي المكلف إبراهيم الجعفري تشكيل الحكومة الجديدة مع إدراكه أنه لا بد من إشراك الأقلية من السنة في الحكومة إذا كان للعراق أن يتجاوز ماضيه.

ويريد الحزب الشيعي الرئيسي في ائتلافه (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم) ضمان تولي وزير شيعي وزارة الداخلية، وهي حيوية بالنسبة لأمن العراق. وأشار إلى أنه يريد أن يجعل الميليشيا التابعة لحزبه (منظمة بدر) الذي تشكل في إيران تتولى الأمن.

ويخشى الكثير من الزعماء السنة من أنه في حالة حصول الشيعة على وزارة الداخلية سيجرى تطهير لها من البعثيين السابقين الذين يرأسون حاليا قوات الأمن المدعومة من الولايات المتحدة ويقودون معركة مع المسلحين.

وقد اتهم عراقيون زعماءهم الجدد باختلاق أزمة الرهائن في المدائن لأغراض سياسية وحثوهم على التركيز بدلا من ذلك على التعامل مع العنف والبطالة بعد عامين من الاضطرابات.

وقالت ياسمين دغاغني التي كانت تنتظر لعبور شارع مزدحم «لا يمكن أن يكون هذا حقيقيا. على الأرجح هي مشكلة متعلقة بشخص واحد في المدائن وقام الناس لمصلحة شخصية بتضخيمها».

ويرجع الاستياء جزئيا للفراغ في السلطة في العراق بعد 11 أسبوعا من الانتخابات العراقية التي جرت في 30 يناير (كانون الثاني). وتساءل تاجر من السنة «هل تعتقدون بحق أنه يمكن لرجال أن يدخلوا بلدة ويحتجزوا 150 رهينة بمثل هذه البساطة»؟

وأوضحت تعليقات أخرى أن المدائن أثارت توترات طائفية في وقت حساس.

وأثارت قضية الرهائن المخاوف من صراع طائفي موسع في البلاد بين الشيعة الذين يمثلون الأغلبية والسنة.

وقال الحزب الإسلامي العراقي (سني) في بيان أمس ان أزمة المدائن مفتعلة، وحذر من مؤامرة خارجية تحاك لتجريد المدينة من هويتها العراقية. وقال ان أزمة المدائن «ذريعة جديدة لمداهمة قضاء المدائن.. وتتكامل الآن الصنعة الإعلامية لتبرير الهجوم الذي لن يحصد سوى أرواح الأبرياء من أهالي المدينة».

وأضاف ان خطر مؤامرة خارجية يحوم حول المدينة. وقال «لئن كنا نرفض الطائفية وبكل أنواعها ونسعى صادقين إلى وحدة الشعب بأسره، فإننا نخشى من مؤامرة شعوبية تحوم حول طاق كسرى لكي تجرد قضاء المدائن من هويته العراقية إلى هوية أخرى».