باسل فليحان.. «رفيق» الحريري يودع الحياة

بعد صراع 64 يوماً مع الحروق التي طالت 65% من جسمه

TT

بعد صراع مع الألم استمر 64 يوماً، أسلم النائب ووزير الاقتصاد والتجارة السابق باسل فليحان الروح في مستشفى بيرسي العسكري في باريس.

وكان فليحان قد عانى من حروقات بالغة طالت 95% من جسمه وجروح أصيب بها خلال عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير (شباط) الماضي، اذ كان جالساً الى جانبه في السيارة التي كان الرئيس الراحل يقودها بنفسه. وفي اليوم التالي للاغتيال نقل فليحان الى مستشفى بيرسي العسكري (الواقع في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية) المتخصصة بمعالجة الحروق. وطوال هذه الفترة كانت حال فليحان سيئة جداً ولكن مستقرّة. اذ كان يجري تخديره بالمورفين معظم الأوقات. كما خضع لعمليتين جراحيتين لإزالة طبقات الجلد المحروق. وقد كانت حروق فليحان بليغة وأحدثت تشوهات كبيرة في وجهه وجسمه. ولم يعرف ما اذا كان مردها الى استخدام النابالم المحرم دولياً في المتفجرات التي استخدمت لاغتيال الرئيس الحريري.

ولد باسل فليحان في بيروت في العاشر من سبتمبر (أيلول) 1963 والتحق بفريق العمل الاقتصادي للرئيس الحريري في نهاية التسعينات، بعدما أمضى فترة طويلة من حياته في الولايات المتحدة. جذب الاقتصاد الشاب باسل فليحان منذ كان يافعاً فاختار دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت لينال البكالوريوس في الاقتصاد عام 1984 ويتخرج حائزاً جائزة «بنروز» مع امتياز. ليتابع فيما بعد دراساته العليا في الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير من جامعة ييل في عام 1985، والدكتوراه من جامعة كولومبيا عام 1990. كما شكلت الولايات المتحدة وتحديداً واشنطن المحطة المهنية في حياة فليحان. اذ عمل في صندوق النقد الدولي منذ عام 1988 وحتى عام 1993، حين عاد الى لبنان. وفليحان الذي مراراً ما ردد ان الصدفة لعبت دوراً بارزاً في حياته، تعرّف الى الرئيس الحريري صدفة ايضاً.

في عام 1993 انتدب باسل فليحان من قبل برنامج الأمم المتحدة للتنمية للعمل في وزارة المالية اللبنانية، فاستمر في هذا الموقع على مدى ست سنوات، لشغل بعدها موقع مستشار وزير المالية، كما كان مسؤولاً عن اعادة تأهيل الوزارة. وخلال وجوده في وزارة المال، من عام 1993 وحتى 1999، تعرّف فليحان الى الرئيس الحريري عن طريق الوزير فؤاد السنيورة. وتوطدت علاقة فليحان بالرئيس الحريري واصبح يحظى بثقته. وكان الأخير يستشيره في مختلف الشؤون الاقتصادية.

والى جانب وجوده في وزارة المالية ما بين عامي 1994 و2000 كان فليحان يدرّس مادة الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد اعطى دروساً في اقتصاديات النمو والاقتصاد الدولي والسياسات الاقتصادية التطبيقية اضافة الى الاقتصاد الرقمي. وقد اجمع طلابه على وصفه بالأستاذ الذي يشحذ طلابه ويدفعهم الى تنمية مقدراتهم التحليلية النقدية، وقد نشأت بينه وبينهم علاقة صداقة.

وفي صيف عام 2000، وبينما كان فليحان يبلغ من العمر37 عاماً، اختاره الرئيس الحريري لترشيحه على لائحته الانتخابية لمدينة بيروت عن مقعد الطائفة الإنجيلية، التي تندرج ضمن خانة طوائف الأقليات. وفي سبتمبر (أيلول) 2000 أوكل رئيس الوزراء رفيق الحريري حقيبة الاقتصاد والتجارة للنائب باسل فليحان. الذي استمر بها بزخم حتى استقالة الحكومة في ابريل (نيسان) 2003. وعرف فليحان بجدارته الاقتصادية ورؤيته المنفتحة المتطورة نظراً للخبرة التي اكتسبها من صندوق النقد الدولي. وأبرز إنجاز له هو انه مهندس المؤتمر الاقتصادي «باريس ـ 2» الذي جرى برعاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك في باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 وقامت بموجبه العديد من الدول والهيئات الاقتصادية الدولية بمنح لبنان قروضاً ومساعدات بقيمة 4.6 مليار دولار. وفي عهده اتخذت أولى خطوات تحرير الاقتصاد اللبناني، إذ تم توقيع اتفاقية الشراكة الأوروبية ـ الشرق أوسطية التي تعتبر مدماكاً في خطة الإصلاح الاقتصادي، وتم بموجبها إلغاء التعرفة الجمركية تدريجياً وفتح الأسواق.

وطوال فترة رقود فليحان في مستشفى بيرسي كانت الأوساط اللبنانية ـ بمختلف مستوياتها ـ تتابع حالته الصحية. حتى انه في اواخر شهر مارس (آذار) الماضي دعا اصدقاؤه لمسيرة صامتة حملوا خلالها الشموع ودعوا له، ومعهم جميع اللبنانيين، بالشفاء. وكان أبرز المشاركين بالمسيرة يومها والدته السيدة رضا. باسل فليحان متزوج من السيدة يسمى مسلّم التي تواجدت الى جانبه طوال فترة وجوده في المستشفى. وللزوجين طفلة هي رينا ـ نور تبلغ من العمر اربع سنوات، وطفل هو ريان. ولفليحان شقيق اسمه رمزي.

ومساء أمس عقدت «كتلة قرار بيروت» النيابية التي كان يرأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري اجتماعاً انضم اليه «نواب اللقاء الديمقراطي» الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط وتوجهوا بعدها الى وسط بيروت للصلاة عن راحة نفس زميلهم. ويتوقع ان يسافر النائبان غطاس خوري وعاطف مجدلاني الى باريس لمرافقة جثمان الراحل في طريق عودته الى بيروت، ولم يعلن بعد اين سيوارى الثرى.

وعند إعلان نبأ وفاة النائب فليحان أصدرت العديد من القيادات الرسمية، وأبرزها رئيس الجمهورية إميل لحود ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي وعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بيانات نعي. كما خصت الجامعة الاميركية في بيروت ابنها باسل فليحان بنعي مؤثر جداً عنونته «الأميركية نعت ابنها باسل فليحان«، وصفت فيه الجامعة نفسها بالأم الثكلى وتحدثت عن مناقبية تلميذها وأستاذها.

وأبرز ما جاء في نعي الرئيس لحود: «غياب النائب الشهيد باسل فليحان، هو خسارة كبرى للبنان وللبنانيين نظراً لما كان يمثله داخل المجلس النيابي من حضور ومتابعة كوّنهما من خلال ثقافة جامعية واسعة، أضاف إليها خبرة عالية في عالم الاقتصاد والتجارة والمال لا سيما خلال عمله في البنك الدولي والأمم المتحدة، ومن ثم انتقاله الى لبنان، فكان الى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سواء في حياته العملية والنيابية ثم من خلال المسؤوليات الوزارية التي تحملها النائب فليحان بجدارة وإخلاص وتفان وهي صفات لطالما قدرناها بالنائب الشهيد عندما تسلم حقيبة الاقتصاد والتجارة».

وختم رئيس الجمهورية قائلاً: «إن لبنان يودع اليوم شهيداً آخر شكلت حياته نموذجاً للشباب اللبناني المندفع والمتفاني في خدمة وطنه».

أما عائلة الشهيد الحريري فقالت: «تنعى عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى اللبنانيين جميعاً شهيد الوطن النائب الدكتور باسل فليحان الذي انضم بعد 64 يوماً على الجريمة الإرهابية النكراء التي هزت لبنان والأمة العربية والعالم الى قافلة الشهداء الأبرار الذين سقطوا فداء للوطن ولحريته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي. إن خسارة الشهيد باسل فليحان الذي كان رفيقاً وفياً وصديقاً مخلصاً للرئيس الشهيد رفيق الحريري، تمثل بالنسبة إلينا خسارة فرد من أفراد عائلتنا التي أحبها وأحبته وافتخرت به شخصية مميزة وكفوءة عملت الى جانب الرئيس الشهيد في أصعب الظروف في سبيل النهوض بلبنان وبناء مستقبل مزدهر لاقتصاده ولجميع أبنائه».