طيسفون كانت أحلى مدن العراق

TT

لم تصنف بلدة المدائن يوما، مثل كثير من المدن العراقية على انها سنية او شيعية، بل كل ما عرف عنها انها مدينة تاريخية تضم ضريح الصحابي سلمان الفارسي حلاق الرسول الذي يحظى باحترام المسلمين جميعا. ونسبة الى هذا الصحابي يطلق عليها العراقيون تسمية «سلمان باك».

يعود تاريخ المدائن التي شهدت مؤخرا توترات امنية لأسباب وصفت بالطائفية، الى اكثر من خمسة آلاف عام عندما كانت عاصمة الامبراطورية الفارسية، واسمها باللغة الفارسية «تيس فون» وتلفظ بالعربية «طيسفون» وتعني«المدينة البيضاء»، حيث كانت غالبية القصور مبنية او مغلفة من الداخل بالرخام الابيض، وكانت العاصمة المحببة لدى الامبراطور الفارسي كسرى حتى فتحها القائد العربي سعد بن ابي وقاص في معركة القادسية. وهناك ما تزال آثار أعظم طاق «ايوان»; وهو طاق كسرى الذي كان يغطي قاعة استقبال واجتماعات الامبراطور الفارسي كسرى لضيوفه، بل ان عرشه كان تحت هذا الطاق مباشرة.

وبالرغم من تأكيدات الآثاريين والباحثين والمعماريين امثال الدكتور فوزي رشيد وجبرا ابراهيم جبرا والمعماري عدنان أسود، أن هندسة وعمارة الطاق وقصر كسرى والمواد المستخدمة في بنائه (الآجر البغدادي) هي عراقية تماما، فان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وبعضا من مستشاريه كانوا يرون أن الطاق يحمل الهوية الفارسية، لكن رشيد يؤكد ان هندسة قوس الطاق لا تختلف عن هندسة الأقواس في العمارة الآشورية الموجودة في نينوى في النمرود قرب مدينة الموصل حاليا.

وكان صدام حسين خلال الحرب العراقية ـ الايرانية يشعر بالضجر من وجود هذا البناء العملاق الذي يذكره بالاحتلال الفارسي للعراق، لذا فقد أمر بتهديم هذا الصرح الآثاري. إلا ان جبرا ابراهيم جبرا تدخل ليقنعه من خلال مقالات وندوة عرضت من خلال التلفزيون بأن طاق كسرى عراقي من حيث العمارة في الأقل.

لكن صدام لم يقتنع بهذا الرأي فقامت الاجهزة الامنية وقتذاك بإحاطة الايوان بالأسلاك الشائكة وتحذير العراقيين من الاقتراب منه مدعية انه يتعرض للتهديم وتركته السلطات يتهدم تدريجيا.

وحتى يجذب النظام السابق الناس الى جانبه أنشأ على مقربة من الإيوان بانوراما بالضوء والصوت عن معركة القادسية وربطها بالحرب العراقية ـ الايرانية لم تلق في نفوس العراقيين أي تقبل، لهذا كانت ادارات المدارس الابتدائية والثانوية تجبر طلبتها حسب أوامر عليا بزيارة هذه البانوراما مجانا.

ولجمال هذه البلدة التي تحيط فيها البساتين والمزارع ونهر دجلة خاصة في فصل الربيع، فقد كان العراقيون يذهبون اليها مجاميع إثر أخرى في يوم الربيع (عيد نوروز) حاملين معهم المأكولات والمشروبات، حيث تنتشر الفرق الموسيقية ويرقص الرجال خلال يوم كامل. ولحبهم لهذه البلدة الجميلة قال عنها البغداديون في اغنية شعبية مشهورة حتى اليوم «اللي ما يزور السلمان عمره خسارة».