الشابة الأميركية روزيكا ضحت بمستقبلها لتحصل على تعويضات لضحايا الحرب.. وقتلت في حادث عنف عبثي ببغداد قبل أن تكمل مهمتها

TT

في معركة خاضتها وحيدة للتعويض عن الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في حربي أفغانستان والعراق، نجحت الناشطة الإنسانية الأميركية مارلا روزيكا في كسب تأييد الكونغرس والقادة العسكريين الأميركيين مما مكنها من إقناع الإدارة الأميركية بتوظيف 20 مليون دولار لصالح المدنيين الذين أصيبوا بجروح في أفغانستان والعراق بسبب الحرب. لكن روزيكا، 28 سنة، قُتلت في بغداد يوم السبت الماضي في حادث يعد الأكثر خطرا حينما قام مهاجم انتحاري بتفجير نفسه وهو يحاول استهداف قافلة عسكرية أميركية وقفت إلى جانب سيارة روزيكا.

وقتل الانفجار أيضا فائز علي سالم، 43 سنة، مساعدها وسائقها العراقي لفترة طويلة. وحدثت المأساة أثناء سيرهما على طريق تؤدي إلى قاعدة عسكرية أميركية قريبة من مطار بغداد حيث يسافر الأجانب جوا إلى خارج العراق وحيث العراقيون يذهبون لطلب المساعدة من الوحدات الأميركية.

وكتبت روزيكا يوم 25 يونيو (حزيران) 2004 عبر صحيفتها الإنترنتية «السياقة (في العراق) ليست مبهجة. القوافل العسكرية تمر في كل لحظة. أنا وفائز نحبس أنفاسنا... قوافل من هذا النوع في تلك المنطقة مستهدفة من قبل الصواريخ والرصاص من قبل المقاومة. سيكون أمرا جيدا لو وجد موقع أكثر أمنا كي يتمكن العراقيون من تقديم طلباتهم للحصول على التعويضات».

وفي اتصال هاتفي معه، قال السناتور الديمقراطي باتريك ليهي الذي ضغط باتجاه الموافقة على اقتراح روزيكا «ما أرادت تحقيقه هو أمر شديد الأهمية. لسوء الحظ أن تكون هناك أمور مهمة كهذه تضيع وسط متاهة البيروقراطية من دون وجود شخصية بطولية. كانت هي البطلة التي ظللت أتبعها أينما تذهب».

وقبل عامين أسست روزيكا منظمة مركزها في واشنطن اسمها «حملة من أجل الضحايا الأبرياء في النزاعات». وقال السناتور ليهي «من النادر لأي شخص أن يكون قادرا على تحقيق ما حققته روزيكا وأنجزته خلال عامين فقط».

وجاءت روزيكا من بلدة معزولة معروفة بتلالها الكثيرة اسمها لَيْكبورت في ولاية كاليفورنيا. وإذا كانت البداية ترجع إلى حماسة سيطرت عليها ضد الحرب أثناء مرحلة دراساتها الجامعية فإن ذلك قادها إلى واشنطن فأفغانستان ثم العراق.

واستطاعت روزيكا، الشقراء التي تضع باروكات شعر متنوعة، أن «تتحدث وتبتسم وتجد طريقها إلى كل اللقاءات التي تحتاجها، مع الأفغان أو العراقيين أو الجيش الأميركي أو العاملين في السفارة الأميركية»، وفقا لما قاله كويل لورانس، الصحافي الذي التقاها في كابل.

وفي العراق ارتدت روزيكا العباءة السوداء محاولة إخفاء كونها أجنبية تحسبا لاحتمال اختطافها، والتقت عوائل عراقيين كانوا قد قتلوا في الحرب. واستطاعت كسب فائز علي سالم، الطيار في الخطوط الجوية العراقية، بما جعله يعمل معها سائقا لفترة عامين وجعل برنامجها يمضي في سبيله عندما أصبح العراق بالنسبة لها خطرا من ناحية العمل فيه.

وكان أصدقاء سالم يتوسلون إليه على مدى عامين ان يتوقف عن العمل مع الأميركيين قائلين انه خطر جدا، وفقا لما قاله احد الزملاء ممن كانوا برفقة شقيق سالم بحثا عن الجثة. وقد خلف سالم وراءه زوجة وطفلة تبلغ من العمر شهرين فقط. ويوم الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي سبق يوم موتها، حصد تفجيران بسيارتين مفخختين أرواح 18 شخصا في الحي الذي كانت روزيكا تمكث فيه مع صحافيين أجانب. كما أدت التفجيرات إلى قطع الماء عن البعض في المنطقة، ولهذا وفرت روزيكا للصحافيين المجيء إلى غرفتها في الفندق، وكانت قد استعارتها من صحافي آخر، ليتمكنوا من الاستحمام.

وفي الطريق مرت بحفلة زفاف كان المشاركون فيها يتجمعون خارج الفندق. وقالت روزيكا «هذه علامة على حياة طبيعية!». وتوقفت وطبعت قبلة على خدي العروس. ومع ان النسوة العراقيات كن يشعرن بقلق من مشهد وجود الأميركيين، لكنهن كن يبتسمن بمحبة لروزيكا عندما غادرت المكان.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»