أول تقرير كامل عن تحقيقات غوانتانامو: كثير من السجناء تعلموا بجامعات أميركية و20 معتقلا صنفوا كحراس لابن لادن وواحد كمستشاره الروحي

معتقلون هددوا خلال التحقيق بقطع رقاب الأميركيين ومعظم صناع القنابل اعتقلوا وهم يرتدون ساعة خاصة

TT

بعد ثلاث سنوات على انشاء سجن «كامب دلتا» في القاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو بكوبا وصل هذا المركز إلى منعطف في مجال احتجاز أولئك الذين تم اعتقالهم خلال الحرب على الارهاب التي اعقبت هجمات 11 سبتمبر (ايلول).

وانهى المسؤولون العسكريون جلسات الاستماع بالنسبة للتحقيقات التي أجريت مع 558 معتقلا وقاموا باعداد تقريرهم الأكثر اكتمالا وفيه ضمنوا كل التفاصيل حول احتمالات أي هجمات مستقبلية يمكن ان تحدث. لكن إدارة بوش الآن تتصارع الآن مع المساعي التي يبذلها محامو بعض المعتقلين كي تنتقل قضايا موكليهم إلى محاكم فيدرالية في واشنطن.

وإذا ما حدث ذلك فإنه سينهي مسعى المسؤولين العسكريين لإبقاء سجن «كامب دلتا» تحت سيطرتهم من دون أي تدخل خارجي لأن هذا المكان هو «أفضل موقع للحصول على معلومات عن القاعدة» حسب اعتقادهم.

وذكرت الخلاصة، المصرح بنشرها من تقرير المسؤولين العسكريين، أنه كان هناك أكثر من 4000 تقرير متعلق بالتحقيقات وإن بعضها يكشف عن مساعي بعض الميدانيين من «القاعدة» للحصول على أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية. ولم تعط خلاصة التقرير أي تفاصيل حول الكيفية التي تريد «القاعدة» الحصول على هذه الأسلحة.

وحسب التقرير فإن المعتقلين وصفوا الكيفية التي دربتهم بها «القاعدة» لنشر سموم قاتلة وفي مرات أخرى قامت بتسليحهم بقنابل يدوية موضوعة في صناديق صودا وبعض هذه القنابل مخبأة في هواتف جوالة وداخل الساعات اليدوية ويمكن تفجيرها عبر العد التنازلي.

وأظهر التقرير أيضا أنه ليس جميع المشتبه فيهم هم مجرد مقاتلين في الخطوط الأمامية بل أن هناك واحدا من بين كل 10 معتقلين يتمتع بتعليم جيد وغالبا ما يكونون قد درسوا في جامعات أميركية في مجالات مثل الطب والحقوق.

كذلك كان هناك أكثر من 20 معتقلا تم تصنيفهم كحراس شخصيين لأسامة بن لادن وواحد باعتباره «مستشاره الروحي» حسب التقرير. كذلك فإن هناك شخصا اعتبِر الخاطف المفترض رقم 20 الذي كان سينضم الى التسعة عشر مشاركا في هجمات 11 سبتمبر. وهو سعودي ويدعى محمد القحطاني حيث أنه ذهب إلى أورلاندو في ولاية فلوريدا استعدادا للمشاركة قبل أن يتم طرده من الولايات المتحدة قبل شهر من هجمات 11 سبتمبر.

وأقسم أحد المعتقلين أمام سجانيه بأن المواطنين الأميركيين في السعودية «سيتم قطع رؤوسهم». وقال آخر، له أواصر قوية باسامة بن لادن وحركة طالبان وقياديي الشيشان، إن الأميركيين في كل مكان وإن «يومهم مقبل.. سيأتي اليوم الذي سأشرب من دمهم».

وهذه المعلومات تم توزيعها على وكالات الاستخبارات الأميركية والمسؤولين العسكريين الكبار هي مصممة كذلك لايصال رسالة البنتاغون إلى الجمهور بان التحقيقات التي جرت في خليج غوانتانامو قيِّمة جدا ويجب ألا يتم عرقلة تحققها من قبل المحاكم المدنية.

ويرى مسؤولو الإدارة الأميركية أنه من الضروري الاستمرار في التحقيقات للمساعدة على منع أي هجمات إرهابية مستقبلية، وهذا أهم من توفير ضمانات دستورية لمن هم ليسوا مواطنين أميركيين تم اعتقالهم بصفتهم محاربين أعداء. وتم تصنيف السجناء من قبل إدارة بوش وهذا يتراوح من جنود عاديين في حركة طالبان إلى أعضاء في «القاعدة» وآخرين مشكوك بتهديدهم للولايات المتحدة.

لكن هذا الموقف تعرض للهجوم من قبل محامي الدفاع ومن قبل المدافعين عن الحقوق المدنية، وهؤلاء حصلوا على تأييد المحكمة العليا والمحكمة الفيدرالية في واشنطن. وهم يحاججون بنجاح حتى الآن بأن المعتقلين لا يمكن احتجازهم بشكل دائم بدون وجود عملية قضائية تتحدى عملية اعتقالهم. كذلك هم يؤكدون أن الكثير من المعتقلين كانوا مجرد متفرجين وأن هناك الكثير منهم مجرد ناشطين صغار في وقت اعتقالهم.

في الوقت نفسه وجهت تهم كثيرة ضد المؤسسة العسكرية بتعريض السجناء إلى الانتهاك والتجاوزات والإذلال لإجبارهم على الاعتراف. واستخدم هذا السيناريو من قبل المنتقدين للتشكيك بمصداقية المعلومات التي حصل عليها الجيش والاستفسار عما إذا كان البنتاغون قد التزم بمعاهدات جنيف التي تمنع التعامل مع أسرى الحرب بقسوة.

وفي الأسبوع الماضي تم إطلاق سراح معتقل من الكويت، وفي مقابلة معه أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز» تحدث عن سجناء «كامب دلتا» في خليج غوانتانامو قائلا إنهم تعرضوا للضرب والإذلال الجنسي وجعلهم يخافون على حياتهم. وزعم كذلك محامو ستة من المعتقلين الآخرين ان موكليهم تعرضوا للأذى. لكن البنتاغون قال إن الانتهاكات ضد المعتقلين هي موضوع تحقيق منتظم ورفض مناقشة الحالات الفردية. وقال الليفتنانت كوماندور البحري فليكس بلكسيكو إنه قد تم السماح بنشر الوثيقة من قبل «القيادة العسكرية الجنوبية» التي تشرف على خليج غوانتانامو وستستخدم «ردا على تساؤلات الجمهور حول العمليات التي تقوم القوة الخاصة المشتركة» المشرفة على «كامب دلتا».

وأضاف زميله ليفتنانت كوماندور البحري كريس لاوندرمون أن المعلومات مهمة جدا كي تساعد القادة العسكريين كي يرووا قصة خليج غوانتانامو.

لكن ملخص الوثيقة المتكون من ست صفحات لم يتناول مشاعر الإحباط التي يشعر بها مناصرو الحقوق المدنية ومحامو الدفاع وعائلات المعتقلين في «كامب دلتا». وبدون تحديد شكل معين لإجراء محاكمة المعتقلين تم تقديم بعض التنازلات لهم في السنة الماضية من قبل المحكمة العليا في واشنطن كجزء من المراجعة التي قامت بها هذه المحكمة الفيدرالية. لكن المحامين لا يستطيعون أن يتحدوا سجن موكليهم. وبغياب سجلات مفتوحة لم تتمكن العائلات حتى من معرفة أين اعتقل ابناؤها وكيف كان التعامل معهم.

وهذا الجانب تم الكشف عنه في الخريف الماضي حينما قدمت بعض مخطوطات جلسات الاستماع القضائية التي طرحت على المحكمة الفيدرالية في واشنطن كجزء من المراجعة التي قامت بها هذه المحكمة. وقدمت المخطوطات تفاصيل عن التهم الموجهة ضد المعتقلين وأظهرت كيف حاول هؤلاء وبدون مساعدة المحامين أن يدافعوا عن أنفسهم.

وحضر بعض من المعتقلين في وضع نفسي متدن. وبدت قضية خالد بن عبد الله مشعل ثامر الحميداني وكأنها نموذج عن حالة اليأس التي تعصف بالمعتقلين. وكان الرجل الكويتي قد اتهم بالتعاون مع منظمة «الوفاء» ذات العلاقة بـ«القاعدة» وبالقتال ضد قوات التحالف الشمالي المعادية لطالبان في أفغانستان.

وتضمنت شهادته الملاحظة التالية: «السجين لم يستجب. كان جالسا على الكرسي ورأسه مطأطأ، ولم يتحدث في أي وقت».

وعلى النقيض من ذلك فان سيف الله باراشا من باكستان، المشتبه في ادارة مشروع تصدير خطط لشحن مواد كيمياوية قاتلة الى الولايات المتحدة، اشغل متهميه في حوار حي حول سؤال طرحه الضباط الذين كانوا يحاكمونه: ما هي القاعدة على وجه التحديد ؟

وخاطب باراشا رئيس محكمته المكونة من ثلاثة ضباط قائلا «سيدي، كيف يمكن لامرئ ان يعرف ما هي القاعدة ؟». وأجاب رئيس المحكمة: «سؤال جيد. انه سؤال في غاية الأهمية». ثم أعلنت الهيئة بصورة جماعية أنه مقاتل عدو.

وقال محاميه من واشنطن غيلارد هونت إنه لو ان الجلسة التزمت بالدستور ولو أنه سمح له أن يمثل باراشا في غوانتانامو لربما كانت المحاكمة عادلة.

وقال هونت «لدي نوع من الاحترام لضباط الجيش الأميركي. فمعظمهم أشخاص مستقيمون. وبدا لي انه كان قد سمح لهم باستغلاله». وخلافا لذلك وصف هونت المحاكمة بأنها خدعة.

وتنبأ بان «المسألة برمتها ستظل غير محلولة لفترة طويلة»، بينما توضع قضايا السجناء أمام المحاكم.

وقال موجز تقرير فريق العمل في غوانتانامو ان الكثير من السجناء بقوا خطرين جدا بحيث لا يمكن اطلاق سراحهم.

وعلى سبيل المثال فان القحطاني، المتهم بانه الخاطف رقم 20، ابلغ المحققين بأن ما يزيد على 20 من اقرانه السجناء كانوا حراسا لأسامة بن لادن وكلهم تلقوا تدريبا ارهابيا في معسكر الفاروق، سيئ الصيت، في افغانستان. والقحطاني هو أيضا الشخص الذي اكد ان سجينا آخر هو المستشار الروحي لابن لادن، وهو ما سماه التقرير «دورا مهما داخل القاعدة».

وحدد التقرير أيضا معلومات جديدة محتملة حول تمويل الارهاب.

وقال سجين ساعد في ادارة مؤسسة اغاثة انسانية دولية انه انفق مليون دولار في الفترة بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2000 ونوفمبر 2001 في افغانستان، ولكنه «اعترف بشراء ما قيمته 5 آلاف دولار من الاسلحة مستثمرا أموال المنظمة» لدعم قتال طالبان ضد تحالف الشمال وحليفته الولايات المتحدة، وفقا لما اورده التقرير.

ووصف سجين آخر السفر الى كمبوديا في اطار مساعي اغاثة لدار أيتام هناك. واضافت خلاصة التقرير انه «وحسب اعترافه فان هذا السجين التقى بن لادن أربع مرات خلال شهر يوليو(تموز) من عام 2001 ، ويعتقد أن لديه صلات قوية بالقاعدة».

وكان ما يزيد على 12 من الأسرى يمتلكون نقدا يعادل 10 آلاف دولار عندما القي القبض عليهم. وكان اثنان يمتلكان ما يزيد على 40 ألف دولار.

وتبين ان ما يزيد على 10 في المائة من المحتجزين في غوانتانامو متخرجون من كليات، والكثير منهم من معاهد في الولايات المتحدة، ودرسوا كأطباء وطيارين ومهندسين ومترجمين ومحامين.

وكان سجين «هدد الحراس ويعترف بأنه يستمتع بترهيب الاميركيين» قد درس في جامعة تكساس لمدة 18 شهرا، كما اخذ دروسا بالانجليزية في جامعة تكساس بأوستن، وفقا لما ورد في التقرير.

ودرس آخر اعتبر مجهز أسلحة لـ«القاعدة»، في مدرسة امبري ريدل للطيران في أريزونا وحصل على شهادة في ادارة الأنظمة الإلكترونية.

وقبل الحادي عشر من سبتمبر كان مكتب المباحث الفيدرالي قد التقط اشارات على أن بن لادن أرسل بعض طلاب الطيران الى أريزونا لدراسة قيادة الطائرات الأميركية.

وقدر التقرير ايضا مخاطر اطلاق سراح السجناء، مشيرا الى «اننا كنا قادرين على تحديد ما لا يقل عن 10 بالاسم» ممن أرسلوا الى بلدانهم قبل ان تبدأ جلسات الاستماع في الخريف الماضي، ليلتحقوا بالقتال ضد الولايات المتحدة.

وما يزال مزيد من السجناء يتوقون الى التحرر من غوانتانامو، وقد ابلغوا الحرس ان «كل الاميركيين يجب ان يموتوا». وحذر احدهم الحراس بأنه في يوم ما «سيأتي الى بيوتهم ويقطع رقابهم مثل الخراف». وقال انه سيستخدم الإنترنت «للبحث عن أسمائهم ووجوههم». وقال تقرير وزارة الدفاع ان «بعض السجناء هم من المستويات الدنيا للقاعدة ممن لديهم تدريب كاف لاعداد قنابل من علب الصودا. وهناك آخرون من المهندسين ذوي المهارات العالية ممن لديهم القدرة على تصميم وتصنيع قنابل متطورة يمكن تفجيرها عن بعد مع متفجرات مصنعة من مواد منزلية».

وقال التقرير ان السجناء غالبا ما ألقي القبض عليهم وهم يرتدون ساعة خاصة «يفضلها صناع القنابل من افراد القاعدة لأنها توفر عملية التنبيه لما يزيد على 24 ساعة مسبقا».

والقي القبض على عبد الله كمال الكندري من الكويت، وهو يرتدي ساعة «كاسيو» من طراز أف 91 . وفي جلسة محاكمته افاد بأنه عمل في وزارة الكهرباء والماء الكويتية، وانه بعد الحادي عشر من سبتمبر سافر الى افغانستان للمساعدة في أعمال الاغاثة. وقال انه في نهاية المطاف انتهى الى أيدي القوات الأميركية.

وعندما سئل اثناء محاكمته حول الساعة قال الكندري انها قطعة مجوهرات شخصية فيها بوصلة «تظهر اتجاه مكة» لغرض اداء صلاته يوميا.

وقال الكندري «انها ليست مرتبطة بشركة تابعة للقاعدة، أليس كذلك؟. اقسم بأنني لا أعرف ما اذا كان الارهابيون قد استخدموها أو انهم فجروا متفجرات بواسطتها. ولو أنني كنت اعرف ذلك لكنت قد رميتها. لست أحمق» ولم تتأثر المحكمة بهذا القول وأعلنت ان الكندري عدو، وقد أعيد الى زنزانته.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»