حمدين صباحي لـ «الشرق الاوسط»: الحركة تتحالف مع الإخوان وترفض مرشحهم للرئاسة المصرية\

أحد رموز حركة «كفاية» المصرية: لسنا كفاية

TT

عندما بدأت في الإعداد لهذه المقابلة، كان إجمالي عدد أعضاء الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، والمسجلين على موقع الحركة بالإنترنت، 4374 عضوا، بمعدل واحد من كل قرابة 16 ألف مصري. وعندما شرعت في كتابتها ارتفع عدد الأعضاء إلى 4408 (بزيادة 34 شخصا) أي بمعدل مصري من كل نحو 15 ألفا و900 مصري. العدد، كما هو واضح، قليل في دولة يصل عدد سكانها إلى 70 مليون نسمة، تتردد في كل شبر فيها أصوات، ورجع صدى أصوات، التغيير بنغمات وقوة مختلفة. غير أن هذا العدد، يقول حمدين صباحي أحد رموز «كفاية» ونائب مجلس الشعب (البرلمان)، «لا يعكس الحجم الحقيقي للحركة في الشارع المصري». فهذا الحجم يصل، يضيف صباحي، إلى الملايين لأن «كفاية»، «تطرح شعارات بسيطة قريبة مما يريده الناس في مصر، وهو التغيير الديمقراطي السلمي للخلاص مما نحن فيه».

التغيير.. التغيير.. التغيير.. الكل يطالب بالتغيير بداية من النظام، وانتهاء بالإخوان المسلمين مرورا بالناس في المقاهى حتى الأطفال الذي سجل بعضهم اسمه عضوا بموقع «كفاية» الإنترنتي. فإلى أي مشروع تغيير تدعو الحركة التى ليس لها أي هيكل تنظيمي أو كيان واضح أو حتى عنوان؟

هواجس وشعارات لأول وهلة تبدو «كفاية» مسكونة بهواجس الخارج. ففي تعريفها بنفسها تشير إلى أن ما يشغلها «وجود مخاطر وتحديات هائلة تحيط بأمتنا متمثلة في الاحتلال الأميركي للعراق والعدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني ومشاريع إعادة رسم خريطة وطننا العربي». فما هي العلاقة بين هذه الشعارات وتلك الداعية للتغيير والإصلاح في مصر؟

الديمقراطية هى العلاقة، كما تعتقد الحركة «فلو أن النظام في مصر ديمقراطي لأمكنه التصدي للوجود الصهيوني والهيمنة الأميركية والنظام الرأسمالي المتوحش والعولمة المدمرة».

مثل هذه الإجابات تثير، بطبيعة الحال، أسئلة أكثر إثارة حول مدى اعتراف الحركة بـ«فضل» الدور الخارجي (الأميركي في المقام الأول) في تليين مواقف الحكومات العربية «المتسامحة» مع المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بالإصلاح.

بدا صباحي مترددا في الإقرار بهذا الفضل، فهو والغالبية من نشطاء «كفاية» يعتبرون أنفسهم «جزءا من الحركة الإنسانية العالمية المضادة للعولمة والهيمنة على العالم». وفي هذا السياق يقسمون «الخارج إلى جزءين; الأول هو جورج بوش وإدارته اليمينية المحافظة، والثاني هو حركة المجتمع المدني النشطة التي تطلب كفاية دعمها». وحين تلوم هؤلاء على تجاهلهم لحقيقة أن الضغط الحقيقي المؤثر الممارس على الحكومات في العالم كله، وليس العالم العربي فقط، لقبول أفكار التغيير والإصلاح بما في ذلك حق التظاهر والتعبير عن الرأي والانتخابات تأتي من الحكومات، كالأميركية، وليس المجتمع المدني، يقولون «إن هناك تقاطعا بين مشروع أميركي لنشر الديمقراطية كأداة لخدمة سياستها الخارجية وبين الحركة الشعبية العربية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية». هذا «الإنكار» لتأثير الموقف الأميركي، يعطي، خاصة فيما يتعلق بـ«كفاية» التي يحرص نشطاؤها على الإنكار، انطباعا بأن الصدام حتمي بين أميركا وهؤلاء لو تولوا السلطة.

سقف أميركا إلا أن صباحي ينفي الفكرة، مشيرا إلى أن الحركة «لا تسعى لصدام مع الأميركان ولكنها حريصة على العمل على أن تضطرهم إلى تخفيض سقف مطالبهم بدون صدام دائم معهم».

ما الذي يجعل الأميركيين، إذن، يخفضون هذا السقف بما يمنع الصدام معهم؟

الاعتماد على الداخل هو الضمان، كما يعتقد صباحي، بحيث تتحرك جماهير المصريين لإحداث التغيير «حتى لا يقول الأميركان فيما بعد أنهم هم الذين ساعدوا على التغيير ومن ثم يطلبون الثمن من النظام الجديد وندخل في نفس الدائرة مرة أخرى». ولهذا السبب، يضيف زعيم «كفاية»، فإننا «حريصون على أن تضم الحركة كل أطياف المجتمع المصري السياسية والاجتماعية، فهي تضم اليساريين والليبراليين والناصريين والإسلاميين. وهذا من شأنه تحريك الأغلبية الصامتة التي لم تعد تقبل تهميشها في شؤون مصيرها ومستقبلها».

إلا أنه رغم هذه الصيغة المرنة الفضفاضة التي توحى بأن «كفاية» باتت ممثلا لجبهة الإصلاح و«تعبيرا عن لحظة تاريخية بالغة الأهمية لا تستدعي بالضرورة أن تتحول الحركة إلى تنظيم سياسي مؤطر»، كما يقول صباحي. وتختلف هذه الرؤية مع أخرى ترى أن «كفاية» ربما تأتي في المرتبة الثانية، وعلى مسافة بعيدة، بعد جماعة الإخوان المسلمين، وأن هناك منافسة واضحة بينهما على الشارع تبدو في صالح الإخوان. ومع أن نشطاء «كفاية» لا ينكرون تأثير الإخوان أو قدرتهم التنظيمية، فإن صباحي يصر على اعتبار حركته هى «رأس الرمح في حملة التغيير في مصر». غير أنه يستدرك، بسرعة، ليؤكد أنه «لا بد من الحوار مع الإخوان لأن إطار كفاية لا يستثني أية أفكار أو انتماءات فكرية تهدف للإصلاح والتغيير». ويلمح إلى تردد في موقف الإخوان الذين عرض عليهم رسميا التحالف مع الحركة رغم مشاركة بعض رموزها في مظاهراتها.

«كفاية» والإخوان هناك من يرجع هذا التردد إلى اتجاه الإخوان إلى طرح مرشح لهم في انتخابات الرئاسة، وهو ما أشار إليه محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين مؤخرا. وهنا أحد أسباب «انزعاج» كفاية، حسب تعبير صباحي، من مثل هذه الخطوة من جانب الإخوان. «فلا بد من الحوار الجاد بين كل القوى السياسية ومن بينها الإخوان حول مرشح واحد مقابل مرشح الحكومة لأن تعدد المرشحين لن يكون في صالح حملة التغيير الحقيقي». ويعتقد صباحي كذلك أن «الحوار الجاد مع الإخوان وغيرهم من الأحزاب التي هي بعيدة عن كفاية رسميا بينما جمهورها منخرط في أنشطة الحركة، يعزز تشكيل قوة ضغط شعبية جادة. وهذا من شأنه أن يجعل أي حوار مع النظام جادا».

هذا الانزعاج المتوقع من الإخوان يضع «كفاية»، بدورها، في مأزق. فإذا كانت هي «رأس الرمح في التغيير»، حسب وصف زعيمها البارز، فإنها مطالبة بأن تثبت تملكها لمقومات تقول إنها قادرة على ترجمة شعار «كفاية» للأوضاع الحالية، وأولى هذه المقومات، شعبيا، طرح مرشح بديل للرئاسة، وهو ما لم يحدث حتى الآن رغم أنه لم يبق على الانتخابات، الحرة التنافسية المرتقبة بعد تعديل الدستور، سوى أربعة أشهر. وكانت تقارير قد رجحت اختيار صباحي لنفسه، نظرا لخبرته البرلمانية والسياسية منذ كان رئيسا لاتحاد طلبة الجامعات في السبعينات. ولكن صباحي نفسه لا يتوقع الاتفاق على مرشح للحركة إلا بعد الإعلان رسميا عن شروط الترشيح للرئاسة، والتي ستعلن بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية لتعديل المادة 76 من الدستور. فواتير الإصلاح الكل في مصر ينتظر الآن هذه الشروط، و«كفاية» كذلك، وإن كانت قد قررت البديل في حالة «عدم معقولية الشروط المنتظرة» وهو، حسب صباحي، «ليس فقط مقاطعة الانتخابات بل دعوة المصريين أيضا لمقاطعتها». ويقول «من المحتمل أن يتم الاتفاق على مرشح خلال مؤتمر كفاية الوطني الأول حول الدستور الشهر القادم». هل هذا يعني أنه لا بد أن يكون المرشح «كفاية»؟ لا، يقول صباحي.

فلماذا الاحتجاج إذن على موقف أيمن نور رئيس حزب الغد الذي أعلن، وبدأ مبكرا حملته الدعائية، ترشيح نفسه للرئاسة؟

«لأنه اتخذ هذا القرار منفردا رغم أنه عضو في كفاية. وكنا نتمني أن يتشاور معنا». ويضيف صباحي أن المهم هو حدوث إجماع حول خطوط أساسية لا بد أن يلتزم بها المرشح في برنامجه الانتخابي ويحاسب عليه بحيث «نضمن أن نخوض معركة انتخابات حقيقية». وهذه الخطوط هي «التغيير الديمقراطي الشامل بما في ذلك تعديل شامل للدستور بما يحد من صلاحيات الرئيس ويقلص فترات الحكم لفترتين فقط، ثم التصدي للهيمنة الأجنبية وعدم الرضوخ للإرادة الأميركية حتى لا نطالب بسداد فواتير كي لا نستبدل نظاما تابعا للأميركان بنظام حالي، وثالثا الإلتزام بما يتم الاستقرار عليه بشأن مضمون اجتماعي للتحول الذي نبحث عنه».

كلام بسيط هذا الأصرار على ضرورة الاتفاق «العام» على مرشح واحد، والحوار مع الإخوان وغيرهم، وتحريك الأغلبية الصامتة، يوحى بأن «كفاية» في حد ذاتها ليست «كفاية» لإحداث التغيير المطلوب.

نعم «كفاية ليست كفاية»، يقر صباحي. ويوضح أن الحركة «تطرح كلاما بسيطا على الناس (...) وليس لديها برنامج اجتماعي واحد، ولا مرجعية واحدة، ولا رؤية موحدة وكل ما يجمعها هو إدراك مشترك لحجم المخاطر التي تحدق بالبلاد ولضرورة التغيير». ولذلك، فإن الحركة هي، وفق رؤية صباحي على الأٌقل، «حركة تتحمل مهمة تاريخية كبيرة بعيدة المدى».

إلا أنه بقدر ما يجعل ذلك «كفاية» غير كافية لإحداث التغيير المرغوب في مصر، فإنه بفضل عدم أخذها شكلا هيكليا أو تنظيميا أو حزبيا محددا» يتيح لها حرية الحركة وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات السلمية.. ولسنا ساعين لتنظيم أنفسنا».

وحتى يتم إلغاء قانون الطوارئ، فإن أنشطة «كفاية» تبقى مرشحة للصدام القوي مع السلطة وأجهزة الأمن التي تصر على الحصول على تصريح بالتظاهر. ويبدو هذا الصدام واقعا لا محالة مع مضي الحركة في الإعداد لسلسلة مظاهرات سلمية أواخر الشهر الحالي. ومع ذلك، فإن «كفاية» «ليست لديها آلية للاتصال بالسلطة حول مسألة التظاهر لأنه حق شرعي كما نراه». «كفاية» ليست «كفاية» .. ترى «كفاية» أن الأحزاب غير فاعلة، وتعترف بأنها ليست كافية، ألا يعزز ذلك رؤية بديلة تقول إن الأنظمة الحالية تظل أفضل من معارضات من هذا النوع هي حتى غير مؤهلة للحكم، أو كما يقول المثل المصري «إللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش»، خاصة في ظل ظروف دولية وإقليمية عاصفة تهدد الاستقرار؟ ليست «كفاية» وحدها بل الكثير يهاجم بعنف هذا المنطق وهو أن «المعارضات العربية والمصرية حقيقية وجادة.. وليس من المعقول أن يتحول الأمر إلى حديث عن ملاك اسمه معارضة في مواجهة شيطان اسمه الأنظمة». ويضرب صباحي مثالا بما يقال عن عدم وجود بدائل مؤهلة، ويحذر من أن ذلك يعني أنه لم يعد هناك إيمان بهذا البلد، وهذا كلام فارغ بلا معنى. هذه الحجة، بالتحديد، دفعت «كفاية» إلى المطالبة بـ«فترة انتقالية مناسبة» و«تشكيل جمعية تأسيسية وطنية تشرف على إعداد دستور جديد». وبعد كل ذلك، يقول صباحي، سيكون الشعب مسؤولا عن اختياراته طالما أنها حرة، فالمثل المصري يقول: «إللي بيشيل قربة مقطوعة، تخرّ على رأسه»، أي أن الشعب سيتحمل تبعات اختياره.