أبو مازن يعزز قوته بتغييرات الأمن ومدير الشرطة الجديد يتعهد بإنهاء الفلتان الأمني

بين المحالين للتقاعد الهندي وعرفات و11 ضابطا برتبة لواء و18 عميدا وأكثر من 70 عقيدا

TT

خطا الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) خطوة متقدمة وجريئة بإحالته أكثر من ألف ضابط في الأجهزة الأمنية، بينهم قادة كبار، إلى التقاعد، ورفع اثنين من القادة القدامى إلى مستشارين للرئيس برتبة وزير، في إشارة قوية إلى عزمه على المضي قدما في تطبيق برنامج الإصلاح الداخلي للسلطة الفلسطينية.

وتمكن عباس في عملية هادئة ومنظمة، في إطار تطبيق قانون التقاعد، الذي يشمل جميع الضباط فوق سن الستين، من تعيين 3 قادة جدد على رأس أهم أجهزة السلطة الفلسطينية، التي ظل يحكمها ضباط مخضرمون ينتمون إلى حركة فتح، الفصيل الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية. وعين عباس العميد سليمان حلس، قائدا لجهاز الأمن الوطني، خلفا لموسى عرفات، الرجل القوي في غزة وابن عم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعزل قائد المخابرات الفلسطينية، أمين الهندي، ليحل محله نائبه طارق أبو رجب، وعين علاء حسني قائدا جديدا للشرطة.

واضطر أكثر من ألف ضابط من رجال الأمن إلى التنحي، بموجب قانون جديد يلزم أفراد أجهزة الأمن بالإحالة إلى التقاعد في سن الستين، ومنهم عشرات من كبار الضباط، بينهم 11 برتبة لواء، و18 برتبة عميد، وأكثر من 70 برتبة عقيد.

واعتبر قادة في السلطة الفلسطينية أن «كون جميع هؤلاء القادة ينتمون إلى ذات الفصيل (حركة فتح)، جعل من مهمة تغييرهم أمرا يسيرا، لا سيما أنه حل محلهم نوابهم ومساعدوهم». وتتزامن عميلة التغيير مع التحضير لمؤتمر حركة فتح السادس عشر، الذي سيعقد في أغسطس (آب) المقبل للمرة الأولى منذ عام 1989، حيث يتوقع انتخاب قيادة جديدة للحركة. وينتظر أيضا إجراء انتخابات تشريعية عامة في يوليو (تموز) المقبل تشارك فيها لأول مرة حركة حماس الإسلامية المعارضة. ومن شأن تحقيق هاتين الخطوتين، أن يصبا في ميزان قوة الرئيس عباس، بعد أن تمكن من تخطي عقبة الأمن.

وتأتي التغييرات أيضا في وقت يواجه فيه الرئيس محمود عباس، الذي تعهد بوضع حد «لفوضى السلاح» السائدة في الأراضي الفلسطينية، ضغوطا من إسرائيل، التي تطالب بوقف أنشطة المجموعات المسلحة، ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون أعلن الخميس أن إسرائيل لن تتعهد بالبدء بمفاوضات السلام قبل «أن يحترم الفلسطينيون تعهدهم بوقف الإرهاب».

وقبل وقت قليل كان يصعب التكهن بتخطي قادة مثل اللواء أمين الهندي، رئيس جهاز المخابرات العامة، واللواء موسى عرفات، قائد الأمن الوطني والاستخبارات العسكرية، وكلاهما من كوادر حركة فتح منذ عقود. وقد سبقت إحالة هؤلاء إلى التقاعد، إقالة اللواء إسماعيل جبر، قائد قوات الأمن الوطني في الضفة الغربية، الذي حل محله اللواء سليمان حلس، وكذلك إقالة قائد الشرطة صائب العاجز، وتعيين علاء حسني مكانه. وتم تنفيذ الإجراء بعد الإعلان عن توحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ثلاثة أجهزة، هي الداخلية والأمن الوطني والمخابرات العامة.

وقال اللواء جبريل الرجوب، مستشار الأمن القومي، في تصريحات: «لقد تم إبلاغ جميع الإخوة، الذين تقبلوا الأمر بأريحية وانضباط، وهذا جزء من الاستحقاق لفتح علاقة جديدة وتهيئة الواقع باتجاه التعددية». وأضاف أن «عملية توحيد الأجهزة الأمنية ستتواصل من خلال إقرار وتطبيق القوانين الخاصة بتحديد علاقة الأجهزة مع بعضها البعض ومع الجمهور».

وقرر الرئيس الفلسطيني تعيين اللواء عرفات مستشارا عسكريا، واللواء الهندي مستشارا خاصا، مع منحمها وثمانية آخرين من كبار الضباط الذين احيلوا إلى التقاعد، وسام «نوط القدس».

ورأى مراقبون ومسؤولون أن انطلاق عميلة توحيد الأجهزة الأمنية، وخروج هؤلاء الضباط المخضرمين، يشكلان خطوة غير مسبوقة في السياسة الداخلية الفلسطينية، وإن كان الأمر يتطلب استحقاقات داخلية وخارجية أخرى. وقال مراقبون إن التغييرات «جزء من الإصلاح الداخلي وخطوة قوية وجيدة من قبل الرئيس (عباس) لإجراء إصلاحات، ولكنها ستبقى مقطوعة وبدون أفق إن لم يتمكن من انتزاع بعض من الحقوق الوطنية السياسية والاقتصادية».

وأضافوا «يمكن لهذه الخطوة أن تساعد عباس في زيارته المقبلة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جورج بوش، لا سيما أنها ستمكنه من التوجه إلى الرئيس الاميركي بتحقيق مطالب اقتصادية وسياسية، بعد أن أثبت قدرته على التحرك داخليا».

ويرتقب أن يقوم عباس بزيارته الأولى، منذ توليه السلطة، إلى واشنطن منتصف شهر مايو (أيار) المقبل. وقالت مصادر في السلطة الفلسطينية إن «واشنطن تلقت بارتياح قرار الرئيس عباس توحيد الأجهزة الأمنية وإحالة كبار الضباط إلى التقاعد». ويبدو أن الارتياح لم يقتصر على الإدارة الأميركية، بل أن ثمة انعكاسات محلية إيجابية أيضا.

وقال بيان للرئاسة الفلسطينية إن أبو مازن «سيقوم بتقليد وسام «نوط القدس»، الذي يمنح لمن يقدم خدمات عظيمة للوطن، لقادة الأجهزة الأمنية الذين احيلوا إلى التقاعد، إلى جانب اللواء موسى عرفات واللواء أمين الهندي.

وسيمنح الوسام إلى اللواء الركن عبد الرزاق المجايدة، مسؤول الأمن الوطني في الأراضي الفلسطينية، واللواء الركن أحمد القدوة، مسؤول دائرة التنظيم والإدارة في السلطة الفلسطينية، والعميد محمود عصفور. كما قرر عباس منح هذا الوسام إلى الضباط برتبة لواء ركن عبد الحي عبد الواحد، مسؤول الدفاع المدني في الأراضي الفلسطينية، وخالد سلطان، مسؤول القوات الحدودية، وصائب العاجز، قائد الشرطة الفلسطينية السابق، وإسماعيل جبر، قائد قوات الأمن الوطني في الضفة الغربية، وعمر عاشور، قائد قوات الأمن الوطني في جنوب قطاع غزة. من جهته تعهد مدير جهاز الشرطة الفلسطينية الجديد، العميد حسني ربايعة، أمس، بإنهاء «حالة الفلتان الأمني في الأراضي الفلسطينية»، مشددا على أهمية إعادة هيكلة الجهاز.

وقال ربايعة، المعروف باسم علاء حسني، خلال مراسم تسلمه مهامه: «أؤكد اننا سنكون قادرين على إنهاء حالة الفلتان الأمني، لأن هذا مطلب الغالبية من أبناء شعبنا الذي يريدنا أن نأخذ بزمام الأمور من أجل سيادة القانون». وشدد على «أهمية إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية الفلسطينية»، مشيرا إلى أن «المباني والإمكانيات يمكن إعادتها طالما أن الإنسان الفلسطيني بقي صامدا».

كما اعتبر ربايعة، أن المهام الملقاة على عاتق الشرطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة «مسؤولية وطنية كبيرة تتضمن نفض غبار المرحلة السابقة والانطلاق من جديد». وأشاد حسني بالانتقال السلس للسلطة في الأجهزة الأمنية، واصفا ذلك بالدليل على «أن السلطة الفلسطينية قادرة على التجديد والاستمرار، وأنها سلطة مؤهلة لتولي مسؤوليات الأمن وحفظ القانون». كما رأى حسني أن انتقال قيادة الاجهزة الأمنية إلى قادة جدد بدون إشكالات، «أثبت عدم صحة المراهنات الخارجية على أن الشعب الفلسطيني فوضوي لا يستحق دولة، بل أثبت العكس وهو أن الفلسطينيين شعب يستحق الاحترام والاستقلال ودولة المؤسسات».