تفاءل تقرير، قدمته وكالة التنمية الدولية الاميركية الى الكونغرس الاميركي، ببداية «مرحلة جديدة في السودان». وقال ان «مستقبل السودانيين واعد جدا، وان هذه اهم لحظة تحول بالنسبة للسودانيين منذ عشرين سنة». واشار التقرير الى اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب التي عقدت في يناير (كانون الثاني)، وقال انها «يمكن ان تحقق الديمقراطية، والتنمية اقتصادية، وتمثيل مجموعات ظلت مهمشة منذ الاستقلال». لكن التقرير حذر من ان «الواقع معقد اكثر. توقيع اتفاقية شيء، وتنفيذها شيء آخر. ويجب ان يكون التنفيذ لمحتوى الاتفاقية، ولروحها. ولهذا ستواجهنا معوقات كثيرة. وعلى المجتمع العالمي ان يبقى ملتزما خلال هذا الوقت الحرج».
واشترط التقرير استقرار الأمن كخطوة اساسية لحل مشاكل السودان، وعدد مصادر عدم الاستقرار الحالية: - أولا.. اشتباكات دارفور. - ثانيا، احتمال اشتباكات في كردفان وشرق السودان. - ثالثا، احتمال اشتباكات في مناطق الالتماس في جنوب محافظة اعالي النيل، وجبال النوبة، وابيي. - رابعا، اشتباكات حالية مع مليشيات جنوبية موالية لحكومة الخرطوم للسيطرة على اكوبو في الجنوب. وحذر التقرير من ان «مشكلة في منطقة معينة يمكن ان تنتقل الى منطقة اخرى، وتسقط اتفاقية السلام».
شدد التقرير على اهمية «نزع الاسلحة، وتسريح الجنود، واعادة نشر القوات، بالنسبة لكل من جيش التحرير الشعبي السوداني، ولقوات الحكومة، وللمليشيا التي تؤيدها». وقال التقرير ان الاميركيين يرسلون مساعدات الى بعض مناطق الاشتباكات، مثل التي ارسلوها أخيرا الى اكوبو، بعد ان هاجمتها مليشيا موالية للحكومة. وانهم يساعدون على تسريح عشرات من الجنود والجنديات صغار السن، «منهم من ظل يحارب كل حياته»، وتنقلهم الى مناطق زراعة وصيد سمك في محافظتي اعالي النيل وشرق الاستوائية، ليستقروا ويعيشوا هناك. وحذر التقرير بأن المساعدات وحدها لن تكفي، وان لا بد من اقناع القوات والمليشيات بأن تنزع سلاحها «لأن السلام سيفيد كل الاطراف». واشار الى اهمية الخطوات الآتية: - اولا، نزع سلاح المقاتلين في جوبا، تميهدا لنقل مقر حكومة جنوب السودان اليها.
- ثانيا، تحويل قوات جيش التحرير الى «قوات نظامية».
- ثالثا، تأسيس شرطة مدنية للمحافظة على الأمن اليومي.
واشار التقرير الى مشكلة اعادة اكثر من اربعة ملايين لاجئ جنوبي (منهم ربع مليون في دول مجاورة). هذا رقم قياسي في اي دولة في العالم. وقال ان المشكلة معقدة اكثر بالنسبة للاجئين الذين قضوا اكثر من عشر سنوات بعيدين عن مناطق قبائلهم، وبالنسبة لاطفالهم الذين لم يروا هذه المناطق. وحذر التقرير من «صعوبة ضمان أمن» العائدين، وذلك للاسباب الآتية:
- اولا، احتمال اشتباكات وسط العائدين الى القرى سيكون «كبيرا».
- ثانيا، الذين سيعودون الى مناطق مستقرة سيتنافسون على الخدمات والغذاء والسكن.
- ثالثا، «وجود فراغ أمني، وغياب شرطة مدنية فعالة في معظم مناطق السودان».
- رابعا، «توفر سلاح كثير، يسهل الحصول عليه، ويزيد اعمال العنف».
وخوفا من اشتباكات بسبب الارض بين العائدين، اجرى خبراء اميركيون تجربة في جبال النوبة لتطبيقها في الجنوب لحل مشاكل ملكية الارض. وسيضع الاميركيون قوانين لتنفيذ ذلك، وسيوفرون طعام الابقار والماشية، واجراءات حمايتها من الامراض، وعلاجها، وطرق تسويقها، وبذور الزراعة، واستشارات زراعية، وسيكون كل ذلك بالتعاون مع المسؤولين المحليين.
وحذر التقرير حتى من تطلعات حركة التحرير «غير الواقعية» نحو مساعدات الدول المانحة. وقال انها اثرت على احتمالات السلام في دارفور، لأن «بعض قادة الجنجويد يريدون معرفة المساعدات التي سترسلها لهم الدول المانحة، قبل الوصول الى اتفاقية سلام هناك.... وهذا يؤثر على نوايا تحقيق السلام».
ونصح التقرير الدول المانحة بأن تنتبه لهذه التطلعات، وتعمل على اقناع الاطراف المتحاربة بالتقليل منها، وفي نفس الوقت، توفر ما تقدر عليه من «ارباح السلام» المناسبة.
واشار التقرير الى تحد آخر، وهو ان حكومة جنوب السودان الجديدة «ستحصل على اموال ضخمة من عائدات البترول، والمساعدات الاجنبية، والنشاط التجاري الجديد. ولهذا ستكون هناك احتمالات كثيرة للفساد».
وقال التقرير ان تجارب الماضي في افريقيا اوضحت سوء صرف المساعدات الاجنبية، ولهذا اشترط «تأسيس نظام قوي وعاجل للمحاسبة والشفافية». وفي الوقت الحالي تتعاون الحكومة الاميركية مع البنك الدولي، ووكالة التنمية التابعة للامم المتحدة لتأسيس قسم في وزارة المالية الجنوبية للاستفادة من تجارب دول وقعت اتفاقيات سلام في الماضي، ولكنها لم تكن تملك اجهزة حكومية قوية. ويتوقع، حسب التقرير، ان تؤسس منظمة غربية لادارة «كل برامج حكومة جنوب السودان، حسب مقاييس عالمية»، وان تساعد المنظمة مؤسسات مراجعة عالمية «محترمة»، وان توفر كل اجراءات المحاسبة والشفافية.
ويساعد خبراء اميركيون وخبراء من البنك الدولي، في الوقت الحالي، وزارة مالية جنوب السودان لوضع اسس لجمع الضرائب، واعداد الميزانية، ومتابعة الصرف، وتقييم النتائج. ويتوقع، حسب التقرير، ان تؤسس لجنة لمحاربة الفساد، وان يقوي مكتب النائب العام لضمان تنفيذ الاجراءات المالية والقانونية.
واشار التقرير الى اكبر تحد، وهو «قدرة حكومة جنوب السودان الجديدة على ان تحكم، وعلى ان تقدر على تنفيذ اتفاقية السلام». وحمل حركة التحرير مسؤولية الانتقال من حركة الى حكومة، وتساءل عن امكانية التزام الحركة بالتواريخ التي وردت في الاتفاقية، وقال ان ذلك يعتمد على شيئين: - اولا، «قدرتها على مواجهة الالتزامات التي تعهدت بها».
- ثانيا، «رغبتها وتصميمها على تحقيق ذلك».
ولاحظ التقرير ان الحركة لم تلتزم ببعض التواريخ، وان الاميركيين يتابعون التطورات عن قرب للتأكد بأن «السبب ليس فقدان الحركة للرغبة السياسية لتنفيذ الاتفاقية».
واشار التقرير الى تأخير تكوين فريق المرحلة الانتقالية المشترك بين الحركة وحكومة الخرطوم. وحذر من ان هذا التأخير سيؤثر على توقيت تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بحلول شهر يوليو (تموز)، كما نصت اتفاقية السلام.
لكن التقرير اشاد بالحركة لأنها ارسلت اكثر من ثلاثين في المائة من اعضاء اللجان المقترحة الى الخرطوم، وقال ان ذلك يدل على «حرص الحركة على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة». واشاد التقرير، ايضا، باختيار الحركة لاكثر من مائة موظف يدربون الآن، استعدادا لعودتهم الى الجنوب للعمل في وزارات حكومة الجنوب الجديدة.
وحسب التقرير، يقوم الاميركيون بجهود مكثفة لتدريب موظفين جنوبيين لوزارات المالية، والعدل، والخدمات الاجتماعية. وايضا لوضع «دستور يحترم حقوق الانسان، وحرية التعبير، ولتقوية مؤسسات المجتمع المدني».
وحذر التقرير من تقليل حجم المشاكل لتحقيق السلام وتنفيذ مشاريع التطور والتنمية في جنوب السودان، وقال ان «هذا سيكون طريقا طويلا، وستكون هناك معوقات». وقال ان المشاكل سابقة الذكر «ليست الا بعض التحديات الرئيسية التي سيواجهها السودان خلال الشهور المقبلة». لكن التقرير اشار الى علامات تدعو للتفاؤل، منها:
- اولا، «السودانيون مستعدون للسلام، بعد ان انهكوا، وعزلوا، ولم يتطوروا». - ثانيا، «انظار العالم، وخاصة الدول المانحة، تتجه نحو السودان».
- ثالثا، «اميركا برهنت على قدرتها على الصبر والصمود، لاكمال مفاوضات السلام، وللضغط لتنفيذها».
- رابعا، «هذه اتفاقية سلام كامل، وليست مثل اتفاقية اديس ابابا، سنة 1972، الفاشلة. لكن تنفيذ هذه الاتفاقية سيكون صعبا، وسيستغرق وقتا طويلا، ايضا».