رحيل مصطفى القرشاوي أحد قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي

TT

توفي الصحافي والسياسي المغربي مصطفى القرشاوي، في الرباط الليلة قبل الماضية، بعد طول معاناة مع المرض، ادخل بسببه الى مستشفى، اكثر من مرة، وظل في الاشهر الاخيرة معلقا بين الوعي والغيبوبة التي حالت دون حضوره الحفل الذي اقامته وزارة الاتصال (الإعلام) بمناسبة اليوم المغربي للاعلام، والذي جرى فيه توسيم عدد من العاملين في الحقل الاعلامي، بينهم الراحل القرشاوي، احد مؤسسي النقابة المغربية للصحافة.

والقرشاوي في منتصف العقد السادس، من قيادات الجيل الثاني في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي برزت عقب المؤتمر الاستثنائي (1975) الذي اعلن فيه الحزب قطيعة مع آيديولوجية العنف الثوري التي كان يدعو اليها ويتزعمها تيار المناضلين في الخارج الذين كان من ابرز عناصرهم الراحل الفقيه محمد البصري.

اضطلع القرشاوي الذي بدأ مساره الاعلامي بمسؤولية في هيئة جريدة «المحرر» التي اصدرها الحزب بعد مصالحته مع الحكم، واسند رئاسة تحريرها الى الراحل عمر بن جلون، الذي اغتيل عام 1975 على يد عناصر محسوبة على تيار الشبيبة الاسلامية، التي يتزعمها عبد الكريم مطيع، اللاجئ في ليبيا حاليا، والذي بدأ مساره النضالي، وتلك مفارقة، في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي خرج من معطفه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نتيجة اشكالات وخلافات بين التيارات والاشخاص.

ترشح القرشاوي في الانتخابات البلدية التي جرت عام 1976، وأحرز على اصوات بنسبة مرتفعة في احد احياء الدار البيضاء الراقية. وكان نجاحه مفاجأة سارة له ولرفاقه، وهو المثقف العروبي الآتي من اعماق الشعب، اختير على اثرها رئيسا لمجلس بلدية أنفا (ولاية الدار البيضاء). ووفاء منه للثقافة والمثقفين اختار المرحوم عزيز بلال، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، الذي توفي بالولايات المتحدة في ظروف مأساوية، نائبا اول له.

ظل القرشاوي في المرحلة الاولى من حياته السياسية الباردة، موزعا بين مسؤولياته في البلدية وجريدة «المحرر» التي حققت في عقد الثمانينات مستوى تحريريا متقدما مقارنة بوضع المشهد الاعلامي المغربي في ذلك الوقت، الى ان اوقفت «المحرر» بقرار من السلطات عام 1981، عقب الاضراب العام الذي دعا اليه الجناح النقابي في حزب الاتحاد الاشتراكي، مما تسبب في اندلاع اضطرابات عمت عددا من المدن المغربية.

ولم تستمر القطيعة الثانية طويلا بين القصر والاتحاد الاشتراكي الذي شارك في الانتخابات التشريعية لعام 1984، وكان القرشاوي احد الداخلين الى البرلمان الذي مكث فيه خلال ولايتين، رفض اعادة ترشيحه بعدهما.

وانتخب القرشاوي عام 1984 عضوا في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الى جانب الراحل عبد الرحيم بوعبيد الامين العام الاسبق للحزب. وظلت علاقة القرشاوي بالحزب متأرجحة منذ المؤتمر الخامس الذي اشتد فيه الصراع مع الجناح النقابي بقيادة محمد نوبير الاموي، مما سبب انسحاب بوعبيد لفترة من المؤتمر، احتجاجا على العنف الكلامي الذي اتسمت به تدخلات المحسوبين على ذلك التيار، وهي تدخلات وصلت إلى حد التجريحات والاتهامات الشخصية، لم يسلم من نارها اعضاء آخرون في المكتب السياسي.

لم يتحمل القرشاوي، وهو المثقف المواظب على القراءة والكتابة، طبيعة واسباب الخلاف بين الإخوة في الحزب الذي أخلص له، وبدأ ينأى بنفسه عن مناطق التوتر الى ان واجه الحزب تجربة انقسامية اخرى في الرأي، كإحدى تداعيات عودة الفقيه محمد البصري، الذي رأى بعض المناضلين في عودته تقوية لصفوف الحزب، وبالتالي يجب ان يعامل كأحد مؤسسيه التاريخيين وليس كأي منتسب جديد، يتحتم عليه المرور بكافة العتبات التنظيمية، حتى يستعيد موقعه في القيادة، باسلوب ديمقراطي، ووفق اللوائح الداخلية.

مال عبد الرحمن اليوسفي، الامين العام السابق للحزب، نتيجة علاقات وصداقة تاريخية في المنفى مع الفقيه البصري، ووفق تحليلاته للمرحلة وحساباته السياسية الخاصة، الى التعامل مع عودة الفقيه البصري كحالة خاصة، فيما اعترض على ذلك النهج علانية محمد اليازغي، الامين العام الحالي، الذي طالب بان يمارس الفقيه العائد نقدا ذاتيا أمام المناضلين.

وجاء هذا المعطى الوافد ليؤجج نار الخلاف بين اليازغي والاموي، الذي سينفصل لاحقا عن اليوسفي في المؤتمر السادس للحزب ويؤسس المؤتمر الوطني الاتحادي.

وجد القرشاوي نفسه في حمأة هذا الصراع، وهو المعروف بطبعه الجاد واستقامته المثالية في السلوك، غير المنحاز علانية لهذا الجناح او ذاك، فهو بقلبه مع التوجه الذي ينادي به اليازغي وآخرون، لكنه لم يشهر سيفه في وجه الفقيه البصري.

وبعد ان اصبح اليوسفي، رئيسا للوزراء، وضع القرشاوي نفسه رهن اشارته، وأعلن تأييده لتجربة المشاركة في الحكم رغم تحفظاته.

وبقدر ما كان الخلاف يسري بين صفوف الحزب، بدأ المرض يجهز ببطء على حيوية القرشاوي ويضعف قواه، وطالت معاناته، وربما غادر هذه الدنيا، وفي نفسه حسرة جراء الإهمال غير المقصود من رفاقه، وستظل ذكراه، بالنسبة لمن عرفوه وعايشوه، مقرونة بالثبات على المبدأ، والتشدد في قول الحق، والغيرة على الثقافة والمثقفين، حيث اوجد مكانه بينهم بجدارة وبعصامية نادرة.

سجن القرشاوي وعذب وطالت مدة اعتقاله، ثم أفرج عنه في اطار العفو بدون متابعة لان ملفه كان فارغا من تهمة تستوجب ذلك العقاب، لكن المرض كان اشد قسوة وإيلاما. يرحمه الله.