الصعوبات التي رافقت تشكيل الحكومة العراقية تثير تساؤلات عن مدى فاعليتها في خدمة خطط واشنطن

خبراء: أميركا تريد تسليم المسؤولية للعراقيين وسحب قواتها وربما تجد في الجعفري «محاورا صادقا»

TT

تعتبر الحكومة العراقية الجديدة التي تشكلت في العراق أول من أمس، إنجازا هاما ومسببا خطيرا للقلق في الوقت الذي يتابع فيه الرئيس الأميركي جورج بوش هدفه لنشر الإصلاحات الديمقراطية في الشرق الأوسط.

وبالنسبة لبوش وهؤلاء داخل الإدارة الذين خصصوا جهدا كبيرا لموضوع العراق واتخذوا العديد من المخاطر السياسية الهائلة، فقد كان تشكيل الحكومة لحظة سعادة: مشرعون عراقيون انتخبوا انتخابا حرا أكدوا حكومة شرق أوسطية متعددة الأعراق ملتزمة بوضع دستور يضمن حقوق الإنسان الأساسية وحرياته.

ولكن الطبيعة الضعيفة والاحتكاكات المتعلقة بالحكومة الجديدة التي استغرق تشكيلها ثلاثة اشهر، يجعل من غير الواضح كيف يمكن أن تخدم مصالح الولايات المتحدة. وعبر المحللون الذين يتابعون تطورات العراق عن قلقهم بخصوص استقرار الحكومة الجديدة. ولاحظوا أن الحكومة لم تعين بعد 5 وزراء مهمين، وتعرضت لانتقادات من جانب واحد من نواب رئيس الجمهورية، وهو غازي الياور، بأنها غير ممثلة، ويرأسه رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري - الذي يشك في قدرته على التوصل إلى حلول وسط بسبب طول المفاوضات.

وفي الوقت نفسه فإن إياد علاوي رئيس الوزراء المؤقت الذي يحظى بتأييد الولايات المتحدة وشغل منصبه منذ الصيف الماضي، لم يحصل على منصب في الحكومة الجديدة. ومن المتوقع أن يقود علاوي الذي يسيطر حزبه على 40 مقعدا في البرلمان، المعارضة. وفي الوقت ذاته أصبحت وزارة النفط، مؤقتا على الأقل، تحت سيطرة احمد الجلبي، وهو منفي عراقي سابق ساهم في تضليل المسؤولين الأميركيين بالاعتقاد بان صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل.

وأوضح جيمس دوبينز الذي شغل منصب أول سفير لبلاده لدى أفغانستان وكان شخصية أساسية في الجهود الأميركية في إعادة بناء البوسنة وكوسوفو في التسعينات، أن «الحكومة الجديدة خطوة ايجابية ولكن محدودة».

وبالنسبة لإدارة بوش، فإن المخاطر المتعلقة بنشر الديمقراطية في العراق تمتد لأكثر من حدود البلاد. فعمق الالتزام الاميركي يعني أن نتائج الجهود الرامية إلى بناء دولة ديمقراطية مستقرة سيؤثر على قدرة الولايات المتحدة لدفع الإصلاحات السياسية في المنطقة.

ولكن بعد الغزو والاحتلال الذي تكلف عشرات المليارات من الدولارات وأدى إلى مقتل أكثر من 1570 جندي أميركي وأعداد لا تحصى من العراقيين، فإن الولايات المتحدة ظلت مراقبة تقريبا لمفاوضات تشكيل الحكومة. وهذا القرار، الذي لم يتغير حتى بعدما أصبح من الواضح أن المفاوضات قد تعثرت واخذ عنف المتمردين في التزايد خطأ كبيرا، طبقا لما ذكره بعد النقاد.

ويشير توبي دودج، وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، انه كان من المفروض على أميركا المساعدة في تشكيل الحكومة بطريقة أسرع باستخدام سفارتها في بغداد لتحريك المفاوضات بهدوء.

غير أن بعض المحللين الآخرين ذكروا أن الولايات المتحدة كانت مقيدة. فقد أشار دوبينز الذي يشغل منصب مدير شؤون الأمن الدولي وسياسة الدفاع في مؤسسة راند، إلى أن المشاعر المعادية لأميركا في العراق ـ وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط - جعلت أي تدخل في تشكيل الحكومة العراقية مخاطرة سياسية.

وتجدر الإشارة إلى ان سياسة بوش في ترك الأمور تسير كما هي فيما يتعلق بالديمقراطية هو قرار ينبع من الضرورة أكثر منه من القناعة الآيديولوجية. فقد ذكر «في البوسنة وكوسوفو ولدرجة ما في أفغانستان، كان تأييد أميركا أمرا ايجابيا بالنسبة للسياسيين لان الارتباط بأميركا نفسها كان شعبيا. وفي العراق، فإن الاتصال الأميركيين سيقضي على شرعية أي شخص نرتبط به».

والمعروف ان الإدارة الأميركية قامت بأول تدخل لها على أعلى المستويات في الأسبوع الماضي، عندما عبرت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية ونائب الرئيس ديك تشيني عن إحساس بالعجالة في اجتماعات منفصلة مع نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي. كما اتصلت رايس بمسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ونقلت إليه رسالة مماثلة، طبقا لما ذكره المسؤولون في وزارة الخارجية.

وذكر المحللون ان النتيجة النهائية، هي حكومة عراقية تقدم لإدارة بوش محاورا صادق وإن كان ضعيفا يمكن عن طريقه متابعة عنصر هام في الاستراتيجية الأميركية: تحويل مزيد من المسؤولية إلى العراقيين استعدادا لتخفيض الوجود الاميركي هناك.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»