مسؤولون أميركيون وسودانيون: الخرطوم وواشنطن أصبحتا حليفتين في الحرب ضد الإرهاب وتعقدان اجتماعات استخبارية سرية

الاستخبارات السودانية أحبطت هجمات ضد أميركا واعتقلت مشتبهين من «القاعدة» لحساب ضباط استخبارات أميركيين

TT

قال مسؤولون أميركيون ان إدارة الرئيس جورج بوش أقامت شراكة استخباراتية وثيقة مع السودان ساعدت واشنطن في حربها على «الارهاب». وقال المسؤولون وهم من المخابرات الاميركية ان السودان، الذي استضاف في الماضي أسامة بن لادن، وافق على حرية الوصول الى المشتبه بارتكابهم «أعمالا إرهابية» واقتسم معلومات المخابرات مع الولايات المتحدة على الرغم من انه ما زال ضمن القائمة الاميركية للدول الراعية للارهاب ويتعرض لانتقادات شديدة بشأن انتهاكات حقوق الانسان.

وأكد مسؤولون أميركيون ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) ارسلت الاسبوع الماضي طائرة خاصة لنقل مسؤول وكالة الاستخبارات السودانية اللواء صلاح عبد الله قوش الى واشنطن، حيث يشارك في اجتماعات سرية حول شراكة الخرطوم الحساسة والسرية مع إدارة بوش في مجال الأمن والاستخبارات. جدير بالذكر ان العاصمة السودانية الخرطوم كانت قبل حوالي عشر سنوات مقرا لأسامة بن لادن وشهدت المراحل الاولى من تكوين شبكة «القاعدة» التي يتزعمها. وعقب مغادرة بن لادن السودان باتجاه افغانستان احتفظ نظام الرئيس عمر حسن احمد البشير بعلاقاته مع جماعات اسلامية اخرى تتهمها واشنطن بالضلوع في الارهاب. وفي سبتمبر (ايلول) الماضي اتهم وزير الخارجية الاميركية السابق كولن باول النظام السوداني بارتكاب جرائم تطهير عرقي في اقليم دارفور، كما حذرت إدارة الرئيس بوش من ان «مسلك السودان يشكل تهديدا غير عادي للأمن القومي للولايات المتحدة». إلا ان السودان بدأ يظهر من خلف الكواليس كحليف ذي اهمية خاصة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. فالعلاقة بين الجانبين، طبقا لتصريحات مسؤولي استخبارات اميركيين ومسؤولي أمن سودانيين، افرزت نتائج مهمة. إذ كشفوا، على سبيل المثال، النقاب عن ما يلي:

* اعتقلت أجهزة المخابرات السودانية اشخاصا يشتبه في انتمائهم لشبكة «القاعدة» بقيادة اسامة بن لادن بغرض استجوابهم بواسطة ضباط استخبارات أميركيين.

* استولى جهاز الأمن الوطني على أدلة ومتعلقات، من بينها جوازات سفر مزورة، عثر عليها خلال حملات مداهمة لمنازل كان يقطنها أشخاص يشتبه في ضلوعهم في الارهاب، وسلمت هذه الادلة الى مكتب المباحث الفيدرالي (إف. بي. آي).

* أبعد السودان متطرفين وسلمهم الى اجهزة استخبارات عربية تربطها صلة عمل وثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية.

* نجح النظام السوداني في إحباط هجمات ضد أهداف اميركية من خلال اعتقال أجهزة أمنه لمتشددين أجانب استخدموا السودان كنقطة عبور في طريقهم للانضمام الى المتمردين في العراق. وقال مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الاميركية ـ وافق على مناقشة القضايا ذات الصلة بالاستخبارات، شريطة عدم الإفصاح عن هويته ـ ان «السودان سلم الولايات المتحدة معلومات محددة كانت غاية في الأهمية وحديثة»، كما اعترف هذا المسؤول بأن جهاز الأمن الوطني السوداني ربما يصبح شريكا على أعلى المستويات مع الـ«سي آي إيه». واستطرد المسؤول قائلا ان «جهاز الأمن الوطني السوداني يتمتع بمستوى كفاءة عال، واضاف معلقا: «لا يمكن البقاء في هذا الجزء من العالم من دون وجود اجهزة أمن واستخبارات ذات كفاءة جيدة. هذه الاجهزة في وضع يسمح لها بتقديم مساعدات مهمة». ويقول اللواء يحيى حسين بابكر، وهو مسؤول كبير في الحكومة السودانية، ان الاستخبارات الاميركية تعتبرهم «أصدقاء». وقال بابكر في لقاء اجري معه داخل القصر الجمهوري ان «السودان حقق تطبيعا كاملا في علاقته مع سي آي إيه». أما اللواء صلاح عبد الله قوش، مدير جهاز الأمن الوطني السوداني، فقد قال ان «علاقة شراكة قوية تجمعهم مع سي آي إيه»، مؤكدا ان المعلومات التي قدمها جهاز الأمن الوطني لأجهزة الأمن والاستخبارات الاميركية كانت مفيدة للولايات المتحدة. ويجسد اللواء صلاح قوش التناقض في طبيعة علاقة الشراكة التي تجمع جهاز الأمن الوطني السوداني وأجهزة الاستخبارات الاميركية، إذ يتهم اعضاء في الكونغرس اللواء صلاح قوش ومسؤولين سودانيين كبار بالضلوع بالوقوف وراء الهجمات العسكرية ضد المدنيين في اقليم دارفور. وكان جهاز الأمن السوداني قد كلف صلاح قوش خلال عقد التسعينات مهمة مراقبة تنظيم «القاعدة»، وهو دور يتطلب وجود اتصال منتظم بينه وأسامة بن لادن، وذلك طبقا لتأكيد مسؤول أمني سوداني سابق. وأصبح صلاح قوش على اتصال حاليا بمكتب مدير «سي. آي. إيه»، بورتر غوس، وكبار المسؤولين بالوكالة. وترغب الخرطوم في ان تكافأ على هذا التعاون، الذي ظل طي الكمتان، بإزالة اسم السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، كما تسعى الخرطوم جاهدة لإقناع واشنطن برفع العقوبت الاقتصادية التي ظلت تحول على مدى سنوات دون التبادل التجاري بين البلدين. يقول قطبي المهدي، المدير السابق لجهاز الأمن الوطني السوداني ومستشار الرئيس عمر البشير حاليا، ان من الممكن تطوير علاقات شراكة قوية في مجال الاستخبارات، إلا ان ثمة ترددا بسبب تراجع العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وواشنطن. من جانبه قال اللواء يحيى حسين بابكر، الذي شغل في السابق موقع نائب مدير جهاز الأمن، ان الـ«سي. آي. إيه» تسعى لتلطيف العلاقات السياسية بين إدارة بوش ونظام البشير. ويبدو التعاون بين الجانبين حساسا من الناحية السياسية للجانبين، فقد اثيرت مسبقا مخاوف من احتمال تساهل البيت الابيض وتخفيف حدة سياسته ازاء السودان بشأن مسألة دارفور بغرض تشجيع تعاون ومساعدة الجانب السوداني في مجال المعلومات الاستخبارية، وذلك في تقرير صدر عن إدارة البحوث التابعة للكونغرس. فقد أشار التقرير المذكور الى ان اللواء صلاح قوش ومسؤولين سودانيين آخرين «لعبوا دورا رئيسيا في توجيه الهجمات ضد المدنيين»، وأشار التقرير ايضا الى ان «الادارة تشعر بقلق ازاء احتمال ان تؤدي ملاحقة هؤلاء الاشخاص الى عرقلة التعاون بين الطرفين في مجال مكافحة الارهاب»، إلا ان إدارة بوش أكدت انها لم تتراجع في أي جانب من الجوانب. ووصف مسؤول في الادارة الاميركية تبادل المعلومات الأمنية بين الجانبين السوداني والاميركي بأنه من الخطوات التي تساعد على بناء العلاقات بين الطرفين، لكنه اكد في نفس الوقت على ضرورة إحراز تقدم في جوانب اخرى، بما في ذلك حقوق الانسان. وأضاف المسؤول قائلا: «بدأنا بالفعل في تعبئة وقيادة الضغوط الدولية على الخرطوم منذ ان اتضح ما يجري في دارفور، وواصلنا في هذا الاتجاه منذ ذلك الحين». يذكر ان السودان كان ملاذا آمنا للمتطرفين الاسلاميين عقب الانقلاب العسكري الذي أتى بالبشير الى السلطة، وكان البشير قد أعلن يومها ان بوسع أي مسلم دخول السودان بدون جواز سفر. وكان قوش يعمل كوسيط بين أجهزة الأمن السودانية وشبكة «القاعدة» الناشئة بقيادة أسامة بن لادن خلال فترة إقامته في السودان. وقال جاك كلونان، وهو ضابط سابق بمكتب المباحث الفيدرالي من الفريق الذي كان مكلفا بتعقب أسامة بن لادن، ان أعضاء شبكة «القاعدة» في السودان أبلغوا المباحث الاميركية في إطار التحقيقات التي اجريت بعلاقات واتصالات صلاح قوش مع اسامة بن لادن. وقال كلونان انهم كانوا حذرين تجاه التعامل مع قوش لأسباب واضحة، لكنه أكد انه لم يكن لديهم دليل على ارتباط قوش بأي من نشاطات شبكة «القاعدة». ومن جانبه قال اللواء الفاتح عروة، ضابط الأمن السابق والسفير السوداني الحالي لدى الامم المتحدة، ان قوش خلال فترة إقامة أسامة بن لادن في السودان كان يحمل رتبة عقيد في جهاز الأمن السوداني ولم يكن في موقع اتخاذ قرار. وأضاف عروة ان قوش كان مكلفا فقط مراقبة أعضاء مجموعة اسامة بن لادن واتصالاتهم وليس مناقشة المسائل السياسية معهم أو تسهيل نشاطاتهم.

وأشار مسؤولون اميركيون وسودانيون الى ان إدارة بوش اتخذت مطلع عام 2001 خطوات لتحسين العلاقات مع الخرطوم. ففي يوليو (تموز) من نفس العام التقى وولتر كانشتاينر، مساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون الافريقية في ذلك الوقت، وزير الخارجية السوداني سرا في كينيا، وتبع ذلك اللقاء لقاء سري آخر في العاصمة البريطانية لندن حضره اللواء أمن يحيى حسين بابكر. واستكشف ذلك الاجتماع التعاون المحتمل في القضايا ذات الصلة بالإرهاب، إلا انه لم يحدث أي تقدم في هذا الجانب الى حين وقوع هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وفي أواخر نفس الشهر عقد كانشتاينر، من إدارة افريقيا في الاستخبارات، محادثات مع يحيى حسين بابكر داخل مبنى السفارة الاميركية في لندن توصلا في نهايتها الى اتفاق. بعد أيام فقط من ذلك اللقاء امتنعت إدارة بوش عن التصويت على قرار في الأمم المتحدة نتج عنه إلغاء عقوبات دولية كانت مفروضة على السودان بسبب دوره المزعوم في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 1995 . وفي نفس ذلك الوقت تقريبا سلمت سلطات الأمن السودانية للسلطات الاميركية عددا كبيرا من الملفات الأمنية تحتوي على خلاصة المعلومات التي جمعت حول اعضاء شبكة «القاعدة» ومجموعات متطرفة اخرى خلال سنوات إقامتهم في الخرطوم وحتى عقب مغادرتهم لها. ويمكن القول ان علاقات الشراكة الأمنية والاستخباراتية بدأت في ذلك الوقت بصورة جدية. فقد اكدت عدة مصادر انه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2001 كانت للـ«سي آي إيه» محطة نشطة في الخرطوم تجري، ضمن برامج اخرى، عمليات مراقبة على متطرفين اعتمادا على معلومات ومساعدة جهاز الأمن السوداني. وكشف كلونان النقاب عن تسليم يحيى حسين بابكر للمحققين الاميركيين المواد التي عُثر عليها خلال عمليات المداهمة التي قامت بها قوات الأمن السودانية لمنزل كان يقيم به شخص مشتبه في تورطه في نشاطات ارهابية ضمنها اختام جوازات سفر مزورة وجوازات سفر خالية لدول عربية. وقد وصل كونان وعدة ضباط تابعين لمكتب التحقيق الفيدرالي الى الخرطوم في نفس شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لاستجواب أعضاء في تنظيم «القاعدة» كانوا يقيمون في العاصمة السودانية، واجري التحقيق في منازل آمنة أعدها جهاز الأمن الوطني، الذي احضر المشتبه فيهم الى ضباط «اف بي آي». من ضمن الاشخاص الذين حقق معهم كلونان محمد بايزيد، وهو اميركي من اصل سوري يشتبه في ان له علاقات مع اسامة بن لادن يعود تاريخها الى فترة الحرب ضد القوات السوفياتية في افغانستان عقب غزو موسكو لها عام 1979. وقيل ان بايزيد كان يسعى للحصول على يورانيوم لشبكة «القاعدة». ومن ضمن الاشخاص الآخرين الذين جرى استجوابهم مبارك دوري، وهو عراقي كان يعتبر من المسؤولين عن الأعمال التجارية لاسامة بن لادن. وقال كلونان ان دوري، وعراقيا آخر، ضحكا عندما وجه اليهما سؤال حول ما اذا كانت هناك علاقات بين اسامة بن لادن ونظام صدام حسين. وقال دوري ورفيقه ان «اسامة بن لادن يكره صدام حسين ويعتبره مرتداً يجري وراء ملذاته». وسمح جهاز الأمن الوطني لمكتب المباحث الفيدرالي بالتحقيق مع مدير بنك الشمال، حيث كان يحتفظ اسامة بن لادن بالعديد من الحسابات المصرفية خلال إقامته في السودان، طبقا لما ذكره كلونان. وقد سلمت هذه السجلات كاملة للمحققين الاميركيين. وقال مصدر اميركي على معرفة بتعاون السودان الأمني معلقا: «انهم لم يبلغونا فحسب بهوية الأشرار، بل احضروهم لنا. يا الهي، لا يمكننا إقناع الفرنسيين بعمل مشابه».

وأكدت مصادر سودانية واميركية ان حكومة البشير سلمت إرهابيين مشتبها فيهم الى اجهزة أمن دول عربية، بما في ذلك مصر والسعودية وليبيا، وهي دول اخرى تتعاون في قضايا مكافحة الإرهاب. ومن بين هؤلاء الذين تم تسليمهم للسعودية شخص سوداني الجنسية اسمه ابو حفيظة وهو ناشط في «القاعدة» تردد انه اعترف بالاشتراك في مؤامرة فاشلة عام 2002 بإسقاط طائرة عسكرية اميركية في السعودية بصاروخ ارض جو. وقد حكمت عليه السلطات السعودية بالسجن لارتكابه «أفعالا ارهابية ضد منشآت حيوية في المملكة».

كما شنت سلطات الأمن السودانية حملة داخلية ضد المتطرفين المشتبه فيهم، وتراقب الأجانب الذين يتنقلون داخل السودان. وقال مسؤول رسمي في وزارة الخارجية «اذا ما لاحظوا وصول شخص ربما نشعر بالقلق تجاهه، فإنهم يبلغوننا».

وفي مايو (ايار) 2003 داهمت قوات الأمن معسكر تدريب إرهابيا في السودان، حيث القي القبض على اكثر من 12 شخصا ـ معظمهم سعوديون سلموا الى السعودية في وقت لاحق. وبعد ذلك بأربعة اشهر، حكمت محكمة سودانية على ثلاثة اشخاص اتهموا بتدريب متطرفين أجانب على شن هجمات في العراق واريتريا وإسرائيل، طبقا لما ذكرته وزارة الخارجية.

وإلى جانب تعاونها منذ 11 سبتمبر، فإن أجهزة الأمن والاستخبارات السودانية سمحت بجمع معلومات عن الجماعات المتطرفة المشتبه فيها في دول لا تستطيع العناصر الاميركية العمل فيها بفاعلية. وأشار لي ولوسكي، العضو السابق في مجلس الأمن القومي في عهدي كلينتون وبوش، الى ان اجهزة الاستخبارات في الشرق الأوسط والدول الإسلامية يمكنها «الحصول على معلومات مباشرة بينما نحصل نحن على معلومات غير مباشرة». واعترف وزير خارجية السودان مصطفى عثمان اسماعيل، في مقابلة، ان جهاز الأمن الوطني كان آذان وعيون وكالة الاستخبارات المركزية في الصومال التي تعتبر ملاذا للمتطرفين الاسلاميين.

وفي العام الماضي التقى مسؤول كبير في جهاز الأمن الوطني في واشنطن مع مركز مكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية لمناقشة الوضع في العراق، طبقا لمصادر على علم بالمحادثات. ولكن في عام 2003 ، ومع اقتراب الغزو الاميركي للعراق، جند أنصار صدام حسين مجاهدين محليين وأجانب لقتال القوات الاميركية، وبعثوا بأعداد صغيرة لبغداد. وراقب جهاز الأمن الوطني وجمع شبكة انصار صدام حسين. وأدت هذه الجهود أيضا الى «اكتشاف خلايا في دول أخرى كانت ناشطة وتخطط لاستهداف مواقع اميركية» طبقا لما ذكره يحيى حسين بابكر.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»