مصر: الإخوان يفاجئون أجهزة الأمن بمظاهرات حاشدة للمطالبة بالإصلاح ورفض التدخل الخارجي

تساؤلات حول تسامح السلطة معهم.. وقيادي إخواني يطالب المتظاهرين بإنزال المصاحف

TT

على غرار مظاهرات الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) وفي تحد غير مسبوق لأجهزة الأمن المصرية، وخلال الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس المصري حسني مبارك (77 عاماً)، نظمت جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة، مظاهرات مفاجئة في 8 محافظات بدون تنسيق مع أجهزة الأمن، وذلك بعد فشل مفاوضات سابقة بين الأمن والجماعة لتنظيم مظاهرة حاشدة في مصر.

وانطلقت مظاهرات الجماعة في المحافظات الثماني، وهي القاهرة (العاصمة) والإسكندرية والفيوم والشرقية والغربية وبورسعيد والبحيرة والدقهلية. وقدر عدد المشاركين فيها بما يقرب من 35 ألف متظاهر في مختلف المحافظات، فيما أكدت المصادر أن الاعتقالات لنشطاء الجماعة تخطت أكثر من 300 معتقل. وبدا لافتاً علامات مهمة في مظاهرات الإخوان أمس أنها خرجت بشكل فردي من دون التنسيق مع أي قوى سياسية أخرى، وأنها شهدت مصادمات مع الأمن في بعض المحافظات على غير المعتاد مما أسفر عن وقوع إصابات غير خطيرة في صفوف الجماعة وبعض رجال الأمن الذين حاولوا تفريق مظاهرات الإخوان.

وكانت مظاهرات الإخوان أمام مسجد الفتح بوسط ميدان رمسيس بقلب القاهرة هي الأكثر درامية. فرغم أن أعضاء الجماعة توافدوا على المسجد من الصباح الباكر تحسبا لتضييقات أمنية، إلا أن ما يقرب من 4 آلاف إخواني تمكنوا من الوصول الى موقع المظاهرة رغم إغلاق بعض الشوارع ووضع حواجز أمنية. وكان على رأس متظاهري الإخوان عضو مكتب الإرشاد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي سبق اعتقاله في مظاهرة 27 مارس (آذار) الماضية لعدة ساعات، وزعيم كتلة الإخوان في البرلمان الدكتور محمد موسى، والقطب البارز الدكتور عصام العريان.

وقد قاد، اللواء نبيل العزبي، مدير أمن القاهرة، قوات الأمن التي حاصرت المتظاهرين أمام المسجد. ورفض العزبي الإدلاء بأية تصريحات للصحافيين.

واعتبر مراقبون أن تلك المظاهرات تعد تحولا جديدا في تحركات جماعة الإخوان المسلمين في مصر وعلى طريقة حركة «كفاية» في تنظيم مظاهرات دعت إليها في جميع المحافظات المصرية ومن دون الحصول على إذن مسبق من السلطات، وعدم الإعلان عن المظاهرة إلا مساء أول من أمس لوسائل الإعلام لحرص الجماعة على حضور المظاهرة.

واحتجزت قوات الأمن عددا كبيرا من عناصر الإخوان في المحافظات بينما أكدت الجماعة تفاؤلها بأن عملية القبض لن تستمر طويلا وسيتم الإفراج عن أغلبهم عقب انتهاء التظاهرات.

وجاءت مظاهرات الإخوان المفاجئة بعد أسبوع واحد فقط من المظاهرات التي قامت بها «كفاية» والتي ترفض التمديد لفترة رئاسة خامسة للرئيس مبارك وعدم توريث الحكم لنجله جمال، وذلك في 14 محافظة مصرية. ولذلك اعتبر المراقبون أن مظاهرة الإخوان جاءت للرد على مظاهرات «كفاية»، والتي انسحبت جماعة الإخوان من المشاركة في مظاهراتها.

والغريب أن مظاهرات الإخوان لم تشهد تضييقا أمنيا من قبل قوات الأمن على المتظاهرين كما حدث في المظاهرات التي دعت إليها الجماعة في 27 مارس الماضي أمام مجلس الشعب (البرلمان)، مما أعطى دلالة لقبول تظاهرة الإخوان التي رفعت شعارات تطالب بالإصلاح غير أنها أعلنت رفضها التدخل الأجنبي لفرضه، وهذا ما أعطى دلالة لمغازلة الإخوان للسلطات المصرية، خاصة أن بقية الشعارات التي رفعتها الجماعة لم تتجاوز بعد الخطوط الحمراء مثل الشعارات التي ترفعها حركة «كفاية» والتي تطالب بالتغيير الشامل وعدم التمديد للرئيس مبارك. إلا أن مظاهرة الإخوان رددت هتافات اقتصرت على رفض قانون الطوارئ والفساد وغلاء الأسعار وأيضا مظاهرات تقول إن الأقباط أبناء الأمة.

وكان الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام للإخوان قد أكد في نهاية الشهر الماضي أن جماعته تجري مفاوضات مع السلطات المصرية من أجل تنظيم مظاهرة تدعو إلى الإصلاح السياسي مع رفض التدخل الخارجي. إلا أن عبد الجليل الشرنوبي، المتحدث باسم الإخوان خلال المظاهرة أكد أن سلطات الأمن لم توافق عليها، وأن الجماعة دعت إلى التظاهر من دون الحصول على إذن من سلطات الأمن ولم يتم التنسيق مع الإخوان بعد أن وصلت المفاوضات مع سلطات الأمن لطريق مسدود. ووفق مصادر «الشرق الأوسط» فإن أكبر مظاهرة للجماعة كانت في محافظة الشرقية التي شهدت خروج نحو10 آلاف متظاهر تم اعتقال نحو 100 منهم. وفي الغربية والدقهلية وصل العدد إلى خمسة آلاف متظاهر و4 آلاف آخرين في كل من الفيوم والبحيرة والقاهرة، و3 آلاف في بورسعيد، بينما تمكن الأمن من منع مظاهرتين في الإسكندرية والإسماعيلية. وقالت مصادر مطلعة إن محافظة الفيوم شهدت مصادمات عنيفة أدت إلى إصابة نحو 5 من جنود الأمن وعدد آخر من أنصار الجماعة إضافة إلى وقوع عدد من المصابين في محافظتي الغربية والشرقية. وكان أحد المشاهد اللافتة للأنظار في تظاهرة الإخوان أمس عندما طالب القيادي الإخواني الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أنصار الجماعة بإنزال المصاحف التي سارعوا برفعها في المظاهرة، في وقت سبق للجماعة أن تعرضت لانتقادات شديدة بسبب عنادهم برفع المصاحف في المظاهرات.

ومن جانبه، قال أبو الفتوح «نحن نربأ بأنفسنا أن يساء للمصحف الشريف بأن يرفع في مظاهرة، ونحن نواجه أيا من أعضاء الجماعة يرفع المصاحف. فالمصحف له قدسية شديدة ونخشى إهانته وأن يقع على الأرض إذا ما وقع أي شيء غير محسوب، ولذا فنحن لم نوجه لرفع المصاحف ونرفض أن يساء لها».

وحول ما اذا كانت مظاهرات الإخوان تحمل دلالة سياسية في الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس المصري، قال أبو الفتوح «لا توجد دلالة ولسنا معنيين بهذه المسائل الشخصية، ولكن المظاهرة تم الترتيب لها ولم نبلغ الأمن لأن الأصل أن التظاهر حق دستوري، ودور الأمن هو الحفاظ على أمن المتظاهرين»، مشيرا إلى أن الجماعة سوف تقوم بالعديد من المظاهرات خلال المرحلة المقبلة.

وأكد أبو الفتوح «إن الإخوان لا يتصادمون مع الأمن وضد حدوث ذلك، فنحن نمارس حقا دستوريا وفق نصوص قانونية، ولكن نؤكد أن هذا العمل مهم وبديله هو الإرهاب نتيجة الكبت الذي يفرضه الأمن على المواطنين بسلب حقوقهم».

وأوضح أبو الفتوح أن الجماعة رفعت عدة مطالب خلال المظاهرة هي المطالبة بالإصلاح السياسي وإجراء انتخابات رئاسية حقيقية وإلغاء حالة الطوارئ وإجراء انتخابات حرة تحت إشراف قضائي كامل، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والصحف.

وقد بلغ عدد من ألقت السلطات الأمنية القبض عليهم وفقا لمصادر أمنية ما يقرب من 100 في محافظة الشرقية و80 في محافظة الدقهلية و30 في محافظة الفيوم.

وفي أسيوط بصعيد مصر شهدت المدينة إجراءات أمنية مشددة حيث احتشدت سيارات الأمن المركزي والمطاردة والعربات المصفحة وسيارات المطافئ والدفاع المدني في الميادين الرئيسية بمدينة أسيوط. وتمركزت القوات بميادين شيكوريل والمحطة ونايلة فاتون بدائرة حي غرب أسيوط. وفي حي شرق تمركزت قوات الأمن بميدان 6 أكتوبر وشارع الجمهورية وميدان المنفذ حيث شاهد مراسل «الشرق الأوسط» العشرات من سيارات الأمن المركزي.

وعلم من مصادر مطلعة أن هناك حالة طوارئ شديدة بالمحافظة وتوسيع دائرة الاشتباه والفحص بإدارات أمنية متخصصة تحسباً لوقوع أية أعمال تخريبية. كما شددت أجهزة الأمن من إجراءاتها على المنشآت والمطاعم السياحية بأسيوط، وانتشرت الكلاب البوليسية المدربة على كشف المفرقعات بأرصفة محطة السكة الحديد بأسيوط منذ الصباح. وفي مدينة المنيا شهدت انتشارا موسعا لسيارات الأمن المركزي والسيارات المصفحة والبحث الجنائي حيث تم وضع أكمنة ثابتة بالميادين الرئيسية والشوارع وتوسيع دائرة الاشتباه بالمحافظة.

في الوقت ذاته علمت «الشرق الأوسط» أن أجهزة الأمن قد ألقت القبض على عدد من المنتمين للتيار«السلفي» بمدينة ملوي بمحافظة المنيا. كما ألقت أجهزة الأمن القبض على عدد من الطلاب المنتمين للتيار الإسلامي أثناء مرورهم أمام مسجد «العفاني» بملوي.

وأكدت مصادر عليمة لـ«الشرق الأوسط» أن من بين المقبوض عليهم والمنتمين للتيارات السلفية عضو هيئة تدريس بجامعة المنيا وطالب يدعى ناصر عربي بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر فرع أسيوط.

وفي الإسماعيلية منعت قوات الأمن مظاهرة الإخوان وحاول عدد من أعضاء الجماعة (نحو 50 عضوا) الخروج من أمام مسجد الصالحية بمنطقة حي السلام بالمدينة، إلا أن أعدادا كبيرة من قوات الأمن حاصرت المكان، ومنعت تحرك المتظاهرين ولم تحدث أية مصادمات بين الشرطة وأفراد الجماعة.