الانتخابات البريطانية قد تفتح الباب لتغييرات تبدأ من الأعلى

توقعات بحلول ريد أقل الوزراء دبلوماسية محل سترو في الخارجية

TT

قال البريطاني كلمته في الانتخابات العامة التي أعلنت نتائجها اليوم.. فما هي الخطوط العريضة لكيفية ترجمة الأرقام الحسابية التي ظهرت في النتائج إلى حقائق ملموسة على المشهد السياسي الوطني والحزبي؟ الارجح ان التغيير في المدى القريب سيبدأ بالزعيم العمالي توني بلير وخصمه المحافظ مايكل هاوارد، ما لم تكشف النتائج مفاجآت كبيرة. كان من الواضح ان بلير الذي وصف سابقاً بانه «رابح الاصوات» الاول في حزب العمال، بات مكمن الضعف في ترسانة الحزب الحاكم، الذي يحرمه من الاصوات بدل ان يأتيه بها بعد حرب العراق. غير انه واصل الدفاع عن نفسه بضراوة متعهداً بالبقاء بالسلطة. كما كف يد غوردون براون وزير الخزانة القوي ومنافسه العتيد على الزعامة، عن إدارة الحملة الانتخابية التي اشرف عليها في الدورتين الماضيتين. و«أقاله» من أرفع هيئة في الحزب الحاكم، في وقت امعن انصاره بتسريب معلومات عن تفكير رئيس الوزراء جدياً بعزل خصمه.

لكن ما ان بدأ العد التنازلي قبل حوالي اربعة اسابيع، حتى صار براون «ظله» الملازم. ولم يكد يظهر على منبر انتخابي او في شريط دعائي، ما لم يكن وزير الخزانة الى جانبه. كما لم ينفك عن التشديد على اهمية انجازات براون لجهة دفع عجلة الاقتصاد الى الامام. هكذا اقر بلير ضمنياً بانه فعلاً عاجز بمفرده عن كسب ود الناخبين. وكرس بسلوكه خلال الحملة وزير الخزانة في موقع لا يقل عن موقعه هو، وكأن براون صار شريكاً في إدارة البلاد. وهذا أعاد الى الذاكرة بقوة حكاية «الصفقة» التي ابرمها الاثنان لتقاسم السلطة عند وصول بلير الى زعامة الحزب في 1994، كما تردد بقوة منذ ذلك التاريخ. وبدأ البعض يتحدثون عن صفقة جديدة بينهما قد تنص على إخلاء بلير مكانه على رأس السلطة لصديقه «اللدود»، حين يكمل سنته العاشرة في رئاسة الوزراء بعد سنتين. بيد ان آخرين ردوا على هذه التوقعات بالتذكير بالماضي «الدامي» لعلاقة «العدوين»، لافتين الى ان سجلهما يغص بوعود أخل بها بلير. وتساءلوا: ما الذي يجبره على الوفاء بأي تعهد كان قد قطعه على نفسه، إذا حقق العمال بقيادته نصراً انتخابياً ثالثاً مثلما يرجح الجميع؟

لكن ثمة عوامل أخرى قد تلعب دوراً في فرض «الصفقة» المفترضة، لا علاقة لها بمدى استعداده لايصال «خصمه» الى الزعامة. وقد يجد نفسه مضطراً للتخلي عن منصبه لبراون، شاء أم أبى. فإذا خسر وزير الخارجية جاك سترو مقعده في بلاكبيرن ونجح جورج غالاواي في انتزاع مقعد بيثنال غرين من العمالية أونا كينغ، فهل سيقوى بلير على انكار تهديد العراق لحظوظ العمال الانتخابية في المستقبل، طالما بقي هو على رأسه؟ صحيح ان الحرب على العراق قد تجرد الحزب الحاكم من مقاعد اخرى غير هاتين. لكن لبلاكبيرن وبيثنال غرين أهمية كبيرة تنبع من قيمتيهما الدعائية والاهتمام الذي تستقطبه كل منهما بسبب شهرة المرشحين. وإذا حاول الزعيم التشبث بمنصبه على رغم خسارة «علنية» كهذه، من يضمن له ان القيادة العمالية المنقسمة سلفاً بين انصاره وانصار براون، لن ترتب انقلاباً داخلياً ابيض كالذي اطاح المحافظون عبره في 1990 برئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر؟

في نهاية المطاف، يبدو ان امل بلير الوحيد بالنجاة من هذه السيناريوهات كلها يتمثل في عدم هبوط الاغلبية العمالية (160 مقعداً) هبوطاً حاداً. فبقدر ما تنخفض هذه الاغلبية بقدر ما ترتفع اسهم براون، ويصبح التعجيل برحيل بلير في مؤتمر الحزب العام في سبتمبر (ايلول) القادم، اشد احتمالاً. أما هاوراد، فقد يعجز عن البقاء في الزعامة حتى لو نجح في الاحتفاظ بمقعده البرلماني المهدد. فهو من جهة، خاض حملة انتخابية اثارت جدلاً حتى في اوساط المحافظين، لانه تهجم خلاله على شخص رئيس الوزراء متهما اياه بـ«الكذب». كما كان موقفه من حرب العراق ومسائل الهجرة واللجوء، متناقضاً إن لم يكن ذا تأثير معاكس. وهو اطلق تصريحات مفادها انه لن يغفر لنفسه إذا مني حزبه بهزيمة كاسحة. أما بشأن مصير الوزراء الحاليين، فالتوقعات متناقضة، وإذ حقق العمال فوزهم الثالث كما هو متوقع، فبين المراقبين من يرجح ان حقيبة وزارية اخرى ستسند الى سترو بدلاً من الخارجية. لكن ذكرت تقارير اخيرة انه سيخرج من الحكومة، مشيرة الى ان جون ريد، الشيوعي السابق وزير الصحة الحالي، سيحل محله، مع انه لا يعتبر الاكثر دبلوماسية بين سياسي الصف الاول. وتردد ان جيف هون وزير الدفاع سيغادر الحكومة التي سيدخلها من جديد وزير الخارجية السابق روبن كوك الذي استقال احتجاجاً على حرب العراق، وديفيد بلانكيت الذي اضطر الى الاستقالة اواخر العام الماضي. وتفيد التقارير بان تشارلز كلارك باق في منصبه بوزارة الداخلية. ولم يستبعد آخرون انضمام مسلم الى الوزارة الجديدة، لا سيما ان بول بوتينغ، وهو اول عضو أسود في مجلس وزراء بريطاني، قرر التنحي عن منصبه. لكن من يدري، فقد تكون المفاجآت اكبر من ذلك.