الانتصار الثالث لبلير أدخله وحزبه التاريخ بأغلبية متناقصة.. وخصمه هاوارد يتنحى عن زعامة المحافظين

الحرب على العراق وقوانين مكافحة الإرهاب وأخطاء الحملة الانتخابية تفقد العمال 100 مقعد

TT

دخل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التاريخ من بابه العريض أمس بعد اعلان نتائج الانتخابات العامة. فهو اول زعيم عمالي قاد حزبه الى ثلاثة انتصارات متتالية. لكن كان لهذا الفوز غير المسبوق طعم المرارة. فالحزب خسر حوالي 100 مقعد في مجلس العموم، القيت مسؤولية ضياع نصفها على الاقل على «حرب بلير» في العراق وتراجع الثقة بالزعيم شخصياً. وإذا لم يتعجل الرحيل مخلياً مكانه لوزير الخزانة غوردون براون كما يشاع، فإنه سيكون رئيس وزراء ضعيفا خلال السنوات التي تبقت له على رأس السلطة. اما الزعيم المحافظ مايكل هاوارد الذي رفع اسهم حزبه في هذه الانتخابات، فقد اعلن هو الآخر عن قراره التنحي «عاجلاً وليس آجلاً». وكانت نتائج الانتخابات اسوأ مما كان متوقعاً بالنسبة الى العمال. فقد بلغت حصة الحزب الحاكم من المقاعد الـ 624 التي اعلنت نتائجها ظهر امس 353 مقعداً، فيما نال المحافظون197 والديموقراطيون الاحرار 62 مقعداً. ومن المتوقع ان ينتهي الامر بالحزب الحاكم بأغلبية تتراوح بين 60 و70 مقعداً بعدما كان لديه في الدورة الماضية اكثر من 160 مقعداً. ومع ان اياً من الحزبين الآخرين لم يحقق نتائج باهرة، فقد رفع المحافظون رصيدهم بحوالي 30 مقعداً فيما زاد الديموقراطيون الاحرار حصتهم بعشرة مقاعد. وإذ تردد ان «حرب بلير» ساهمت في تجريد العمال من 47 مقعداً لا يقتصر أعضاء معظمها على المسلمين، فإن رئيس الوزراء نفسه لم يسع الى انكار الاثر الذي خلفته الحرب على النتائج. وقد اتضح تأثيرها المباشر في اوساط الناخبين المسلمين من خلال انتخاب زعيم حزب «ريسبكت» جورج غالاواي في دائرة بيثنال غرين بدل العمالية أونا كينغ التي ايدت قرار بلير جر البلاد الى الحرب. كما كان لها اثر غير مباشر عزز الانطباع لدى البعض بأن بلير غير جدير بثقتهم بما يتعلق بالملفات المحلية وساهم في تنفير ناخبين انجليز في مدن مثل بريستول ولندن وبرمنغهام من مرشحي الحزب الحاكم.

واقر بلير في تصريحات عدة ادلى بها امس، ابرزها الكلمة التي القاها في اعقاب زيارة بروتوكولية للملكة برفقة عقيلته شيري، ان حرب العراق لعبت دوراً في هبوط اسهم حزب العمال الحاكم. وقال «ادرك ايضاً ان العراق كان قضية تسببت بانقسامات في البلاد، لكنني آمل ان يكون بوسعنا الآن ان نتحد ونتطلع للمستقبل». ولم يتردد كبار اعضاء الصف السياسي الاول في الحزب عن الاشارة الى الحرب كسبب رئيسي لـ«العقوبة» التي تعرضوا لها على يد الناخبين. ونُقل عن مصادر في الحزب الحاكم إعرابها عن الاستياء لوقوع اخطاء في الحملة الانتخابية العمالية ابرزها عدم تكريس وقت كاف لمهاجمة حزب الديمقراطيين الاحرار. ونجح هؤلاء بالحاق هزيمة بمرشحي الحزب الحاكم او اختطاف بعض مقاعده.

والى جانب هذا كله، وجهت اصابع الاتهام الى قوانين مكافحة الارهاب التي وضعتها حكومة بلير موضع التطبيق. فقد اشتكى المسلمون وغيرهم من صرامة هذه القوانين والتي يأخذون عليها انها تصادر حرياتهم المشروعة. ومع ان ثمة دلائل تشير الى ان الاقتصاد البريطاني بدأ تراجعه، فهو لا يزال من نقاط القوة بالنسبة الى حكومة بلير. وهذا ينطبق ايضاً على سجلها في مجال توفير فرص العمل. لكن مشكلة بلير تكمن في ان الفضل في النجاح الاقتصادي يعود الى منافسه الاقوى على المنصب الاول غوردون براون، مما دفعه الى الاعتماد عليه بصورة غير مسبوقة اثناء الحملة. ويعتقد ان الاخير سيشاركه إدارة البلاد والحزب، قبل ان يحل محله خلال العام المقبل على ابعد تقدير. ويرى مراقبون ان بلير لن يستطيع مقاومة منافسه، لان الانتخابات قد اضعفته سلفاً. فالزعيم الذي اعتاد في الدورتين الماضيتين ان يمرر المشاريع التي يريد بفضل اغلبيته الساحقة، بات مهدداً بالهزيمة على منبر البرلمان إذا لم يأخذ في الاعتبار رغبات «الزمرة المشاغبة» بين نواب حزبه.

وإذ بدأ الزعيم العمالي استشاراته لتشكيل الحكومة الجديدة، فالمرجح انها ستضم وجوهاً قديمة لعل وزير الخارجية السابق روبن كوك سيكون في مقدمها. فالاخير قد اصلح خلافاته مع براون من ناحية، وبات يمثل ضمير العماليين المعارضين لحرب العراق. وإذا اراد بلير ان يثبت لحزبه حرصه على وحدة الصف والتعاون مع من يخالفونه الرأي، فلن يجد افضل من توزير كوك مجدداً كمثال على صدق نياته. واللافت ان براون شدد على تعهده بـ«الاصغاء» للآخرين في الحزب والبلاد في هذه الولاية. وجاء ذلك في وقت دعا كوك نفسه رئيس الوزراء الى «توجيه رسالة رمزية» لاعضاء الحزب وابناء البلاد تؤكد لهم حرصه على اتباع اسلوب جديد في الزعامة. وإذا عاد الى الحكومة فلن يفاجئ ذلك الكثيرين لانه القى بثقله في الحملة الانتخابية لمساعدة المرشحين العماليين من مؤيدي الحرب أو مهندسيها كجاك سترو وزير الخارجية. فهل يتلقى مكافأة على هذا الدور؟