«الاتحاد الاشتراكي» المغربي يدعو إلى إجراء تعديل دستوري وسياسي وتنظيمي واقتصادي بتوافق مع المؤسسة الملكية

ربط بين الرفع من وتيرة العمل الحكومي وتعزيز مؤسسة رئيس الوزراء

TT

صادقت اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي (أعلى هيئة في الحزب)، مساء أول من أمس بالرباط، على مشروع التقرير المذهبي الجديد، الذي عرضته قيادة الحزب على الأعضاء، كما صادقت على الأرضية السياسية والاقتصادية والثقافية في أفق انعقاد المؤتمر السابع للحزب الذي سيلتئم في 10 يونيو (حزيران) المقبل.

ودعا الاتحاد الاشتراكي الى اجراء تعديل دستوري وسياسي وتنظيمي واقتصادي يتم بتوافق مع المؤسسة الملكية، ويتعلق أساسا بمؤسسة رئيس الوزارء، وطريقة تشكيل الحكومة، والتعيينات في المناصب المدنية العليا، واختصاصات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي). وربط الحزب بين الرفع من وتيرة العمل الحكومي وتعزيز مؤسسة رئيس الوزارء بما يمكنها من توجيه وتنسيق العمل الحكومي وتأمين تنفيذ القوانين، وممارسة السلطة التنظيمية، وحق التعيين في الوظائف والمناصب المدنية العليا، بما يحقق التوازن في اختصاصات السلطة التنفيذية. واعتبر الحزب أن مؤسسة رئيس الوزراء سياسية وليست تقنية، ومن ثم فهي تنبثق من غالبية برلمانية تفوز في الانتخابات، وتطبق برنامجها العام لتكون محاسبة أمام الملك والشعب خاصة في الانتخابات الموالية، مشيرا الى أن ذلك يدخل في صلب ما يسميه «المنهجية الديمقراطية».

وأكد الحزب أهمية مراجعة اختصاصات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان لمغربي) لترشيد الحكامة السياسية، كي تلعب السلطة التشريعية دورها الكامل، واعادة النظر في دور الجهة (المنطقة) في التنظيم الترابي للمغرب، وتفعيل دور المجلس الاجتماعي والاقتصادي كمؤسسة للحوار الاجتماعي والاقتصادي، ومراجعة علمية دقيقة لشكل نمط الاقتراع الذي سيعتمد في الانتخابات المقبلة، سواء تعلق الأمر بالاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة أو دورتين، أو الاقتراع باللائحة بالتمثيل النسبي، وذلك لتجاوز تشرذم الخريطة السياسية التي تعيق الى حد ما تشكيل الحكومة، كما طالب الحزب بإجراء اصلاحات اقتصادية تهم وضع أسس تطور المقاولة المواطنة ذات العمق الاجتماعي، وتحسين تدبير المالية العمومية ونمط تحضير الموازنة العامة وغيرها من الاصلاحات ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية. وفي ذات السياق، اعتبر الاتحاد الاشتراكي قبوله الانتقال من صف المعارضة التي مارسها لعقود والمشاركة في حكومة التناوب التوافقي عام 1998 برئاسة عبد الرحمن اليوسفي، جزءا من استراتيجية الاختيار الديمقراطي من أجل المساهمة في إنقاذ البلاد من مزالق التردي الاقتصادي والاجتماعي والتصدع السياسي، وقال في ارضيته السياسية والاقتصادية والثقافية «إن المشاركة تعبر عن صدقية المشروع المجتمعي، الذي ناضلت من أجله المعارضة الاتحادية لعقود، هذا الاعتراف الذي ترجم فيما بعد في شعار المفهوم الجديد للسلطة، والذي لم يكن شيئا آخر سوى نقد المفهوم العتيق والمتجاوز للحكم، وإعلان تدشين عهد السلطة الخدومة التي تسعى لاعتماد مشروعية متجددة لتدبير الشأن العام».

وأقر الحزب أن قرار مشاركته في الحكومة لم يكن بالأمر الهين، لكونه لم يتم في ظل شروط ناضجة تمكن من تحقيق التناوب الحكومي، لذلك يصف الحزب قرار المشاركة بـ «التاريخي الجريء» لإخراج البلاد مما أسماه «أوجه الاختناق» الذي عانته تجربة الانتقال الديمقراطي، مشيرا الى أن فشل المفاوضات التي كادت أن تقود الى تحقيق التناوب عام 1993 جاء نتيجة غياب الاتفاق حول أسس المشاركة الحكومية في ظل خريطة انتخابية مزورة، في اشارة الى رفض الحزب وحلفائه المشاركة في حكومة يوجد ضمنها إدريس البصري، وزير الداخلية انذاك، وخليط من الأحزاب ذات تلاوين سياسية.

لكن مع ذلك، يبرر الحزب مشاركته في الحكومة بذات الشروط التي رفضها في السابق، استنادا إلى مبررات يعتبرها ذات أهمية على مستوى التدبير السياسي لمغرب القرن الواحد والعشرين، ولخصها في خيارين: الأول يهم الاستمرار في المعارضة، ويعني ترك المجال السياسي عرضة للتزييف الانتخابي، وما يحمله من ظاهرة العزوف والتشكيك في فعالية وجدوى العمل الديمقراطي برمته، كما سيفسح المجال لتنامي العدمية والتطرف الديني. والخيار الثاني يعني المساهمة في البناء الرصين للانتقال الديمقراطي، وايجاد مخارج من الاختناقات التي تهدد المغرب، لفرض احترام الحريات والتضييق على بؤر الفساد والشروع في انجاز الاصلاحات العميقة في جميع الميادين. ويضيف الحزب في ارضيته: «كان بالامكان أن يختار الاتحاد الاشتراكي الاستمرار في المعارضة، بإعلان فشل مشروع التناوب، وتحميل مسؤولية الفشل للحكم، لكنه اختار الطريق الصعب، لانه كان يقدر أن الظرف السياسي في ظل العولمة الجارفة، والأزمة الاجتماعية الخانقة التي تؤدي الطبقات الشعبية ثمنها غاليا، فرض ركوب رهان المشاركة في تدبير الشأن العام».

ومن خلال تقريره المذهبي، يعتبر الاتحاد الاشتراكي نفسه «حزبا استثنائيا بالمغرب» لكونه تبنى منهجا تحليليا بعيدا عن الدوغمائية، وقريبا مما أسماه «الجدلية الاجتماعية المرتبطة بمطامح الشعب».

وانتقد الحزب بشدة التوجه الليبرالي الذي ركز في دعايته الآيديولوجية على انهيار المنظومة السياسية للاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين بربطها «بطريقة ماكرة» بالاعلان عن نهاية الفكر الاشتراكي والتاريخ، مشيرا الى أن دعاة الليبرالية استعانوا كذلك بالآيديولوجية، لتبرير موقفهم بدعوى أنهم يقزمون الفعل السياسي، للقيام بتدبير الهم اليومي للمواطنين عبر منطق السوق، وهو منطق تتحكم فيه قوى الضغط المصلحية التي تزداد ثراء على حساب الشعوب الضعيفة، وهذه القوى تعتمد كذلك على الفكر التنظيري المؤدلج وليس على الفكر البرغماتي، كما تدعي.

وربط التقرير المذهبي الحزبي بين الليبرالية المتوحشة والمد الأوصولي المتطرف، لتكامل أدوارهما في تأييد الاستغلال والتخلف، مستندا إلى الدعم الأميركي للأصولية الاسلاموية المتطرفة «فهما وجهان لعملة واحدة» يهدفان الى محاربة الفكر التنويري للاشتراكيين الديمقراطيين، الذين يربطون خلق الثروات بالتوزيع العادل لها في إطار تنمية مستدامة، وليس باستغلال بشع ومتوحش لقدرات وطاقات الشعوب.