الأمير تركي الفيصل: التعذيب محرم شرعا وتطبيقا في السعودية

نقل عن الصحافي ضحية الاعتداء الإرهابي امتنانه للرعاية الطبية بعد إصابته

TT

نفى الأمير تركي الفيصل، سفير السعودية في لندن، صحة المعلومات التي أوردتها صحيفة «الغارديان» البريطانية اول من امس حول السجناء البريطانيين الثلاثة السابقين بالسعودية، موضحا انها «منذ سنوات تستهدف المملكة وفي غالب الامور بغير حق وباختلاقات وابتكارات اخبارية مشهودة». واذ أكد عزمه على رفع شكوى ضد الصحيفة لهيئة محلية مخولة محاسبة وسائل الاعلام، محاسبة معنوية، عن اخطائها، فهو لم يستبعد مقاضاة «الغارديان». وكشف الامير تركي لـ«الشرق الأوسط» عن ان فريقا من المحققين السعوديين سيتوجهون الى لندن لأخذ افادة الصحافي فرانك غاردنر، مراسل هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) لشؤون الامن الذي تعرض العام الماضي لاعتداء ارهابي في الرياض. ونقل الامير تركي عن غاردنر تعبيره في لقاء له معه قبل ايام عن امتنانه الكبير لاهتمام الامير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض به شخصيا، وللعناية الطبية التي تلقاها في مستشفى الملك فيصل التخصصي، لا سيما انها «باذن الله قد أنقذت حياته».

وكان الامير تركي يتحدث في مقابلة خص بها «الشرق الأوسط» خلال زيارته الى ويلز، التي يختتمها اليوم باجتماع مع الوزير الاول للاقليم رودري مورغان تعقبه مأدبة غداء ينضم اليها فيها حشد من الشخصيات والمسؤولين ورجال الاعمال.

جدير بالذكر ان الزيارة بدأت الاثنين، واقتفى الامير تركي في بعض محطاتها خطى والده المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز الذي قام بجولة في ابرز المعالم التاريخية والسياحية في ويلز عام 1919. كما حرص الامير على إفراد جانب من برنامجه المزدحم في الايام الاربعة الماضية للاطمئنان على احوال المسلمين في كارديف (الاربعاء) والطلاب السعوديين في جامعات ويلز (الخميس)، فضلا عن لقاءات مع رجال الاعمال الويلزيين الراغبين في تعميق تعاونهم مع المملكة (الثلاثاء والاربعاء). وأقام مساء امس حفلة عشاء في فندق سانت ديفيدز بكارديف حضرها عشرات الشخصيات من وزراء ويلزيين واعضاء في البرلمان المحلي علاوة على اعضاء في مجلس العموم بلندن وممثلين عن المجموعات الدينية في الاقليم.

واستهل الامير تركي حديثه بتسليط الضوء على الحقائق التي اغفلتها «الغارديان» في تقريرها اول من امس عن قضية السجناء البريطانيين السابقين في المملكة. وقال «لقد سعينا طوال طرح هذه القضية ان نسترشد بما يقترحه علينا المحامون الذين كلفتهم السفارة بالحفاظ على حقوق المملكة في هذه القضية. وكما تعرف، فان الادعاءات بالمطالبة بالتعويضات هي نتيجة لما ادعاه هؤلاء السجناء ـ الذين عفا عنهم خادم الحرمين الشريفين من الاحكام التي صدرت بحقهم في المملكة ـ بأنهم عذبوا واستخدمت معهم اساليب غير انسانية في سجون المملكة». واضاف ان «مواقف الحكومة السعودية والسفارة بوصفها ممثلة للمملكة، هي اولا ان التعذيب محرم في المملكة العربية السعودية شرعا وتطبيقا». وزاد «لا يجوز لأي مسؤول أمني أو غير أمني ان يستعمل ادوات ووسائل للتعذيب في اي اجراء يتخذه مع اي شخص أكان مواطنا أو غير مواطن». وتابع «وذكرنا في تصريحات السفارة السابقة انه لو كانت قد قدمت شكوى بذلك في حينه لكانت الحكومة قد بحثت في هذا الادعاء واتخذت الاجراءات».

واذ لفت الامير تركي الفيصل الى ان تقرير «الغارديان» جاء مجافيا للحقيقة، فهو اتهم الصحيفة بقلب الامر رأسا على عقب حين زعمت ان المحكمة حكمت ضد المملكة. وقال «ما صدر في جريدة الغارديان شيء غريب لا يستند الى اي حقيقة». واضاف «الحكم الذي صدر قبل يومين (الاثنين) في المحكمة في لندن يتعلق بقضية هل ستدفع المملكة تكاليف المحاكمة ام لا». وأردف «الحكم الذي صدر رفض طلب المدعين بأن المملكة هي التي تدفع تكاليف المحاكمة، وبالتالي كان الحكم في صالح المملكة». وتابع «لكن الطريقة التي استخدمتها صحيفة «الغارديان» في التطرق لهذا الحكم فيها الكثير من براعة الاختراع والتأويل، وقد أتوا بكلمات وتصريحات عن مسؤولين سعوديين وغير سعوديين لم تحدث مطلقا».

ولدى سؤاله عن الاسلوب الذي ستسعى من خلاله السفارة الى معالجة الامر، لأن من غير الممكن السكوت عن هذا كله، اوضح الامير تركي انه سيسعى الى محاسبة «الغارديان». وقال «السفارة سوف تتابع هذا الموضوع مع الجهات المسؤولة ومنها مجلس الشكاوى الصحافية، وهي هيئة بريطانية تعنى بدراسة الشكاوى التي توجه الى الصحافة بصفة عامة. وسنتابع الموضوع من هذا المنطلق». بيد انه سارع الى التذكير بأن «الغارديان» دأبت على التحامل على السعودية منذ سنوات عدة. واوضح ان «جريدة الغارديان منذ سنوات تستهدف المملكة، وفي غالب الامور بغير حق وباختلاقات وابتكارات اخبارية مشهودة في السابق». وساق على تحامل «الغارديان» مثالا مهما، حين لفت الى انه «كان لها قضية مع احد المسؤولين السعوديين في اواخر الثمانينات او بداية التسعينات كما أظن».

واضاف «لقد اطلقت ادعاءات ضده فأقام دعوى عليها واضطرت الى الاعتذار عما ادعته». وتابع «فهي صحيفة، كما ذكرت، قد استهدفت المملكة لسنين طويلة، وليس بمستغرب عليها ان تستمر في ابتداع وابتكار هذه الاخبار».

ولدى سؤاله عما اذا كان من الممكن اللجوء الى المحكمة، لأن الهيئة البريطانية المعنية بمتابعة الشكاوى ضد وسائل الاعلام لا تستطيع فرض عقوبات حقيقية ضد «الغارديان»، قال الامير تركي الفيصل انه لا يستبعد مقاضاة الصحيفة «حسب النصح الذي نتلقاه من المستشارين القانونيين».

واضاف «المجلس الذي تفضلت بالقول انه بلا انياب، له صوت واضح، وحينما يصدر قرارا ورأيا في قضية معينة يكون لذلك صدى». وتابع «والسفارة لجأت قبل ذلك الى هذا المجلس في قضية ضد الـ«بي. بي. سي» عندما تحدثت عن خبر معين كان مبتدعا ولم تأخذ رأي السفارة فيه، فاحتجت السفارة لدى المجلس وصدر منه قرار بادانة المذيعة التي اذاعت الخبر، ونشر نبأ القرار في الجرائد وأتانا اعتذار من الـ«بي. بي. سي»، وزاد ان الـ«بي. بي. سي» تعهدت في اعتذارها الرسمي بعدم اذاعة «شيء في المستقبل الا بعد استشارة السفارة». وخلص الى ان «هناك صدى كبيرا لقرارات المجلس وممكن ان يفيد السفارة في قضاياها».

واستوضحته «الشرق الأوسط»، عما اذا كانت «الغارديان» قد كررت خطأ الـ«بي. بي. سي» حين اغفلت رأي السعودية في تقريرها، ام انها فعلا لم تستطع الاتصال بأحد الناطقين باسم السفارة، فأجاب بأن الصحيفة ارتكبت في الحقيقة غلطة الـ«بي. بي. سي» ذاتها. وقال «مع انهم ذكروا في مقالهم انهم اتصلوا بالسفارة، فهم (في الحقيقة) لم يتصلوا بنا». واردف «وهذا عذر أقبح من فعل لأن الخبر من الاساس مختلق ومبتدع».

وهل التقى الصحافي البريطاني فرانك غاردنر اثر وصوله الى لندن في اعقاب الاعتداء الارهابي، لا سيما انه عرفه عن كثب وظهر الى جانبه على منبر واحد من قبل، قال الامير تركي الفيصل «زرته العام الماضي حين عودته لبريطانيا ووجدت عنده شعورا بالامتنان لما لقيه من معاملة خاصة في علاجه بالمستشفى، ولأن العلاج الذي تلقاه لم يكن من الممكن له ان يناله في اي مكان آخر من ناحية الادوات ومن ناحية الرعاية». واشار الى ان الصحافي «كان ممتنا كثيرا وخاصة للامير سلمان بن عبد العزيز الذي اولاه اهتمامه الخاص وزاره في المستشفى وسهل اجراءات معالجته ثم بعد ذلك سفره من المملكة».

وسألته «الشرق الأوسط» عما اذا سنحت له الفرصة لمناقشة غاردنر حول تصريحات اخيرة ادلى بها بعد عودته اخيرا الى مزاولة عمله، فأجاب الامير قائلا «التقيت به مؤخرا قبل حوالي اسبوع في لندن وراجعت معه ما ورد على لسانه في مقابلة تلفزيونية بخصوص لومه للسلطات السعودية على ما تعرض له في مدينة الرياض، فأكد لي انه يكن كل تقدير للمملكة العربية السعودية بالذات، وبالاخص من ذلك الشعب السعودي الذي اتصل بعض افراده به بعد الحادث للاطمئنان عليه والتعبير عن دعمهم له... الخ».

وأردف الامير تركي الفيصل «كان له ملاحظات على طريقة التعامل مع المرافقين الذين كانوا معه في الحادث، واتفقنا انا وهو على متابعة الامور معا». واضاف «وستحضر مجموعة من المحققين السعوديين للاجتماع به في بريطانيا وأخذ ما لديه من معلومات عن الحادث، لانه عندما كان في الرياض لم يكن بحالة تسمح له بالخضوع الى الاستجواب».

وزاد «لقد استعمل كلمات كبيرة جدا في مدحه للرعاية الطبية التي لقيها في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، ومما ذكره انه عندما وصل الى المستشفى بلغت حالته من السوء انه بدأ الدم في جسمه بالتجلط واستخدمت معه وسائل وأدوية في مستشفى الملك فيصل غير معروفة حتى في بريطانيا، وهي باذن الله انقذت حياته».

وكانت محامية البريطانيين الثلاثة الذين افرج عنهم من سجون في السعودية قد قالت أمس انها تعتزم بدء دعوى لمصادرة ممتلكات سعودية في بريطانيا لمصلحة موكليها.

وقالت تامسين الن ان هذا الاجراء الذي قد يشمل شركة الطيران السعودية سيبدأ خلال الاسبوع الجاري.

وهو يأتي بعد قرار لمحكمة استئناف بريطانية صدر في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي لمصلحة موكليها ساندي ميتشل ولي ووكر ووليام سامبسون الذي يحمل ايضا الجنسية الكندية، بالسماح لهم بملاحقة سلطات السجون السعودية.

وأمرت المحكمة ايضا السلطات السعودية بدفع رسوم اجراءات الاستئناف التي تقدر بأكثر من مائة ألف جنيه استرليني (150 ألف يورو).

وكان البريطانيون الثلاثة متهمين بالتورط في اعتداءات بالمتفجرات استهدفت غربيين بين نوفمبر (تشرين الثاني) ومارس (آذار) 2001 في السعودية.