مسؤولون ودبلوماسيون: مؤتمر البعث في سورية سيفتح الباب لإنشاء أحزاب وانتخابات محلية حرة ويعلن تبني اقتصاد السوق رسميا

الأسد سيخفض قيادة البعث إلى 15 عضوا ويغير وجوه الحرس القديم

TT

قال مسؤولون ودبلوماسيون في دمشق، ان الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يواجه محاولات أميركية لعزل بلاده وتوقعات شعبية في الداخل، سيتخذ خطوات لتشريع تشكيل الأحزاب السياسية وتطهير حزب البعث الحاكم، والدعوة لانتخابات محلية حرة في عام 2007، واعتماد مبدأ اقتصاد السوق رسميا.

وتعتبر حكومة الرئيس بشار الأسد التي وصلت للسلطة قبل 5 سنوات، الإصلاحات كنقطة تحول في حملة متوقعة منذ أمد طويل لجعل الدولة أكثر ليبرالية. ويرى المسؤولون السوريون أن هذه الخطوات مبدئية وكبداية لمرحلة انتقالية تؤدي إلى مزيد من الليبرالية والديمقراطية في سورية. وتقول قيادات المعارضة، التي يؤيد العديد منها علنا الضغوط الاميركية، وإن كانوا لا يثقون في نواياها، ان الاجراءات هي آخر ورقة في يد حكومة تعاني بعد انسحاب قواتها السريع والمحرج من لبنان الشهر الماضي. ويأتي النقاش حول التغييرات خلال فترة شهدت دفعة قوية ممن يعتبرون جماعات المنشقين في هذا البلد الذي يضم 18 مليون نسمة. فلأول مرة منذ سنوات، تتكهن شخصيات المعارضة، بل وحلفاء الحكومة حول مصير حزب حكم سورية بطريقة ما منذ عام 1963 باسم القومية العربية، ويواجه اليوم أكبر أزماته. ويشير النقاش الى أهم الأسئلة المطروحة اليوم: هل يمكن لسورية أن تصلح نفسها بصدق، وما الذي يمكن ان يتبع ذلك؟. ويوضح عماد شعيبي الذي يدير مركز الدراسات والمعلومات الاستراتيجية في دمشق، انه يتخذ صف الاصلاحيين داخل حكومة الأسد، وأضاف: «هذه هي الخطوة الأولى». ويشكك معارضون في قدرة الحكومة على الاصلاح، فهم يرون تشابها بين تحركات الحكومة هنا وفي مصر، حيث يسعى الرئيس حسني مبارك إلى تقديم تغييرات محسوبة ومتحكم بها.

وقال ياسين حاج صلاح، وهو منشق يساري سجن لمدة 16 سنة، تم الافراج عنه في عام 1996: «يوجد لدينا نظام شمولي مفكك، يعتبر الآن عبئا على نفسه. ويريدون تطويره وجعله أكثر جاذبية». ووصف التحركات بأنها «تحديث نظام شمولي». وأضاف: «ان النموذج القديم قد انتهى وأصبح قديما وولى عصره، ويريدون تجديده».

وكان الأسد، الذي يبدو انه يتمتع بشعبية في سورية، قد أشار الى أن هدف مؤتمر حزب البعث الذي سيعقد في الشهر المقبل هو الإصلاح.

وتجدر الاشارة الى أن المؤتمر، الذي أصبح حديث العاصمة دمشق، قد عقد في المرة الاخيرة في عام 2000 بعدما ورث الرئيس بشار الاسد الحكم عن والده، حافظ الاسد. وفي أعقاب الانسحاب من لبنان، زادت التوقعات بأن المؤتمر سيعتبر نقطة انطلاق لغلاسنوست سوري على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي. وفي الاسابيع الماضية، وعبر وسائل الاعلام الرسمية، انكمشت هذه التوقعات. ومن بين أكثر الاصلاحات انتشارا، هي التوصية بإصدار قانون أحزاب جديد، طبقا لما ذكره المسؤولون والمحللون والدبلوماسيون. وسيدعو الى تشكيل أحزاب جديدة شريطة عدم تأسيسها على أساس عرقي او ديني او اقليمي. وبالرغم من ان مثل هذه الخطوة خطوة درامية، فإن المحللين يحذرون من انه حتى اذا ما أوصى حزب البعث بهذه التغييرات، فإن تطبيق القانون سيحتاج الى عام أو أكثر. وان كان ليس من المتوقع تنازل الحزب عن موقعه الذي يكفله له الدستور باعتباره «الحزب القائد في المجتمع والدولة». ومن المتوقع أيضا إلغاء قوانين الطوارئ التي تسمح بالاعتقال بدون فترة محددة، كما من المرجح أن تخفف الحكومة الاجراءات التي تتطلب موافقة اجهزة الأمن على عدد من النشاطات، ومن بينها افتتاح صالون حلاقة. وكجزء من الإصلاحات، يتوقَّع أن تصدر الحكومة قانونا يسمح بإجراء انتخابات حرة لاختيار 15 ألف عضو في المجالس البلدية في عام 2007. ومن المتوقع أن يساند المؤتمر اقتصاد السوق الحرة باعتباره توجه البلد الاقتصادي، وهذا تراجع عن شعار الحزب السابق: وحدة حرية اشتراكية. وهذه المبادرة ستمنح التغييرات الاقتصادية الجارية منذ أكثر من عقد صياغة رسمية.

وما زالت قيادة حزب البعث المتكونة من 21 عضوا تحتوي على الحرس القديم الذين كانوا زملاء الأسد الأب. وعلى الأكثر سيتم التخلص منهم، حسبما قال محللون ومسؤولون سوريون. وقد يتم تخفيض العدد إلى 15 عضوا ولن يتم إبقاء أكثر من 3 إلى 4 أعضاء من القيادة القديمة ضمن القيادة الجديدة. وهذه ستكون خطوة أخرى يقوم بها الرئيس الأسد في تعزيز سلطته ومن الممكن أن يفتح الطريق لإدخال أقارب ذوي مواقع قوية مثل أخيه الذي يرأس الحرس الجمهوري، وصهره الذي يرأس جهاز المخابرات العسكرية.

وقال المحللون إن النقاش حول خطوات أخرى ما زال مستمرا، مثل العفو عن الجرائم السياسية، ومنح الجنسية لمن لا يقلون عن 100 ألف شخص من الأقلية الكردية، وإيقاف العمل بقانون 49 الذي مضى عليه 25 عاما والذي ينص على عقوبة الإعدام ضد من ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين الذي شكّل خلال فترة قصيرة تهديدا قويا لحكم حزب البعث.

من جانب آخر، سمحت الحكومة السورية بشكل أقل علانية بعودة السياسيين المعارضين من المنفى، من ضمنهم أمين الحافظ أحد رؤساء الجمهورية السابقين، والضابط السابق جاسم علوان الذي قاد محاولة انقلابية ضد حزب البعث في سنة 1963 . وقال سامي مبيِّض، المحلل والكاتب السوري «إنها خطوة إلى الأمام. إنه أقل تغيير ممكن. كان يجب أن تكون الخطوات أكثر جرأة».

لكن هذه التغييرات لن تنجح في كسب ود الولايات المتحدة التي أوقفت تعاملها مع دمشق حول ما يقول عنه المسؤولون الأميركيون بغياب الحزم السوري تجاه غلق الحدود مع العراق لمنع تسرب المتمردين. كذلك سيشعر الكثير من منتقدي الحكومة بالخيبة، معتبرين أن الخطوات التي سيتخذها المؤتمر لا تزيد عن أن تكون محاولة لضمان نجاة السلطة أكثر من أن تكون تغييرا حقيقيا.

وقال نبيل سكّر، رجل الأعمال ذو النفوذ القوي والاقتصادي السابق في البنك الدولي «إذا لم يتوصل الحزب إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة، فإن ذلك سيترك الكثير من مشاعر الخيبة والإحباط».

ودمشق اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل 10 أعوام، حينما كان المناخ الستاليني الذي يفرض الخوف في نفوس الناس هو السائد من خلال العدد الهائل لصور الأب الأسد المنتشرة في كل مكان. لكنها الآن ذهبت كلها فاتحة الطريق أمام إعلانات عطر «شانيل» وسيارات «بي ام دبليو» وشبكات الهواتف الجوالة. وتمكن مشاهدة الكثير من المطاعم والحانات التي تتنافس فيما بينها لكسب الزبائن داخل دمشق القديمة.

وإذا كان الإعلام الواقع تحت هيمنة الدولة ما زال قائما، فإن الفضائيات العربية تدخل بدون قيود إلى سورية. وبالنسبة لأولئك الذين يمتلكون مهارات في اللغة الإنجليزية ومبالغ كافية من المال تمكنهم من الاشتراك، فإن الإنترنت يقدم أحيانا نافذة مثيرة للدهشة عن السياسية السورية المكتوبة داخل البلد. ويمكن الوصول تقريبا إلى كل المواقع الإنترنتية عدا تلك التي تأتي من إسرائيل. وقال سكّر «ليس هناك أي خوف الآن، فالناس غير خائفين من التحدث. وهذا تقدم كبير». ويتبع الرئيس الأسد نمطا مختلفا في الحكم عما كان يسير أبوه عليه، فقد قام بعض السوريين هذه السنة بتوزيع كليب فيديو عبر الهواتف الجوالة للأسد مبتسما ويسوق سيارة ألعاب مع ابنه الأكبر في حديقة عامة. كم سيؤثر هذا الأسلوب على إضعاف قبضة الحكومة؟ هذا سيكون موضوعا لنقاش حاد خلال المؤتمر الذي سيجري ما بين 6 و9 يونيو (حزيران)، والذي يعتبر أكبر مؤشر على رؤية الحكومة الجديدة.

وقال الدبلوماسيون والمحللون، إن الحكومة السورية منقسمة حول كيفية التعامل مع التهديد الأميركي، وهل سيعطي سورية بكونها أحد اللاعبين الأساسيين في سياسات المنطقة، أهمية ضمن المخطط السياسي الأميركي، أم أن نجاة الحكومة تظل محفوفة بالمخاطر بغض النظر عن تبني هذه السياسات أو تلك؟ وتحت أي سيناريو فإن بعض المحللين يقولون إن الإصلاحات السياسية التي سيتم الكشف عنها في المؤتمر أصبحت أقل أهمية من مسعى الحزب للإبقاء على قبضة الحكم بيده ومسعى الرئيس على إبقاء اعتماده على حزب البعث من حيث شرعية سلطته وقوته.

وقال عمار عبد الحميد الذي يمتلك دار نشر ويدير منظمة تسعى إلى بث الوعي المدني: «أنا مقتنع تماما بأننا ننظر إلى مستقبل بائس جدا لهذا البلد. النظام السوري يخسر حاليا في طريقة لعب أوراقه». وقال إن الحكومة ما زالت تحاول سحب «أرنب ما من قبعة الساحر.. لكن القبعة بلا قاع والأرنب ميت منذ فترة طويلة والرئيس ليس ساحرا».

* أسماء أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث في سورية

* ـ بشار الأسد ـ عبد الحليم خدام ـ سليمان قداح ـ فاروق الشرع ـ سلام الياسين ـ مصطفى طلاس ـ ابراهيم هنيدي ـ أحمد درغام ـ محمد الحسين ـ عبد القادر قدورة ـ عبد الله الأحمر ـ محمد زهير مشارقة ـ محمد ناجي العطري ـ وليد البوز ـ غياث بركات ـ مصطفى ميرو ـ محمد سعيد بخيتان ـ وليد حمدون ـ ماجد شدود ـ فاروق أبو الشامات

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»