أميركا تعيد النظر في استراتيجيتها في العراق وتقرر التدخل بشكل أكبر في عملية إدارة البلاد

أمام ضعف الحكومة المنتخبة والتصعيد في أعمال العنف

TT

في اطار مواجهة تمرد متزايد وحكومة ضعيفة في العراق، غيرت الحكومة الاميركية مسارها في العراق باتجاه تعميق مشاركتها في عملية ادارة البلاد. ويتخذ المسؤولون الاميركيون دورا اكثر مركزية ووضوحا في التوسط بين الاحزاب السياسية، ويعملون على تشكيل حكومة جديدة ومساعدة احياء الخدمات العامة. وفي الوقت نفسه، لا تزال ادارة الرئيس جورج بوش مستمرة في ضغوطها على المسؤولين العراقيين لتجديد قوات الامن الناشئة.

ويأتي هذا التغيير في وقت تتلاشى فيه الثقة في الحكومة المنتخبة وتزايد تشاؤم المسؤولين الاميركيين بخصوص مدى سرعة تمكن اجهزة الامن العراقية من تحمل مسؤولية جهود مكافحة التمرد. وكانت ادارة بوش قد حاولت، قبل وبعد الانتخابات، التقليل من دورها ونقل القرارات لقيادة الحكومات المؤقتة لكي تبدأ عملية فك الارتباط. ومع تباطؤ تشكيل الحكومة العراقية وتصاعد التمرد في الاسابيع الاخيرة، بدأ عدد من المسؤولين العراقيين في القول للاميركيين انهم في حاجة الى مزيد من الدعم الاميركي والتوسط للتغلب على الخلافات بين الاجنحة المختلفة، طبقا لما ذكره مسؤولون اميركيون وعراقيون. وقال كريم خطار من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق «هذه قضايا عراقية. الا ان ذلك لا يعني انه لا يمكننا الاستفادة من الخبرة الاميركية والنصيحة الودية».

وقد تبلور المنطلق الاميركي الجديد الاسبوع الماضي. فقد طالب نائب وزير الخارجية الاميركي روبرت زوليك، خلال زيارته للعراق، بـ «عملية شاملة» في حكم البلاد، وحث على اتخاذ خطوات في سبيل الدستور الجديد. وجاءت رحلته بعد ايام من زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس للعراق. وأوضح خطار ان زيارة رايس، التي اعتبرت تلميحا للدعم الاميركي، «جرى الترحيب بها».

واعترف مسؤولون اميركيون انهم يمارسون ضغوطا شديدة من اجل تحرك العراق للامام. وفي الوقت الذي يتخذ فيه العراقيون القرارات فهناك، على حسب قول مسؤولين اميركيون، خطوط حمراء لا يمكن عبورها. فعلى سبيل المثال، ستصر الحكومة الاميركية علي ان تكون الحكومة الجديدة ديمقراطية وتعددية، ولكن متحدة.

ويلاحظ ان المسؤولين تحدثوا شريطة عدم الاشارة الى هويتهم لان اجراءات العمل تمنع العديد من المسؤولين الا اذا تقيدوا بالخط العلني للسياسة. وأوضح مسؤول انه في الوقت «الذي يقرر فيه العراقيون مصيرهم، فلدينا 140 الف جندي هنا، يتعرضون لإطلاق النار عليهم. كما اننا ننفق الكثير من الاموال». وذكر مسؤول اخر ان الادارة تضغط على الحكومة العراقية الجديدة للتحرك بسرعة لتنظيم الحكومة لان الاميركيين يشعرون بقلق من ان البداية المتعثرة وطبيعتها المتباينة منذ انتخابات شهر يناير (كانون الثاني) الماضي أدت الى زيادة العنف. وأصر على انه في الوقت الذي سيضغط فيه المسؤولون الأميركيون على العراقيين فإنهم لا يريدون اتخاذ القرارات بأنفسهم، لان ذلك سيضعف شرعية الحكومة العراقية.

وقد اوضح كل من زوليك ورايس ان الاولوية بالنسبة للولايات المتحدة هي ضم المزيد من المسلمين السنة الى الحكومة العراقية. كما حثا القيادات الشيعية والكردية على ضم السنة للحكومة ومنحهم دورا اكبر في لجنة صياغة الدستور وإعداده، بحيث يشعر السنة بوجود مكان لهم في العراق الجديد. وتجدر الاشارة الى ان اللجنة التي تشكلت في الاسبوع الماضي لصياغة الدستور تضم سنيين فقط بين اعضائها البالغ عددهم 55 شخصا.

وسعت رايس خلال زيارتها على التوسط في مشكلة بين الاكراد العراقيين لم تحظ باهتمام دولي، ولكن بعض العراقيين يعتقدون انها يمكن ان تصبح عائقا اساسيا. فقد التقت رايس في اربيل مع مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي هو على خلاف طويل مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس الحالي للعراق جلال طالباني. وكان الحزبان قد تحالفا خلال الانتخابات، ولكن بارزاني وطالباني اختلفا حول الحزب الذي سيتمتع بنفوذ اكبر في كردستان العراق. وقد ادت المواجهة الى منع البرلمان الكردي المنتخب من عقد اول اجتماعاته.

وفي محادثات خاصة، حثت رايس بارزاني على التوصل الى تفاهم مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وان يوسع مشاركته في اعمال الحكومة الجديدة في بغداد، طبقا لمسؤولين اميركيين وعراقيين. وكانت تصريحات رايس العلنية بخصوص اللقاء عامة، وأشارت الى «الدور الهام للغاية الذي يمكن لبارزاني ان يلعبه» في الدستور الجديد. ومن المتوقع لقاء طالباني وبارزاني هذا الاسبوع لمناقشة خلافاتهم.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»