رئيس الوزراء المغربي: الحكومة حققت نتائج ولا تنوي تخفيض الدرهم

جطو: نؤمن باتحاد مغاربي وتصريحات قادة الجزائر رد فعل على نجاح الدبلوماسية المغربية

TT

قال إدريس جطو رئيس الوزارء المغربي إنه مازال مؤمنا بحلم تحقيق اتحاد مغاربي يوحد اقتصاديا وسياسيا الدول الخمس لشمال افريقيا، لإحداث تكتل اقليمي قادر على مواجهة التحولات العالمية، يخدم مصالح شعوب المنطقة. وأوضح جطو في لقاء جمعه بمجموعة من الصحافيين الليلة قبل الماضية بمنزله بالرباط، دام قرابة 4 ساعات، وحضرته «الشرق الأوسط» أن المغاربة يجب أن يكونوا على يقين أن المبادرات التي تقدمت بها أخيرا الجزائر حيال قضية وحدة تراب المغرب، مجرد رد فعل على النشاط المكثف الذي قامت به الدبلوماسية المغربية أخيرا بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي دفعت دولا عديدة الى مراجعة موقفها إزاء «نزاع الصحراء المفتعل من طرف من اسماهم الخصوم» بعد أن توضحت تلك الدول معالم القضية خاصة بعض الدول الافريقية والآسيوية ومن أميركا اللاتينية.

وعبر جطو عن أسفه الشديد للتصريحات الرسمية الأخيرة للقيادة الجزائرية، مستغربا تبني الجزائر موقفا معاديا ومناوئا لمصلحة المغرب عشية انعقاد القمة المغاربية بليبيا، بل ومتناقضا مع الشرعية الدولية والجهود الأممية، مشيرا الى أن الرباط أعلنت في مناسبات عديدة عن استعدادها للتعاون الكامل مع هيئة الأمم المتحدة للوصول الي حل سياسي توافقي يحفظ وحدة تراب المغرب ويضمن سيادته على كافة محافظاته بما فيها المحافظات الصحراوية، كما تسعى الرباط الى وضع حد للمأساة الانسانية التي يعاني منها المحتجزون المغاربة بمعتقلات تيندوف (جنوب غرب الجزائر)، في خرق سافر للمواثيق الدولية وللقانون الدولي الإنساني ولقرارات مجلس الأمن.

وفي سياق آخر، أوضح جطو، أن علاقة المغرب بالصين الشعبية جد ممتازة وتسير في تطور متصاعد واصفا اياها بالدولة العظمى، رغم الهزة التي أحدثتها المنتوجات الصينية في الأسواق المغربية، على غرار باقي الأسواق العالمية، وأدت الي خسائر في قطاع النسيج والألبسة، مبرزا أن الرباط، طلبت من بكين، العمل على تخفيض عجز ميزان المبادلات التجارية القائمة بين البلدين، والتي تظل في صالح الصين بنسبة كبيرة، وذلك باقتناء منتوجات مغربية تتمثل في مواد أولية كالفوسفات وكذا المنتوجات البحرية، مشيرا الى أن السوق المغربية لا تزال مصدر جذب لكبريات الشركات للاستثمار في هذا القطاع بما يقارب 3 مليارات درهم، كما يحتل المغرب المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في تحصيل استثمارات خارجية، إذ بلغت 24 مليار درهم عام 2003، و14 مليار درهم عام 2004.

وأكد جطو أنه لا يؤمن بالمراقبة الذاتية في تحديد سقف انتاح أو اعتماد السياسة الحمائية في مجال المبادلات التجارية على المستوى العالمي بقدر ما يؤمن بضرورة تحسين جودة المنتوج لخوض غمار المنافسة، واللجوء الى تحرير القطاعات، على أساس تأهيل المقاولات تأهيلا عصريا، وهو ما تأخرت في انجازه المقاولات المغربية.

وأعلن جطو بصفة قطعية أن المغرب لن يخفض من عملته الدرهم، «فالمغرب غير مرغم على القيام بتخفيض قيمة عملته لضمان تنافسية منتوجه في الأسواق العالمية وخاصة في قطاع النسيج والألبسة، بل إن المنظمات المالية الدولية تعتبر الطريقة التي يتعامل بها المغرب في صرف عملته مع باقي العملات مجدية بالنسبة للمبادلات التي يقيمها مع دول العالم».

وعلى المستوى الداخلي، اعتبر جطو أن أول مهمة قامت بها الحكومة التي يرأسها منذ عام 2002، هي ايقاف نزيف الاختلالات القائمة في مجال تدبير الشأن العام، وتطهير المؤسسات العمومية من جميع الشوائب سواء فيما يتعلق بتدبير الموارد البشرية أو المالية، وكلفت هذه العمليات مئات الملايير من الدراهم (الدولار يساوي 8.5 درهم) نتيجة التأخر في معالجة المشاكل، على حد قوله، مشيرا الى أن نتائج التطهير والإصلاح ستظهر على المستوى المتوسط والبعيد، في أداء صناديق التقاعد وشركات الانتاج الفلاحي «صوديا وسوجيطا» والمصرف العقاري والسياحي ووكالات الاسكان، وغيرها من المؤسسات العمومية.

ونفى جطو أن تكون مبادرة التنمية البشرية التي أطلقها أخيرا العاهل المغربي الملك محمد السادس، تعني أن الحكومة المغربية غير منسجمة، ولم تستطع توحيد جهودها في تحقيق التنمية الاجتماعية في الوقت المحدد نظرا لكثرة الحقائب الوزارية في القطاع الحكومي الواحد، وقال جطو مخاطبا ضيوفه الصحافيين «إنني مثلكم ومثل المغاربة قاطبة أتمنى تركيبة حكومية قليلة العدد، لكن واقع الخريطة السياسية يفرض كثرة الوزراء، ومع ذلك أرى أننا حققنا الشيء الكثير في جميع المجالات، فأنا تعلمت من حرفتي الأولى في صناعة الأحذية الحساب بالأرقام، ومن ثم أريد أن ينورني الصحافيون ما هي المشاريع التي حددناها في التصريح الحكومي الأول الذي قدمناه ولم ننجزها، فأنا لا أفهم التحدث في العموميات، بقدر ما يهمني المحاسبة في كل قطاع على حدة».

وأضاف جطو أن المبادرة الملكية الاخيرة ساهمت في تنسيق جهود أعضاء الحكومة لبلورة برنامج موحد متكامل في المجال الاجتماعي، إذ ستعطى الأولوية للمناطق الأكثر تضررا بدل الاهتمام بجميع المناطق كما كان مقررا في السابق، وتهم المبادرة الملكية 360 بلدية في الأرياف و250 نقطة سوداء يعاني سكانها التهميش والفقر، وبتمويل من الموازنة العامة، في الوقت الذي ألح فيه رئيس وزراء المغرب، أن المشاريع الحكومية التي توجد في طور الإنجاز لن تتوقف، كما أنها لن تخلق أية مشكلة للمبادرة الملكية بل تسير معها في خط متواز. وقلل جطو من حدة الفوارق في الأجور والمرتبات بالمغرب، موضحا أنه حتى ولو تم ايقاف أجور ما يسمى بالموظفين الكبار البالغ عددهم 130، ووزعت على باقي المواطنين فإن كل واحد منهم سيحصل على 10 دراهم، مفندا ما يروج في الصحافة المغربية من وجود نظام لأجور عليا تكلف الموازنة العامة الملايير من الدراهم بما فيها التعويضات غير المدرجة في النظام الأساسي للأجور.

وتأسف جطو لوضع الشباب العاطل عن العمل الذي يرابط يوميا أمام البرلمان للاحتجاج، معتبرا أن التشغيل في جميع دول العالم يتم وفق مباريات تجرى لكي يلج الناجحون سلك الوظيفة العمومية، معلنا عن مبادرة جديدة للحكومة المغربية ترمي الى إعادة تكوين العاطلين عن العمل بمن فيهم الذين لا يتوفرون على شهادات جامعية عليا، قصد تأهيلهم للحصول على فرص عمل، واعتبر (جطو) أن قطاع الخدمات والتجارة هما القطاعان اللذان يوفران فرص العمل بنسبة 60% عكس ما يروج من أن القطاع الصناعي هو الضامن للشغل.

وأكد جطو أن معهد الدراسات الدولية المسمى «ماكينزي» أجرى دراسة بناء على طلب من الحكومة المغربية، لإعادة هيكلة القطاع الصناعي المغربي، وخلصت الدراسة الى إفراز دقيق للقطاعات الواعدة واقترحت الإجراءات والتدابير الكفيلة بتطوير الاقتصاد المغربي وإدماجه في المنظومة الاقتصادية والتجارية الدولية، ويتعلق الأمر بالتجهيزات الالكترونية، ومكونات السيارات وتجهيزات الطائرات وكذا الخدمات المرتبطة بالتقنيات الحديثة للاتصال، مشيرا، في هذا الصدد، الى إحداث منطقتين واحدة بالرباط، ستضم المدينة الاعلامية وأخرى بالدار البيضاء، كما توقع جطو أن تخلف مثل هذه المناطق 140 ألف فرصة عمل ورقم معملات يصل الى 2 مليار يورو في غضون الخمس سنوات المقبلة.

ودافع جطو عن حصيلة حكومته في مجال الأوراش الكبرى التي فتحت منذ توليه رئاسة الحكومة عام 2002، وتقليص مدة الانجاز التي كانت مخصصة لها، ككهربة الارياف ومدها بالماء الصالح للشرب بكلفة 4 مليار درهم، واستكمال الشبكات الطرقية والمواصلاتية والاتصالاتية وكذا الطاقية، بغلاف مالي غير مسبوق بلغ 79 مليار درهم، اضافة الى تحديث الشبكة المغربية للمطارات لمواكبة المشاريع السياحية الكبرى، إذ من المتوقع استقبال 18 مليون مسافر الي غاية 2007.

وتحدث جطو عن السكن والسياحة والاتصالات كثلاث قطاعات قوية بالمغرب مدرة للأرباح ومساعدة على حل معضلات اجتماعية، حتى أنه توقع لجوء منتجي الإسمنت الي استيراد هذه المادة لوفرة الطلب الناتج عن سياسة الاسكان المتبعة حاليا بالمغرب، والتي ساهمت وتساهم في القضاء علي مدن الصفيح ومحاربة السكن العشوائي.

ونبه جطو الصحافيين الى تحيين الحكومة المغربية لمعدلات النمو، إذ كانت التوقعات تشير الي معدل نمو بنسبة 5.2 % عام 2003 فتحقق معدل نمو بنسبة 5.5 % كما أن التوقع كان 3.5 % عام 2004 فتحقق 4.2% كما تم حصر عجز الموازنة في حدود 3.2 % والتضخم في 1.5 % مما يدل على سلامة التوازنات الاقتصادية الكبرى وتحكم المغرب فيها.

ولم يخف جطو التأثير السلبي للموسم الفلاحي للعام الجاري على معدل النمو وإن بنسبة ضعيفة، إذ تضرر قطاع الحبوب وكذا الصناعة الغذائية، فيما لم تتضرر باقي المنتوجات بما فيها المصدرة الى الخارج.

وكان رئيس وزراء المغرب، القى مساء اول من امس، عرضا ضافيا عن سياسة حكومته امام مجلس النواب، تضمن حصيلة السنوات الماضية منذ تشكيل الحكومة عام 2002، كما تضمن التصريح الخطوط الكبرى للعمل الحكومي في غضون السنوات الفاصلة عن الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها عام 2007 .