الحكومة المغربية تعتمد نظام الدوام المستمر في الإدارات والمؤسسات الخاصة

TT

لم يكن اعلان ادريس جطو، رئيس وزراء المغرب، في مجلس النواب، اعتماد الدوام المستمر في الادارة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، مفاجئا، فقد تواتر الحديث عنه في المدة الاخيرة، منذ تصاعد ارتفاع فاتورة المواد النفطية التي يستوردها المغرب، اذ باتت الضرورة والمصلحة تفرض العدول عن التوقيت الاداري العادي الذي ورثه المغرب عن الادارة الفرنسية.

وكانت حكومة عبد الرحمن اليوسفي عام 1998 في ايامها الاولى قد زفت الى المغاربة وبنوع من الحماس ادخال التوقيت المستمر الذي تتبعه اغلب الدول، لما فيه من اقتصاد في الطاقة، ومحافظة على البيئة وعدم ارهاق المستخدمين بالذهاب والمجيء اربع مرات في اليوم، لكن فريق اليوسفي عدل عن القرار، من دون تبرير مقنع رغم ان استطلاعات الرأي التي اجريت على شرائح واسعة من المستخدمين والمواطنين، فضلت ان تبقى الادارات والمصالح متصلة العمل. بل ان احد الوزراء من حزب الاستقلال المكلف تنفيذ القرار، اعتبر ان مشروع الدوام المستمر، قبر وتعرض الى ما يشبه المؤامرة من جهات لم يسمها في ذلك الوقت.

ويبدو ان القرار الاخير لا رجعة عنه، اذ حظي بموافقة العاهل المغربي، مما يوضح بجلاء سقوط المبررات الامنية الواهية التي كانت تروجها اوساط مقاومة لنظام التوقيت المقترح. ولن تكون لتنفيذه منذ الشهر المقبل آثار سلبية كثيرة، اذ تعود المستخدمون على هذا الاجراء الذي طبق خلال فصل الصيف في السنوات الماضية، لكن بعض الصعوبات المؤقتة قد تبرز خلال السنة الدراسية اذ لا يستطيع المتمدرسون ان يمكثوا في حجرات الدرس 8 ساعات متتالية، مما يستوجب اتخاذ اجراءات مصاحبة، لم تعلن عنها وزارة التربية والتعليم، ريثما يتم اعتماء المشروع في صيغته القانونية.

وهناك عائق ثان لا يقل صعوبة وهو مدى ساعات العمل، اذ من المتوقع ان تبتدئ من الساعة 8.30 الى الرابعة والنصف بعد الزوال، ما يعني ان المستخدمين سيظلون غائبين عن منازلهم طوال اليوم، وان كانت زيادة ساعة على التوقيت العالمي المطبق حاليا في المغرب، قد تخفف بعض الشيء من تلك المعاناة التي ستنتهي بالتعود على النظام الجديد، كما ان الاجراء اخذ في الاعتبار منح المستخدمين نصف ساعة راحة، لتناول ما خف من الطعام، على ان لا تتحول الفرصة لمغادرة مقرات العمل.

ولوضع حد لهروب العاملين الذين يتسللون نحو منازلهم بمجرد شعورهم بوطأة الجوع، تبعا لعادة تناول الغذاء في الزوال، فان الحكومة ستلجأ الى المراقبة الالكترونية حيث تتمكن الاجهزة من التعرف على هوية المستخدم بمجرد ضغطه على زر، اي ان لا أحد يستطيع ان ينوب عنه في هذه العملية.

وعلى اي ، فان الإجراء له انصار كثر ومعارضون قليلون، وسيغير كثيرا من العادات الاجتماعية التي درج عليها المغاربة لم تعد متلائمة مع التطورات الحاصلة داخل وخارج المغرب. ويكتفي الانصار المرحبون بالقول انه اذا ارادت الحكومة ان ينجح المشروع، ويحقق المردودية المتوخاة منه فيجب ان تتخذ سلسلة اجراءات مواكبة من قبيل زيادة طفيفة في الاجور لتتمكن الفئات المتدنية الدخل من تناول وجبة خفيفة في الشارع، وكذلك احداث شبكة مطاعم صغيرة في الادارات والمؤسسات تقدم أكلات سريعة بتكلفة رمزية، مما سيساهم حتما في خلق فرص عمل جديدة، واحياء العلاقات الانسانية والعائلية التي كادت تندثر بسبب ان الناس مشغولون. وكل تلك نفقات لا تقارن بما تضيعه البلاد من طاقات وتكاليف باهضة، مع التوقيت العادي الحالي.