معركة من أجل التاريخ أم بقايا جدل بيزنطي؟

الصراع على اسم مقدونيا بين سكوبيا وأثينا

TT

تمثل زيارة الرئيس اليوناني إلى واشنطن الاسبوع الماضي محاولة جديدة من أثينا لتغيير الموقف الاميركي من صراعها مع سكوبيا حول اسم مقدونيا بعد اعلان واشنطن سابقا دعمها لموقف سكوبيا من دون تحفظ ، إلا أن نتائج تلك الزيارة ، خصوصاً ما يتعلق بالصراع المقدوني اليوناني ظل غامضاً. وكان الناطق باسم الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر دعا في وقت سابق للزيارة كلا من مقدونيا واليونان إلى «دراسة مشروع التسوية الذي عرضته الأمم المتحدة عليهما بطريقة بناءة» وقال إن «أفكارا جديدة قدمت في إطار عمل الامم المتحدة ونرحب بهذا الدفع الجديد».

ورغم كل الجهود التي تبذل على الصعيد الاوروبي والاميركي للتوصل إلى حل للنزاع بين سكوبيا وأثينا حول اسم مقدونيا إلا أن ذلك الحل يبدو بعيد المنال حالياً على الاقل، بسبب إصرار مقدونيا على رفض أي تعديل على الاسم، بما في ذلك مقترحات الامم المتحدة وهي «إضافة اسم سكوبيا» لتصبح دولة «مقدونيا سكوبيا»، بينما تستمر اليونان في المطالبة بتغييره أو إضافة اسم آخر للدولة الجارة لأسباب تاريخية وجغرافية معروفة. وتتعلق تحديداً بميراث ومجد الاسكندر المقدوني 323 / 356 قبل الميلاد ابن الملك فيليب الثاني وتلميذ أرسطو والذي يعد قيمة تاريخية لابناء ممكلته التي لم يعد لها وجود في ظل الخرائط الديمغرافية والجغرافية الجديدة لمنطقة البلقان، خصوصاً مقدونيا. إضافة الى وجود اقليم يوناني متاخم لمقدونيا يحمل الاسم نفسه. وبدوره يحرص الاتحاد الاوروبي على أن يكون وسيطا غير منحاز لطرف من دون آخر في هذا النزاع الذي وصف بأنه من بقايا «الجدل البيزنطي» فالاتحاد الاوروبي يرغب في أن يتوصل البلدان إلى حل بالتراضي بين اثينا وسكوبيا وهو ما عبر عنه خافيير سولانا منسق الشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي وجوزيه مانويل باروزا رئيس اللجنة الاوروبية: «إن اللجنة الاوروبية مستعدة لدعم الحل المناسب والمتوافق بين الطرفين بخصوص مشكلة اسم الجمهورية اليوغسلافية السابقة مقدونيا». ودعا وزير خارجية اليونان كوستاس كرامنليس بدوره مقدونيا إلى اتخاذ ما اسماه «الخطوة اللازمة لتسوية المشكلة حول تسمية الجمهورية بمقدونيا». وكانت اليونان هددت في الفترة الماضية بعرقلة انضمام مقدونيا للاتحاد الاوروبي في حال أصرت الاخيرة على موقفها ولم تقم بتغيير الاسم أو تضيف إليه اسما آخر، وفق مقترحات الامم المتحدة. والحجة التي تستند إليها مقدونيا في صراعها مع اليونان هي أن الاسكندر المقدوني أو الاسكندر الاكبر، مولود في الاراضي المقدونية الحالية، وإنه لم يكن يحمل اسم الاسكندر اليوناني، إضافة لاعتراف نصف الدول الممثلة في الامم المتحدة باسم مقدونيا من بينها دول تتمتع بحق النقض الفيتو مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين.

أما اليونان فتعتقد بأن مقدونيا ظلت لمدة 5 قرون تحت الحكم العثماني، وبعد حرب البلقان الاولى 1912 / 1913 تغيرت التركيبة السكانية لمقدونيا بعد أن ضمت إليها أجزاء كانت تابعة لألبانيا، من بينها كومانوفو وتيتوفو. بينما عادت صربيا لتسيطر بدورها على كوسوفو التي أجليت عنها بعد المعركة الحاسمة مع العثمانيين عام 1389. (والتي مكنت العثمانيين من السيطرة على البلقان لمدة 5 قرون) وسيطرت كل من بلغاريا واليونان على أجزاء أخرى من ألبانيا التاريخية. واستعصت مقدونيا بعد ذلك على التقسيم بين صربيا واليونان رغم الحرب التي شنت ضدها من الطرفين بعد انحسار ظل العثمانيين في منطقة البلقان. ومع قيام دولة يوغسلافيا الاتحادية الجديدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1939 /1945 تم ضم مقدونيا إلى الاتحاد المكون من 6 جمهوريات هي صربيا والجبل الاسود وسلوفينيا والبوسنة وكرواتيا ومقدونيا. وفي سنة 1991 حصلت مقدونيا على استقلالها ولكنها ما لبث أن دخلت في صراع سياسي مع الجارة اليونان بسبب الاسم، ولا يزال ذلك الصراع مستمرا حتى اليوم.