وزير الدولة للشؤون الداخلية البريطاني : قوانين مكافحة التحريض على الكراهية لأسباب دينية ستساوي بين المسلمين واليهود والسيخ

بول غوغنز يلمح بقوة إلى استعداد الحكومة لاستعمال صلاحيات استثنائية لتمرير التشريعات

TT

أعلن وزير الدولة البريطاني للشؤون الداخلية، بول غوغنز، أن تشريعات مكافحة التحريض على الكراهية لأسباب دينية، لا تهدف إلى حماية هذا الدين أو ذاك، بل المؤمنين به. وسعى في مقابلة مع «الشرق الأوسط» في أعقاب مؤتمر صحافي بوزارة الداخلية، لتطمين المسلمين، بأن التشريعات الجديدة، لن تؤدي إلى التمييز بينهم وبين الآخرين. وقال إنها على العكس، ترمي إلى معالجة التمييز الموجود حالياً بين السيخ واليهود الذين «يتمتعون بالحماية» خلافاً لغيرهم. ولمح بقوة إلى أن الحكومة ستلجأ إلى استعمال صلاحيات استثنائية لتمرير القانون إذا تشدد مجلس اللوردات مجدداً في معارضته للقوانين الجديدة.

وأوضح الوزير غوغنز لـ«الشرق الأوسط»، إن هدف مشروع القوانين الجديدة، توفير حماية قانونية لمن يتعرضون للتحريض على الحقد والكراهية بسبب الاديان التي يعتنقونها. وقال: «نسعى في هذا التشريع إلى توسيع نطاق قوانين المعاقبة على الكراهية لأسباب عرقية، كي تشمل أيضاً التحريض على الكراهية على أساس ديني». وأضاف: «المجموعات العرقية تتمتع بالحماية منذ حوالي 20 عاماً، والآن نريد أن نوفر الحماية ذاتها لأصحاب المعتقدات الدينية». وزاد: «لقد تلقينا تاييداً شديداً من المجموعات الدينية المختلفة والشرطة وغيرهم ممن يرون أننا يجب أن نتخذ هذه الخطوة». لكن ثمة مسلمين تحفظوا على هذه التشريعات، لأنها قد تجعلهم أشبه بالشخص الضعيف، الذي يحتاج إلى قدر أكبر من الحماية، خلافاً لغيره، كما أعربت مصادر في «الرابطة الاسلامية في بريطانيا»، عن القلق من أن هذه القوانين ستجعل المسلمين عرضة للوقوع ضحية أسهل مما مضى للتحريض للكراهية ضدهم بسبب معتقداتهم الدينية.

غير أن الوزير غوغنز رأى أن عدم وجود هذه القوانين حالياً هو سبب التمييز بين مجموعة وأخرى، مشدداً على أن الحكومة راغبة بإصدارها، لأنها تريد معاملة الجميع على قدم المساواة مع اليهود والسيخ. وقال: «هذه القوانين لا تميز أياً من المجموعات الدينية عن غيرها. وفي الحقيقة السيخ واليهود هم المميزون حالياً بسبب تمتعهم بالحماية بموجب تشريعات مكافحة التحريض على الكراهية لأسباب عرقية السارية سلفاً». وأضاف: «نريد للقوانين الجديدة أن تشمل المجموعات كلها على نحو متساوٍ. نحن لا نميز بين المسيحيين والمسلمين والهندوس، بل نريد للجميع أن يتمتعوا بالحماية بموجب هذه التشريعات الجديدة».

إلا أن اللورد جورج كيري، كبير أساقفة الكنيسة الانغليكانية البريطانية الرسمية، الذي ينتمي للجناح الإنجيلي المسيحي المحافظ، معارض بشدة لهذه القوانين. وقد أكد الأسبوع الماضي أنه سيعبر بوضوح عن تحفظه عليها في مجلس اللوردات، لأنها، في رأيه، تشجع أبناء الأقليات على الابتعاد عن المجتمع المضيف بدلاً من الاندماج فيه.

وإذ تحاشى الوزير في تعقيبه الإشارة إلى اللورد كيري من قريب أو بعيد، فهو شدد على أن «القانون، رغم أهميته بالطبع، ليس كافياً بحد ذاته لتحقيق لحمة اجتماعية متماسكة». وأضاف: «نحن في وزارة الداخلية نسعى على مستوى الإدراة المحلية والحكومية المركزية لتعزيز النسيج الاجتماعي كي يصبح بوسع الناس أن يعيشوا بعيداً عن الخوف من الاستهداف لأسباب عرقية أو دينية أو غيرهما». وزاد: «التشريع الجديد سيدعم هذه الجهود ويضاعف منها، وهو بهذا المعنى خطوة إلى الأمامش.

وماذا عن بعض المسلمين الذين أبدوا قلقهم من أن يقع اخوانهم في الدين ضحية لنفس التشريعات التي ترمي إلى حمايتهم، كما حصل في أستراليا، حيث كان المسلمون يمثلون غالبية المتهمين الذين تمت مقاضاتهم على أساس تشريعات مماثلة للتحريض على الكراهية؟ لم يجد غوغنز مبرراً لمقارنة التشريعات البريطانية بنظيرتها الأسترالية، خصوصاً أن «لأستراليا تشريعات مختلفة وهي تخضع الأمر لامتحان أقل صرامة من الذي نعتزم تطبيقه في إطار القوانين الجديدة (للبت بوجود أدلة على النية بالتحريض على الكراهية)». وشدد مجدداً بالقول: «وهذه لا يقصد بها تمييز أي مجموعة، سواء للحماية أو للعقوبة».

ولدى سؤاله عن سبب محاولة تمرير المشروع نفسه الذي تم رفضه في البرلمان مرتين من قبل، قال الوزير: «لأن من المهم للغاية أن نقول إن من الخطأ أن يحرض الناس على الكراهية ضد آخرين لأسباب تتعلق بمعتقداتهم الدينية».

يشار إلى أن حزبي المعارضة الرئيسيين (المحافظون والديمقراطيون الاحرار)، لا يزالان على إصرارهما على التصويت ضد هذه التشريعات، التي عرقلا إصدارها في مرتين سابقتين. وكانت الحكومة قد حاولت استصدارها قبيل انتخابات الخامس من مايو (أيار) الفائت، حين طرحتها للمدوالة بين طائفة أخرى من القوانين، غير أن المعارضة أسقطتها في مجلس اللوردات.

وتابع الوزير: «والكراهية امتحان جوهري، لا بد من ثبوته قبل ادانة أي كان». وأضاف: «من حق الناس أن يجروا نقاشات صاخبة، وأن يسخروا من آخرين سخرية تستند إلى معتقداتهم الدينية حتى لو تسبب ذلك في الإساءة لهؤلاء الناس». وأردف إن «التشريعات الحالية لا تتصل بأي من أنواع السلوك هذه، لكن من الخطأ ببساطة أن يحرض أحد على الكراهية ضد الآخرين لأنهم يعتنقون ديناً معيناً، وسيعتبر (بعد تمرير المشروع الحالي) تصرفه بهذا الشكل مخالفاً للقانون». بيد أن الأمر كله يستند إلى وجود نية وتعمد في إثارة الكراهية ضد آخرين على أساس ديني، والنوايا ذاتية من الصعوبة بمكان إثبات وجودها أو عدمه، قال غوغنز: «بالطبع يتم التوصل إلى هذه النتائج عن طريق مداولات هادئة ومتأنية يجب أن تجريها هيئة المحلفين».

واستوضحته «الشرق الأوسط» عما إذا كانت الحكومة لا تزال عازمة على اللجوء إلى «المادة البرلمانية» التي تجيز لها إقرار المشروع في مجلس العموم من دون موافقة مجلس اللوردات، وذلك كما وعدت وزيرة الدولة للشؤون الداخلية، فيونا ماكتاغارت، عشية الانتخابات الاخيرة. وتردد غوغنز في إعطاء تعهد واضح، بيد أن لمح بقوة إلى أن الحكومة مصممة فعلاً على استعمال هذا «السلاح» الاستثنائي إذا واصل المحافظون والديمقراطيون الأحرار معارضة المشروع. وقال: «ليس هناك أي غموض بهذا الشان، لقد تعهدنا في بيان حزب العمال (الحاكم) الانتخابي باستصدار تشريعات مكافحة التحريض على الكراهية لأسباب دينية، ونحن عازمون على ذلك». وأضاف: «بيد اني راغب في البدء بهذه المحاولة من خلال القول للناس إن من المفيد تبني هذه القوانيين (بدلاً من التهديد بتمريرها شاءوا أم أبوا)». وفي وقت سابق من ظهر أمس، قال غوغنز في مؤتمر صحافي بمناسبة نشر مشروع القوانين الجديدة، إنها ترمي إلى حماية معتنقي الدين وليس الدين نفسه. وأوضح أن الغاية من التشريعات هي «توفير الحماية للمتدين وليس للمعتقدات الدينية». وأضاف، في محاولة لطمأنة كتاب وصحافيين وفنانيين كوميديين، في طليعتهم روان اتكنسون، بطل المسلل الكوميدي المعروف «السيد بينز"»، أن التشريعات الجديدة لن تصادر حرية الفنان أو تحرمه من التعليق على موضوعات دينية. وذكر إنها «لن تحظر توجيه الانتقادات للدين، كما لن تمنع إطلاق النكات ذات الطابع الديني».

وأوضح الوزير أن عقوبة السجن لسبع سنوات التي تفرضها التشريعات الجديدة على من يدان بارتكاب مخالفة التحريض على الكراهية لأسباب دينية، لن تطبق بسهولة بحق أي متهم. وإذ شدد على أن الامتحان العسير الذي سيصار إلى تطبيقه على أي قضية تتعلق بالتحريض على البغض، يتمثل في التثبت من وجود «نية» لدى المتهم بإثارة الكراهية ضد آخرين، ذكر أن القضايا ستعرض على المحكمة، وينظر فيها المحلفون. وعلاوة على ذلك، «ثمة إجراء احترازي آخر، وهو تخويل المدعي العام البت في كل هذه القضايا واستعمال حق «الفيتو» بغرض شطبها إذا كان الحكم غير سليم من الناحية القانونية». ولفت إلى أن 76 متهماً تعرضوا للمحاكمة بموجب قوانين مكافحة التحريض على الكراهية على أساس عرقي في العشرين سنة الأخيرة، وأُنزلت العقوبة بحق 44 منهم فقط».