جدل في كندا حول صبي «القاعدة» المعتقل في غوانتانامو

عمر خضر ألقى وهو في عمر الـ15 عاما قنبلة يدوية على جندي أميركي

TT

حولت مقاتلات «اف 16» و«ايه 10» مجمع المقاتلين في أفغانستان الى ركام. لم يكن لأحد ان يبقى على قيد الحياة، مثلما تصور جنود أميركيون كانوا متمركزين في مكان قريب. لكن في الداخل، كان هناك شاب نحيف يبلغ من العمر 15 عاما أنقذه نصف جدار بقي على حاله بينما كان الجنود يقتربون من المكان.

وروى أميركيون الحادث قائلين ، ان الفتى قفز ثم ألقى قنبلة يدوية اصابت ضابطاً اميركياً بجروح، قبل ان يصاب الفتى برصاص الجنود الاميركيين. وقد فقد الفتى عمر خضر البصر في عين واحدة، وتمزق صدره ، واستلقى على الأرض وطلب من الجنود، بلغة انجليزية متقنة، أن يقتلوه. وقال الرقيب سكوتي هانسن، الذي منح وسام النجمة البرونزية على الشجاعة التي ابداها في معركة افغانستان عام 2002 ان «كل من كان هناك كان يريد اطلاق رصاصة عليه. لكننا اجمعنا ان تلك ليست الطريقة المناسبة». فقد نجا عمر خضر، الذي يحمل الجنسية الكندية، وهو اليوم يبلغ الثامنة عشرة من المعمر ومحتجز في سجن غوانتانامو بكوبا. وقد اصبح وجوده في السجن يشكل أمرا صعبا بالنسبة للحكومة الكندية. كذلك، اصبحت والدته وشقيقته وشقيقه عبد الرحمن، الذي اعتقل لفترة قصيرة مع عمر في غوانتانامو، تشكل ما اصبح محامي عمر يسميها «العائلة التي تواجه أكبر ازدراء في كندا». ويقول عبد الرحمن علنا: ان كل افراد العائلة من «القاعدة». وقالت شقيقته انهم جميعا يتمنون الاستشهاد. وتحدث أفراد العائلة بصورة تنم عن ازدراء للمجتمع الكندي، وهم يتلقون الرعاية الطبية والاعانات المعيشية التي توفر لهم العيش في شقة مريحة في تورونتو.

وقالت زينب، شقيقة عمر البالغة 25 عاما، في مقابلة أجريت معها اخيراً: «لقد وصفونا بالعائلة الارهابية الكندية الأولى. لا أريد أن اكون في مكان حيث يرفضني الآخرون. اعطوني جواز سفري وسأغادر». وتحتجز الحكومة الكندية وثائق سفر العائلة بانتظار اتخاذ قرار في قضيتهم.

لكن إطالة امد بقاء عمر في سجن غوانتانامو أدت الى كسبه دعما من قبل خبراء دستوريين ومحررين صحافيين، اصبحوا يحثون الحكومة على مطالبة الولايات المتحدة باحالته الى المحاكمة أو اطلاق سراحه. وقالت افتتاحية في صحيفة «تورونتو ستار» في فبراير (شباط) الماضي انه «بغض النظر عن الازدراء الذي تتلقاه عائلة خضر هنا، فان المشرعين الكنديين لا يمكن ان ينظروا في الاتجاه الآخر عندما يحتجز مواطن في سجن اجنبي لسنوات تحت ظروف تساء فيها معاملته ويحرم من الاجراءات القضائية المألوفة. ان ذلك يجعل أوتاوا شريكا صامتا في انتهاك حقوق الانسان».

ورفع دينيس ادني، محامي عائلة خضر، دعوى قضائية ضد الحكومة كما اتهم المسؤولين بالاهمال لأنهم لم يبذلوا جهدا كبيرا للعثور على فرد آخر من عائلة خضر يحمل الجنسية الكندية، هو عبد الله ، 24 عاما، الذي كان اختفى في باكستان الخريف الماضي، وقالت العائلة انه قد يكون محتجزاً في سجن باكستاني أو أميركي. وقال اليكس نيفي، مدير مكتب منظمة العفو الدولية في أوتاوا: «يجب عدم ترك المواطنين الكنديين بعيدا عن متناول القانون».

وفي الطابق الثامن من مبنى في تورونتو تبقى امرأتا العائلة قلقتين بشأن عمر وعبد الله. فالوالدة مها والشقيقة زينب تجلسان على الارض مرتديتين التشادور وتزين الحناء أياديهما.

ومن بين ابناء مها الاربعة هناك اثنان في كندا. فكريم، 16 عاما، المشلول بسبب اصابته في معركة قتل فيها والده ، يسير على كرسي متحرك. وهو يقضي وقته في ألعاب الكومبيوتر. أما عبد الرحمن، 22 عاما، فيأتي الى البيت أثناء ساعات عمله اليومي، على الرغم من أنه يواجه السخرية من والدته وشقيقته على تحدثه علنا عن صلات عائلته بـ«القاعدة» ثم التبرؤ منها. وقالت والدته بحزن: «انه شخص ضائع». وقد حثهم محاميهم وأقرباؤهم على الصمت. وقالت مها خضر انه حتى الجامع المحلي يتجنبهم. لكنهم يقولون انهم مدفوعون بآرائهم ورغبتهم في ابقاء قضية عمر وعبد الله حية في اذهان الآخرين. وكانت الامرأتان عاطفيتين في حديثهما بل وغاضبتين في غالب الاحيان، وتنطقان بالكلام في الوقت ذاته أحيانا. وقالت مها خضر انهم يتعرضون للادانة لانها تنتقد بصراحة. وتساءلت زينب ساخرة: «ألا يفترض ان يكون ذلك هو ما يميز العالم الغربي عن العالم الشرقي؟ حرية التعبير والفكر؟».

وتتحدر عائلة خضر من مصر. وكان احمد سيد خضر الذي ولد في مصر قد انتقل الى كندا عام 1977. ورزق من زوجته مها، الفلسطينية التي عاشت معظم حياتها في أوتاوا، ستة أبناء، ولد أربعة منهم في كندا.

وكان خضر مهندساً في مجال الكومبيوتر، لكنه كان يسافر الى دول اسلامية تعاني من الاضطرابات بهدف جمع الأموال للمؤسسات الخيرية، حسبما قاله للمسؤولين. وفي ديسمبر (كانون الاول) 1995، اعتقل في باكستان بتهمة المساعدة في تمويل التفجير الذي كان استهدف قبل شهر السفارة المصرية في اسلام آباد وأودى بحياة 17 شخصا. وفي يناير (كانون الثاني) 1996، زار رئيس وزراء كندا حينها جون كريتيان باكستان وناشد حكومتها اطلاق سراح المواطن الكندي.

وبعد الافراج عنه نقل خضر اسرته الى جلال آباد في أفغانستان، حيث عاشوا في نفس المجمع الذي كان يعيش فيه اسامة بن لادن. وفي عام 1999 حضر بن لادن حفل عقد قران زينب، كما اعترف افراد الاسرة. وارسل ابناء خضر الى المعسكرات الصيفية للقاعدة، حسبما افاد عبد الرحمن.

واكدت زينب ومها خضر انهما لم تكونا عضوتين في «القاعدة» وإن كانتا تؤمنان بافكارها المتشددة. وقالت زينب: «نعم، يمكنني القول إنني مسلمة متعصبة. لكنني لست عضوا في القاعدة رغم ان ذلك هو الامر نفسه بالنسبة لعديد من الناس». واضاف ان حضور بن لادن لعقد قرانها «ليس أمراً هاماً. هو يذهب الي كل الاعراس». وبعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، تفرقت الاسرة، اذ عادت مها الى تورونتو، بينما اخذ زوجها اولاده الى جبال افغانستان وباكستان للاستمرار في القتال. وقد بذلت السلطات الاميركية جهوداً كبيرة للعثور على الزوج الذي تصفه بأحد مساعدي بن لادن.

وفي 27 يوليو (تموز) 2002، طلب محللون استخباريون من القوات الاميركية قرب خوست (جنوب شرقي أفغانستان) فحص مسكن في قرية صغيرة، بعد أن تلقوا اشارات لاسلكية ربما تكون من خضر، حسبما افاد لين موريس الضابط في القوات الخاصة الكندية الذي كان قرب خوست آنذاك.

طوقت القوات الاميركية المسكن وارسلت مترجمين افغانا قتلوا في وابل من الرصاص. وبعد ذلك، اندلعت معركة ضارية استخدمت فيها القنابل اليدوية، حسبما افاد الرقيب هانسن. كان الرقيب موريس يوجه سلاحه عندما تطايرت شظايا من قنبلة يدوية واصابت عينه. ويقول متذكرا: «تصورت ان مسدسي انفجر في وجهي، لكن تبين فيما بعد انها قنبلة يدوية». وأضاف موريس في مقابلة اجريت معه في مدينة سولت ليك: «اعتقدت انني قتلت. كل ما كنت افكر فيه انني لن اتمكن من رؤية زوجتي واولادي مرة أخرى». وعندما وصل الدعم الجوي قصفت طائرات «إف - 16» المسكن فدمرت المبنى، لكن عمر خضر نجا. وبعد مرور 15 شهرا قتل والد عمر في تبادل اطلاق النار مع سلطات الأمن الباكستانية في منطقة نائية قرب الحدود، بينما اصيب كريم، شقيق عمر، الذي كان عمره آنذاك 14 سنة، واصيب بالشلل في اطلاق النار.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»