أحد المسلحين اختطف ابنة «الأمير» وقتلها بعد اغتصابها

«الشرق الاوسط» في مثلث الموت: عمليات تسفر عن القبض على عناصر مسلحة ومخازن للاعتدة و1500 عبوة ناسفة

TT

أُجلت عودتنا الى بغداد بعد «رحلة الموت» الى «مثلث الموت» مرات عديدة ولاسباب مختلفة ، كانت احداها هبوب عاصفة قوية منعت طائرة الهليكوبتر التي اقلتنا من الاقلاع عن الارض، وفي اليوم الثاني كانت الهليكوبتر المخصصة لنا قد صارت من حصة الجرحى الذين تعرضوا لعملية مسلحة حيث اقلتهم الى المستشفى. وبعد اتصالات مع اطراف اميركية عديدة عدنا الى بغداد برتل عسكري.

في تلك الرحلة اختلط الخوف مع المفاجآت في ذلك المثلث وصولا الى حقيقة المنطقة وما فيها بعيدا عن القصص التي ترد منها ، في المثلث الذي يحمل اسما مخيفا عبر العمليات التي شهدتها تلك المناطق .

في ساعات الفجر الاولى كان الانطلاق الى رأس المثلث عبر طرق زراعية مشجرة وبحيرات اسماك ، كان رأس المثلث واضح المعالم يمثل مفترق الطريق بين قضاء المسيب وناحية جرف الصخر امتدادا الى الشمال ، حيث يمثل الحد الشمالي خط مواجهة وتهديدا دائما ، فكانت الحركة من رأس المثلث نحو الشمال باتجاهين، الاول الى منطقة الحامية التي استعادت عافيتها قبل اسبوع من وصولنا وكان مركز الشرطة فيها قد تعرض للتدمير الكامل وعاشت المنطقة في فوضى نتيجة سيطرة العناصر المسلحة على الوضع هناك ، الا ان العمليات المشتركة بين الجيش والشرطة العراقية والقوات الاميركية تمكنت من تأمين المنطقة وفتح مركز شرطة بديل. في تلك النطقة تتراءى امامك بيوت آمنة ارهقتها نقاط الحواجز والتفتيش فرضت وجودها اعمال العنف والارهاب . يقول محمد علي من اهالي الحامية «ان الوقت الحالي افضل بعد افتتاح مركز الشرطة، فقد كنا لا نستطيع الخروج للشارع او الوصول الى مدينة المسيب»، ويضيف عبد العباس حسين «نخرج ليلا مع الشرطة العراقية لتأمين وحماية المنطقة التي كانت تجوب شوارعها سيارات المسلحين لتمارس القتل والعنف»، فيما يوضح خضير عباس صاحب محل خضراوات ان «المنطقة ارتفعت فيها اسعار المواد الغذائية لعدم امكانية ذهابنا فجرا الى العلوة في المسيب للتسوق وكذلك اجور النقل حيث يتردد السواق في المجيء للمنطقة بسبب العنف ، اما الان فقد اختلفت الصورة وتحسنت كثيرا»، الطفل زياد صاحب يقول «عمي قتل»، واخر يقول «مصعب نايف عضو المجلس البلدي قتل»، لكن سعاد حسين كاظم لديها اكثر من قصة مليئة بالحزن، تقول ان ابنها حسين سجين لدى القوات الاميركية وستذهب لمقابلته، وتقول ايضا «زوجي جواد كاظم قتل قبل فترة بتهمة قتل ضابط امن وهو موظف استعلامات في معمل السدة» ويؤيدها الاخرون في هذه القصة ، ولم تنته المأساة عند هذا الحد، فولداها عباس وعلي قتلا هما الاثنان ايضا في النهر عندما كانا يستقلان زورقا لصيد الاسماك مع اخيهما السجين بحثا عن رزق ، وخلال تمشيط المنطقة تعرضوا لهذا الحادث . النقيب حامد حسين ضابط مركز شرطة الحامية قال «تم القاء القبض على عناصر مسلحة تقوم باعمال العنف، والعمليات مستمرة باتجاه الشمال لأن المسلحين يأتون اليها لكون المنطقة مفتوحة باتجاه حدود العراق فضلا عن وعورتها ، ونحن الان وكما ترون في قلب العملية وهي المرحلة الثانية فيما كانت الاولى التطويق، والثالثة الانسحاب ، فقد اعتقلنا 30 عنصرا له علاقة باعمال العنف، ولدينا قوائم مطلوبين من خلال تعاون الاهالي معنا»، وفي ذلك الموقع المتقدم حضر اللواء الطيار قيس حمزة المعموري قائد شرطة بابل وتحدث لـ«الشرق الاوسط» قائلا «بعد العمليات الاخيرة للحفاظ على امن بغداد توقعنا زحف العنف الى جنوب بغداد (اللطيفية) وشمال بابل ، ولدينا خطة شمولية للقضاء على منفذي العنف، فالعملية مستمرة من الفلوجة الى الصويرة ، وقد قبضنا على اعداد منهم وسيتم الاعلان عنهم بعد اكتمال التحقيق»، فيما يؤكد المقدم احمد الشمري مدير شرطة المسيب قائلا «القينا القبض على عناصر مسلحة بينهم تونسي يقود سيارة مفخخة وحكم عليه بالسجن 15 عاما ، وهنالك عناصر من جنسيات بينها سورية وافغانية وانتحاريون اربعة في المسيب نفذوا عملية وبعد جمع الاشلاء ثبت ان هوياتهم سورية».

اما مهدي عبد الحسين النجم، قائمقام المسيب، فيقول ان مدينته «ابتليت بالعناصر المسلحة التي استفادت من الفراغ الامني، لكن الحالة الان اختلفت، وبتعاون الخيرين من الاهالي فالمسيب فيها ظاهرة اجتماعية متميزة في الولاء للمكان ، وهي مشهود لها عبر التاريخ مدينة لم تعرف السلب والنهب ، وليس هناك أي تعاطف مع المسلحين من قبل اهالي المسيب».

«الشرق الاوسط» كانت داخل العمليات التي نفذتها القوات العراقية والاميركية وقد شهدت الاحداث المسلحة هناك، وكان الاهالي هم اكثر من يعاني من وجود هؤلاء المسلحين ويأملون من الحكومة تخليصهم من هذه الاوضاع . في الاتجاه الآخر في منطقة جرف الصخر وعند المفرق المؤدي الى الفلوجة وكربلاء كانت سيطرة عسكرية بانتظار عودة مجموعة المداهمة كانت حصيلتها القبض على ثلاثة عناصر لكن الاشارة الواضحة لنشاط المسلحين في ذلك الشارع الذي تلاشت اطرافه بسبب زرع العبوات الناسفة وما تلحقه من اضرار عليه . المزارع محمد عريمش من سكنة جرف الصخر قال «نحن نبحث عن الامان في منطقتنا التي يتخذ المسلحون منها قاعدة لانطلاقهم لان المنطقة مفتوحة ووعرة»، فيما رحب الحاج عزيز بوجود القوات العراقية والقوات متعددة الجنسيات لدورها في حفظ الامن ، وقال عجوز طلب عدم الكشف عن اسمه «ان القوات الاميركية تبحث عن المعلومات من خلال علاقتها ببعض السكان وتتردد عليهم لكن هؤلاء يلقون حتفهم على ايدي المسلحين عندما يتردد الاميركان اكثر من مرة على هؤلاء»، واشار الى ان القوات العراقية والاميركية تستخدم العنف المفرط وتعتقل العديد من الناس وهم ابرياء وهنالك عوائل خالية من الرجال بسبب القبض عليهم ، والكل يتحدث عن المنطقة وكأن الاهالي يصدرون الارهاب . وفي قاطع العمليات المتقدم التقينا مع المقدم محمد سلمان المحاويلي قائد العمليات العسكرية والذي فقد والده وشقيقه على ايدي المسلحين انتقاما منه ، اوجز لنا حصيلة عمله قائلا «تم القبض على 12 مسلحا اعترفوا بجرائم قتل ، وعثرنا على مستودع كبير للاسلحة في منطقة الحامية لتصنيع العبوات والسيارات المفخخة حيث ضبطنا 1500 عبوة ناسفة»، واضاف قائلا ان «المسلحين اعترفوا بالتمويل من الخارج ، ونحن عازمون على القضاء على العنف والارهاب حيث يتعاون معنا شيوخ العشائر في جرف الصخر ومنهم شخصيات عسكرية كبيرة خدمت بكفاءة في الجيش العراقي في السابق وهم يتفهمون ان ما يحدث ليس عمليات مقاومة ، وتم القبض على اربعة عناصر من الرؤوس المدبرة مع اسلحتهم ولم نكشف عنهم خشية هرب الاخرين ، ونتيجة ضغطنا عليهم ذهبوا الى الدورة جنوب بغداد ، لقد وضعنا خطة محكمة حيث تمت 40 عملية انزال في الحصوة واللطيفية والاسكندرية والميلحة تم خلالها القبض على 850 مسلحا خلال سنة ونصف السنة والكشف عن 25 مستودعا».

ويضيف قائلا «احد المسلحين الذين قبضنا عليهم اعترف باختطافه ابنة ما يسمى بـ«الامير» الذي يقودهم ويأتمرون بأوامره وقام باغتصابها ثم قتلها ، ونحن لا نريد التشهير وفضح الاسماء ، لكن ماذا سيقول «الامير» بعد ان يعرف الحقيقة ، هل هذا العمل مقاومة ؟ ، كما القينا القبض على من قام باختطاف الفرنسيين والروس». الميجر جيبسن، من قوات المارينز، اطلعنا على مجموعة من الذخائر والاسلحة والهاونات والراجمات الثنائية والرباعية وهي مصنعة محليا ، قال «ان تصنيع هذه الاسلحة بهذا الشكل يدل على خبرة كبيرة» ويضيف «حاولنا قدر الامكان ان يكون منتسبو مراكز الشرطة من نفس اهالي المنطقة ، لكن الذي حدث تم تفجير المراكز بالكامل وقتل المنتسبين ، ومقاول قام بترميم وتأهيل المركز الصحي في جرف الصخر من اجل الخدمة الصحية للاهالي فتعرض للقتل». في اليوم التالي من رحلتنا الى مثلث الموت تم الاعلان عن العثور على مستودع كبير عبارة عن خزانات بلاستيكية كبيرة مملوءة بالاسلحة والقنابل والعتاد ومدفونه تحت ارض مزروعة لأغراض التمويه بين منطقة الحامية وجرف الصخر ، وفي مساء ذلك اليوم كانت دورية للجيش الاميركي تمر باتجاه جرف الصخر وقرب الجسر المؤدي الى مخازن الجيش العراقي السابق لاحظت الدورية ان هنالك شخصين يهربان ليلا وبعد تطويقهما والقبض عليهما تم اقتيادهما الى المكان الذي هربا منه ليكتشف جنود الدورية ان هناك اربع قنابل يدوية مربوطة معا واسلاكا وكمية من الديناميت وعُدداً يدوية وبالقرب منها صاروخ كبير جدا لم يستطع ثمانية اشخاص حمله ، ادعى الشخصان انهما لا يعرفان شيئا عنها ، فتم اعتقالهما واحالتهما الى مركز الشرطة . كانت عملية «البرق» الامنية قد بدأت بينما انتهت رحلتنا الصحافية الى مثلث مشحون بالمتفجرات ومخازن الاسلحة وبعناصر امتهنت القتل والترويع والاختطاف.