شكوك وعدم ثقة متبادلة بين الجنود الأميركيين والعراقيين في العمليات العسكرية المشتركة

حاجز اللغة والتباين بين الثقافات يضاعف المشكلة

TT

كان الجنود العراقيون يرددون أهازيج ثناء للرئيس المخلوع صدام حسين قبل بدئهم لمهمة عسكرية: «نحن عشنا في ذل منذ ذهابك» غنى أحدهم بالعربية بينما غنى آخر على مسمع بعض الجنود الأميركيين «نحن كنا نأمل أن نقضي العمر معك».

لكن الجنود العراقيين كانوا لا يعرفون أين هم ذاهبون. فقد اعتبرت القيادة العسكرية الأميركية أن المهمة العسكرية أساسية لتقدم العراق لكنها أبقت الهدف والموقع سرا خوفا من أن يقوم بعض العراقيين بتسريب معلومات للمتمردين.

وقال العريف ريك ماكْغوفرن ، 37 سنة، والذي يرأس عمليات التدريب ضمن فصيلة تشارلي «نحن لا نستطيع أن نخبر هؤلاء الرجال بتفاصيل كثيرة لأننا لا نعرف حقا من هو الجيد ومن هو السيئ».

ويعتبر إعادة بناء قوات الأمن العراقية شرطا مسبقا لأي انسحاب أميركي من العراق. لكن مع الإفراط في مدح إدارة بوش للتقدم المتحقق في بناء الجيش العراقي الجديد، يكشف مشروع بيجي، بلدة النفط الاستراتيجية الواقعة عند نقطة تقاطع طرق في شمال العراق، التحديات الهائلة التي تواجه عملية إعادة تشكيل جيش من الصفر وسط تمرد شديد الدموية.

وكانت فصيلة تشارلي قد تفككت بعد مقتل قائدها في انفجار سيارة مفخخة وهدد أعضاء تلك الوحدة بالانسحاب الجماعي هذا الأسبوع حول الشكاوى التي تتراوح بين ظروف العيش الكئيبة وتهديدات المتمردين، فعبر حاجز ثقافي واسع تصبح اللغة واحدا من العوائق. وقال الجنود العراقيون المزودون بعتاد فقير والمجلوبون من أوساط عربية سنية ، إنهم غير متأكدين لأي غرض هم يقاتلون. واشتكوا بمرارة من أن مدربيهم الأميركيين لا يحترمونهم.

والحقيقة هي أن الأميركيين فعلا لا يكنون احتراما لنظرائهم العراقيين: فهم يضعون علامة استفهام على مدى شجاعتهم وانضباطهم وإخلاصهم، وهم يتساءلون إن كانوا حقا قادرين على القتال لوحدهم وإنهم لن يصلوا إلى الهدف الذي وضعته القيادة العسكرية الأميركية من أن يكونوا قادرين على خوض عمليات عسكرية لوحدهم عند حلول الخريف المقبل.

وقال الملازم الأول كنريك كاتو، 34 سنة، والذي يحتل موقع الضابط التنفيذي لفصيلة ماكغوفرن «أنا أعرف الخط المتبع من قبل وزارة الدفاع والجنرالات والرئيس بوش ودونالد رامسفيلد: العراقيون سيكونون مستعدين خلال فترة زمنية محددة. لكن من التجربة أستطيع القول إنني متأكد من أنهم لن يكونوا مستعدين عند مغادرتي العراق. وأنا أعرف أنني سأعود إلى العراق ربما خلال ثلاث أو أربع سنوات وأنا لا أظن أنهم سيكونون مستعدين حتى آنذاك». وكان كاتو قد باع أسهمه في شركة خاصة ببنك معلومات لينضم إلى الجيش بدوام كامل بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001.

من جانبه قال الجندي العراقي عمار المانع ، 27 سنة، والذي كشطت جبهته نتيجة هجوم قام به المتمردون في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي «لا نريد أن نحمل مسؤولية نحن لا نريدها. هنا. لا مجال أبدا. فالوضع القائم حاليا يجعلنا غير مستعدين لتسلم المسؤولية حتى بعد ألف عام».

لكن الميجور جنرال جوزف تالوتو قائد فرقة المشاة الثانية والأربعين التي تشرف على شمال ووسط العراق، بما فيه بلدة بيجي، قال: إن القوات العراقية «في تحسن وتقدم». واعترف أن العراقيين عانوا من نقص في العدة وفي العدد وتوقع أنه سيكون على الأقل في منطقته ستتمكن الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها في جعل الوحدات العراقية تعمل بشكل مستقل قبل انتهاء الخريف المقبل. بشكل عام فإن عدد الجنود والشرطة العراقيين المدربين والمزودين بالسلاح أكثر من 169 ألف شخص، حسب إحصائيات القيادة العسكرية الأميركية التي قالت أيضا إن هناك 107 كتائب عمليات عسكرية وعمليات خاصة. لكن بالنسبة للشهر الماضي حدد المسؤولون العسكريون الأميركيون والعراقيون توفر ثلاثة كتائب قادرة على العمل بشكل مستقل.

وقضى مراسلان من واشنطن بوست ثلاثة أيام وهما يتنقلان مع الأميركيين والعراقيين بشكل منفصل. وتم اختيار الوحدة العراقية من قبل الأميركيين. وكشفت الرحلة فروقا كبيرة قد لا تكون قابلة على التجاوز حول كل شيء ، ابتداء من تقاعس الجنود المسلمين عن تفتيش المساجد والمنازل، إلى الأمور الأولية المتعلقة بنمط العيش. ففي بداية هذا العام ، على سبيل المثال استورد الأميركيون مرافق صحية متنقلة على الطراز الغربي لكن العراقيين المعتادين على مرافق أخرى اعترضوا على ذلك. وفي محاولة لإزالة الفروق وضعت القيادة العسكرية رسوما تشرح الاستخدام المناسب لهذه المرافق.

وجاء تزايد الاختلافات مترافقا مع تصاعد أعمال العنف منذ انتخابات 30 يناير(كانون الثاني) التشريعية حيث جعل القادة العسكريون الأميركيون الأولوية لتدريب القوات العراقية. وفي منطقة تالوتو فجر المتمردون خمس سيارات مفخخة في فبراير(شباط) الماضي لكن في مايو ( ايار) الماضي زاد هذا العدد إلى 35 سيارة. وخلال تلك الفترة زرعت 1150 قنبلة على جوانب الطرق حسب إحصائيات الفرقة.

وفي الأسبوع الماضي قامت سرية فصيلة ألفا الأولى مع عراقيين من الفصيلة الثانية وجنود من فصيلة تشارلي بالصعود إلى عرباتهم. كان الأميركيون في مصفحات كاملة الدروع من نوع هومفي بينما العراقيون صعدوا في عربات على أطرافها شدت مصطبات للتقليل من تأثير انفجار القنابل المزروعة على حافات الطرق ولم تكن هذه الإجراءات لتزيد عن استخدام السترات الواقية.

وقام أحد الصحافيين بالصعود مع العراقيين وعندها برزت الدهشة على وجوه الجنود الأميركيين مع خوف عليه. قال أحد الجنود للمراسل: «قد تعود إلى البلد لوحدك». وقال آخر «هل هو سيجلس في خلفية تلك العربة.. أنا سأصلي له من هنا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»