لاجئو دارفور يفقدون الأمل.. بدأوا يشيّدون منازل بدل الخيم

«الشرق الاوسط» تزور مخيمات اللاجئين في غرب السودان.. والسكان يطالبون باللجوء إلى بلد آخر لانعدام الأمن داخل المخيمات

TT

حناجر النازحين كانت تصدح بصوت عال لحظة دخولنا مخيم كالما للاجئين في مدينة نيالا باقليم دارفور، وتواصلت هتافاتهم طوال الساعات الاربع التي أمضيناها داخل المخيم حتى مغادرتنا له: «نريد قوات دولية».. «لا للإبادة الجماعية».. «لا للاغتصاب».. «لا للجنجويد داخل المخيم»، وذلك في إشارة واضحة الى القوات الحكومية التي كانت مرابطة داخل المخيم. واقترح احد ضباط القوات الإفريقية أن تنسحب القوات الحكومية إلى خارج المخيم تجنباً لاحتمال حصول صدامات بين القوات الحكومية والنازحين أثناء وجود وفد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، الذي كانت «الشرق الأوسط» احد ضيوفه في الرحلة التي انطلقت من مقر الاتحاد في اديس ابابا.

بعد مرور عامين من بداية الحرب الدموية التي اندلعت في اقليم دارفور توجهت أنظار المجتمع الدولي مجدداً الى هذا الاقليم المضطرب الواقع غرب السودان. وذلك في محاولة لحل المشكلة بأسرع وقت ممكن بالطرق السياسية. وجاء ذلك بعدما وصل عدد النازحين واللاجئين في هذه الولاية الى ما يقارب مليونين من سكان الاقليم الذين فقدوا ابسط حقوقهم الانسانية.

ليس فقط الخوف من المستقبل الغامض، وإنما الرعب والذعر اللذان رأيناهما على وجوه الآلاف من النازحين فور وصولنا إلى مخيم كالما في مدينة نيالا، وهو اكبر مخيم في دارفور للنازحين ويقيم فيه أكثر من 150 ألف نازح منذ أبريل (نيسان) 2003. القوات الإفريقية منتشرة في المخيم لحماية النازحين. مفوض مجلس السلم والأمن في الاتحاد الافريقي سعيد جنيت الذي كان يرأس وفد الاتحاد الى المنطقة أكد لنا أن الاتحاد يعمل على توفير الحماية اللازمة بما لديه من إمكانات في كل المخيمات بدارفور، وأن أعداداً كبيرة من القوات والشرطة الإفريقية ستصل قبل نهاية الشهر الجاري إلى دارفور.

عرض أعيان يمثلون النازحين مشاكل سكان المخيم أمام جنيت، فتحدثوا عن عدم توفير الغذاء الكافي لهم والنقص في المياه. لكنهم شددوا على قضايا الأمن، وتحدث عدد منهم عن اعتداءات بالضرب والقتل من قبل القوات الحكومية وعن وحالات اغتصاب مستمرة. طالب الاعيان وبإصرار من الاتحاد الإفريقي أن يساعدهم للجوء إلى بلد آخر في حال عدم تمكنه من توفير الحماية اللازمة التي يتعرض لها النازحون يومياً من قبل القوات الحكومية ومليشيات الجنجويد المسلحة.

ما رأيته في أعين النازحين يفوق الوصف، قسمات وجوههم تعبر عن غضب جام، يتحدثون عن امل مفقود وانعدام ثقتهم بجهة من كثرة الوعود الكثيرة التي يسمعونها من كل مسؤول عربي او افريقي او غربي يزور مخيماتهم، بل فقدوا الأمل بالإعلاميين الذين لا يفكرون سوى بسبق صحافي، على حد تعبير كثير من النازحين. عدد من مسؤولي منظمات الاغاثة لا يستبعد حلول مجاعة قريباً تهدد حياة النازحين إذا لم تجد حكومة الخرطوم الحل المناسب والسريع للمشكلة بالتعاون المستمر مع الجهات المعنية والمهتمة بالأمر.

بعض الأسباب الرئيسية للصراع في دارفور يلخصها احد اعيان مخيم كالما بعوامل عدة ابرزها النزاع على ملكية الأرض والانتماءات القبلية والتداخلات بين القبائل الحدودية وانتشار الأسلحة (النزاعات في تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان) وعمليات النهب المسلح والتنافس على سلطات الإدارة الأهلية والتدخلات الخارجية في المشكلة.

في مخيم زمزم، الذي يبعد حوالي 20 كيلومتراً من مدينة الفاشر، يقيم حوالي 30 ألف نازح. ويبدو وضع سكانه افضل مما كان عليه عندما زرتهم قبل حوالي تسعة أشهر. لكن المشكلة الامنية ما تزال على لسان كل الذين تحدثت اليهم في هذا المخيم.

يقول احمد حسين ،34 عاماً، :«لا نعلم من يحمي من ومن يعتدي على من، ولكن في نهاية المطاف نحن الضحية ونحن من يعاني ومن يقاسي من عملية الاشتباك بين القوات الحكومية والمتمردين... شبح الجنجويد يطارد الكثيرين هنا... نحن لا نتحدث عن نقص في الغذاء أو الماء في المخيم ولكن ما نريده هو أهم من ذلك.. الأمن والاستقرار، من واجب الحكومة أن توفر ذلك من اجل أن نتمكن من العودة إلى ديارنا في أسرع وقت ممكن ونعتبر ذلك حقا من حقوق أي مواطن سوداني».

مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي سعيد جنيت تحدث عن اتصالات أجراها مع حركتي «تحرير السودان» و«العدل والمساواة» اللتين تعهدتا بالمشاركة في المحادثات مع الحكومة المقرر ان تستأنف في أبوجا غداً (الجمعة). وقال «على أصحاب الشأن، الحكومة وحركتي التمرد، أن يعملوا بجدية من أجل التوصل إلى حل سلمي للمشكلة» معربا عن قلقه إزاء سوء الأوضاع الإنسانية التي وصفها بأنها غير مطمئنة. وقال «نحن نعمل بكل ما لدينا من إمكانية على حل مشكلة دارفور التي نعتبرها مشكلة كل أفريقي ولا يمكن أن نترك القضية لغير الأفارقة أن يحلوا مشاكلنا.. قوات الاتحاد الإفريقي المنتشرة في الاقليم لن تسمح لأي جهة بعرقلة عمليات الإغاثة للنازحين في المعسكرات المختلفة. لمسنا بعض التقدم خلال الأشهر القليلة الماضية وعلينا مواصلة الضغط على طرفي النزاع من أجل التوصل إلى حل سريع وعاجل يضمن عودة الناس إلى قراهم وممارسة حياتهم الطبيعية».

أما حالة النازحين في مخيم ابو شوك الذي يبعد عن مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور بحوالي خمسة كيلومترات، فهي افضل بكثير من المعسكرات الأخرى لقربه الجغرافي من مدينة الفاشر. واللافت في هذا المخيم، مقارنة بزيارتي الأخيرة له، أن النازحين يبدون وكأنهم يتأقلمون على حياتهم داخل هذا المخيم وباتوا يشيدون منازل وأسوارا من الطوب الأحمر وكأنهم متأكدون أن الفرج لحل مشكلتهم ليس بالقريب وعليهم أن يحتاطوا، خصوصاً أن موسم الأمطار على الأبواب ولا يمكن للخيم البلاستيكية أن تحميهم.

مدير مخيم ابوشوك، الفاتح عبد العزيز عبد النبي، قال إن عدد النازحين في هذا المخيم ارتفع إلى 70 ألف نازح منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد الاشتباكات التي حصلت في منطقة الطويلة بعد أن كان عدد النازحين 40 ألفاً فقط. صادف وجودنا في المنطقة زيارة وفد أميركي برئاسة نائب وزيرة الخارجية، روبرت زوليك، كما كان في المنطقة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. والتقى الاطراف الثلاثة، الاميركي والافريقي والعربي، في مقر القوات الإفريقية بالفاشر واتفقوا على ضرورة التعاون المستمر لحل المشكلة في دارفور.. لكن ابناء المخيمات باتوا لا يثقون بأي اتفاق او أي وعد.. يعيشون في المخيمات وكأنها صارت أمراً واقعاً.. باتت منازلهم وقراهم الجديدة.