الأردن يراجع المناهج الدراسية الدينية للتأكيد على قيم الانفتاح ومحاربة التطرف

TT

وفقا للمعايير الشرق أوسطية، تعتبر الكتب المدرسية الأردنية خالية نسبيا من الكلام المتشدد، ولكن بعض الكتب المستخدمة لتدريس الثقافة الاسلامية، تحتوي الكلام عن المؤامرات الشريرة. فهناك المؤامرة الغربية الرامية الى تقسيم العالم الاسلامي. وهناك اليهود الساعون الى تدمير الإسلام. ولكن اذا ما وجدت لجنة تراجع المناهج الاسلامية للبلد طريقها الى العمل، فإن مثل هذه الأحاديث، على قلتها في الشكل الحالي، يحتمل أن تصبح جزءا من التاريخ. ويسعى التربويون، في مواجهة التطرف المتزايد والمخاطر الأمنية المتصاعدة، الى تجديد المناهج الدراسية الدينية، من أجل ايجاد نمط تفكير أكثر عمقا وانفتاحا.

وتسعى هذه الجهود الى حماية الشباب الأردنيين من التطرف، على الرغم من أن بعض النقاد، يتذمرون من أن ذلك في الواقع مسعى لمعالجة ضغط أجنبي، وخصوصا من جانب الولايات المتحدة، التي بات الأردن يعتمد عليها بصورة متزايدة.

وقال وزير التعليم الأردني خالد طوقان: «نريد أن ننشئ شبابا متنورين، نريد منهم ان يكونوا عميقي التفكير بشأن ما يقومون به، ونثقفهم بأن العنف من أجل العنف هو ضد ديننا».

وتجري إعادة كتابة الكتب المدرسية وإعادة تقييم المناهج وتغيير أساليب التدريس. وهذا المشروع هو جزء من إعادة تقييم أوسع للمناهج المدرسية في الأردن، تهدف الى تحديث نظام التعليم في الأردن، وجعل الخريجين يتمتعون بالقدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي. ويسمي التربويون ورجال الدين المعنيون بالعمل، هذا الجهد «تحسينا» وليس إصلاحا، ساعين إلى إبعاد انفسهم عن الجهود السياسية الأوسع كثيرا، والتي ينظر اليها باعتبارها مدفوعة بقوى أجنبية.

ويتفق كل أعضاء لجنة تحسين المناهج الاسلامية تقريبا، على أن أفضل سبيل للرد على مد التطرف، يمر عبر وصف الاسلام باعتباره «دينا منفتحا»، وتشجيع الطلاب على ان يكونوا أكثر تقبلا للأفكار الجديدة، وفي الوقت نفسه تعزيز فهمهم للاسلام. وقال عبد الناصر أبو البصل مدير معهد القانون الاسلامي في جامعة اليرموك بالأردن وعضو لجنة اعادة التقييم، انه «اذا كان هناك نقص في التعليم الجيد في الأساسيات، فإن ذلك يشجع على التشوش والارتباك. فالتعليم هو، في خاتمة المطاف، الحل للتزمت».

والتربية الاسلامية هنا هي درس واحد من كثير من الدروس اليومية. وعلى الرغم من ان الجوامع، الخاضعة لضوابط صارمة، تدرس الدين في صفوف خاصة في المساء، وفي عطلة نهاية الأسبوع، فإن وزارة التعليم تبقى مسيطرة سيطرة تامة على المناهج الدينية في المدارس، وكل التلاميذ يتلقون تعليمهم من الكتب المدرسية للوزارة.

غير أن المناهج الحالية أصبحت قديمة وفقا لما ذكره أبو البصل،. وأضاف أن تقليد التفكير الحر، وهو من سمات الاسلام البارزة قبل مئات السنين، قد أصابه الخفوت. وفي الوقت نفسه فإن الشباب العرب يواجهون الاضطهاد والصراع يوميا على شاشات تلفزيوناتهم وعلى الإنترنت، ويكبح المتطرفون جماح غضبهم باسم الاسلام.

ويهدف المنهج الجديد، الى التحفيز على مناقشات حرة وتشجيع الطلاب على توجيه الأسئلة التي كانت محرمة حول الديمقراطية، وحقوق الانسان ومواضيع أخرى. ويقول الباحثون، إن المنهج الجديد يسعى الى دفع الطلاب نحو الحلول السلمية لمشكلات المنطقة الصعبة. وقال عادل الرواشدة، الذي يشرف على المناهج الاسلامية في كلية العلوم الاسلامية بعمان «يريد المرء أن يظهر ان الحل السلمي، هو دائما أفضل من الحل العسكري». ويتوقع الأعضاء ان يستغرق مشروع إعادة التقييم حوالي أربع سنوات، ولكن التوصيات التي قدمت أخيرا هي أبعد أثرا.

ويقول أعضاء اللجنة، إنه بالنسبة للأردن، الذي اقام علاقات دبلوماسية مع اسرائيل عام 1994، تعتبر مناقشة الأفكار الديمقراطية في ظل الاسلام أمرا واردا، والحديث عن «العدو الاسرائيلي» غير وارد. ويجري تأكيد قيم العمل الاسلامي والكفاح من أجل التقدم. ويتم الابتعاد عن مناقشة الارتداد عن الدين لتجنب تشجيع العداء لغير المؤمنين. والمقاومة غير العنفية واردة، كما هو حال احترام الأقليات غير الاسلامية، وفقا لما قاله حسن السقاف الباحث الاسلامي في اللجنة.

والجزء الأكثر إثارة للجدل في إعادة التقييم، هو كيفية التعامل مع موضوع الجهاد. فالكتب المدرسية الأردنية الحالية تصفه باعتباره صراعا داخل نفس الانسان من أجل التطهير، وكصراع مسلح لمقاومة الاضطهاد والدفاع عن الاسلام. ويستخدم المتطرفون التعبير ليعني «الحرب المقدسة»، ولكن الباحثين والتربويين يصرون على أن ذلك غير صحيح. وسعى بعض مؤيدي التغيير هنا، الى تجنب الموضوع كلية، ولكن آخرين يقاومون. وقال السيد أبو البصل إن ازالة قضية الجهاد من الكتب، ستلغي مصداقية المشروع بأسره.

وقال عدنان الحصونة، أحد اعضاء المعارضة الأردنية ورئيس لجنة التعليم في البرلمان، ان «هناك هجوما على المناهج، وأثق بأنه مدفوع من قبل الأميركيين. نحن منفتحون على التحسينات، ولكننا لا نريد أن نفقد هويتنا الأساسية».

وأكدت السلطات التربوية والدينية المعنية بالمشروع، على أن مشروعها هو حل وطني لمشكلة محلية. وتقول مصادر دبلوماسية أميركية في عمان انهم لا يتدخلون في الشؤون الدينية، مضيفين ان كل التغييرات في المناهج هي جزء من حملة واسعة مع اليونسكو، لجعل الخريجين الأردنيين أكثر قدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي.

ويستفيد جهد إعادة التقييم من الكثير من الجهود السابقة. فقد عملت جامعة آل البيت على ربط الدراسات الاسلامية بطائفة من الميادين مثل الكيمياء والعمارة والعلوم السياسية، في محاولة لخلق باحث اسلامي اكثر توازنا. وفي الوقت الحالي تضم هذه الجامعة، التي فتحت أبوابها منذ ما يزيد على 10 سنوات، حوالي 500.14 طالبا، بينهم طلاب من 31 بلدا، لدراسة اللغات والانسانيات والعلوم. وكانت مشاريع مشابهة قد نفذت في العراق ايضا في ثلاثينات القرن الماضي، وفي المغرب وأجزاء أخرى من العالم الاسلامي، للتشجيع على تخريج باحثين مسلمين أكثر توازنا.