الغموض ما زال يلف مصير الآثار العراقية المسروقة

TT

بغداد ـ ا.ف. ب: يعترف خبراء الاثار بأنهم ما زالوا يجهلون كل شيء عن مصير الاف القطع الاثرية، التي نهبت بشكل منظم من المواقع الاثرية العراقية، خصوصا في جنوب العراق، حيث عمليات النهب مستمرة منذ سقوط النظام العراقي السابق.

وقالت عالمة الاثار الاميركية اليزابيث ستون، التي امضت سنوات في التنقيب الى الجنوب من بغداد، «نشر في الآونة الاخيرة مقال يفيد بان قطعا اثرية تفوق قيمتها مليار دينار عراقي (حوالي 565 الف يورو)، نقلت الى سورية بشكل سري.. هذه معلومات لا معنى لها لاننا ببساطة لا نعرف تماما ماذا فقد من هذه الاثار». واعربت العالمة الاميركية عن الاسف «للانعدام» الكامل للمعلومات بشأن القطع المسروقة.

من جهة اخرى لاحظ ستيث ريتشاردسون من المعهد الشرقي في شيكاغو ان «المسروقات لم تظهر بعد، والسارقون لم يقرروا بعد الاتجار بها». واضاف ريتشاردسون «علينا ان ننتظر على الارجح اربع او خمس سنوات حتى تظهر هذه القطع، وهي قد تظهر في اي مكان في لندن او نيويورك او جنيف او طوكيو».

ولكن يبدو ان هناك شيئا واحدا يمكن تأكيده، هو المدى الكبير لعمليات النهب، الذي تدل عليه الصور الملتقطة بالاقمار الصناعية للمواقع الاثرية، التي باتت تشبه اليوم لوحة للشطرنج تملأها المربعات المحفورة الفارغة. وعلى الارض يؤكد عبد الامير الحمداني، مسؤول الاثار في محافظة ذي قار، حيث اشهر المواقع الاثرية في بلاد الرافدين، انه قرر ان يتعقب القطع المسروقة ويقول «لم اعد عالم اثار.. بل صرت شرطيا». ويشير الحمداني الى انه كلف احد الذين شاركوا في عمليات النهب قبل ان يتحول الى مخبر بمهمة محددة، هي التعرف على الاثار المسروقة وتحديد مساكن المتاجرين بها. ويضيف ان افراد عناصر الشرطة الايطالية العاملين في جنوب العراق يتدخلون بعد ورود مثل هذه المعلومات ويقومون بمداهمة الامكنة المحددة متنكرين بزي البدو، وقد نجحوا حتى الان في العديد من العمليات.

ويوضح الحمداني ان تجار ومهربي القطع المسروقة يكثرون بصورة خاصة في بلدة الفجر على بعد 300 كلم الى الجنوب من بغداد، حيث تم التعرف على قرابة ستين منزلا للمهربين وتجار الاثار المسروقة. ويعرض الحمداني صورا للقطع الاثرية التي تمت مصادرتها، وبينها تماثيل سومرية وقطع نقدية ومجوهرات ذهبية واوان عليها كتابات بالارامية. ويقول «لا اعرف القيمة التي كان السارقون والمهربون يطلبونها لهذه المسروقات، لكنها بالنسبة لي لا تقدر بثمن». الا ان عالم الاثار العراقي يشكو من ناحية اخرى من ان المهربين لا يواجهون «ما يكفي» من العقوبات، التي يواجهها المهربون عادة ولا تتعدى العقوبات السجن لسنتين او ثلاث، بينما يجب ان تكون في رأيه «عشر سنوات او اكثر». وتشرح اليزابيث ستون من جانبها قائلة، ان سكان المنطقة يتاجرون بالاثار منذ اجيال، والفوضى التي تعم المنطقة منذ عامين، اضافة الى الطلب الكبير على الاثار في اليابان واسرائيل، كانت عاملا مشجعا على الاستمرار في هذه التجارة المربحة. وتضيف «لدى بعض العائلات مخازن مليئة بالقطع الاثرية». ويشير دوني جورج، مدير متحف بغداد، الى ان الارباح في هذا القطاع هائلة والقطعة التي تباع بخمسين دولارا في بغداد من قبل احد المزارعين، يمكن ان تصل قيمتها الى 200 او 300 الف دولار في نيويورك. ويقول «الامر المرعب ان تصل المسروقات الى جامعي التحف فيتم اخفاؤها لفترات طويلة».

ويساهم في اشعال الاسعار كذلك، الهواة الغربيون الذين يشترون القطع وهم في معظمهم لا يتمتعون بأي خبرة، وغالبا ما يقعون، وفق دوني جورج، ضحية التجار والمهربين، وقد يدفع احدهم 80 الف دولار ثمنا لقطعة لا تساوي شيئا. يشار الى ان هناك 800 موقع تحيط بمدينة الناصرية (375 كلم جنوب بغداد)، وهي من ضمن 12 الف موقع اثري في العراق لا يشرف على حمايتها سوى 200 عنصر من القوات الخاصة، التي اوكلت اليها الحكومة العراقية المحافظة على اهم كنوز العالم الاثرية.