«حافلات السلام» بين شطري كشمير تتحول إلى «حافلات للموت»

خريطة الجماعات المسلحة الناشطة في الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان

TT

يقول سكان في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير في اقليم الهيمالايا، إن «حافلات السلام» التي انطلقت للمرة الاولى بين شطري كشمير الهندي والباكستاني في ابريل (نيسان) الماضي، صارت «حافلات الموت».

فمنذ انطلاق هذه الحافلات بين سرينغار (الهند) ومظفر أباد (باكستان) بهدف تعزيز السلام بين البلدين، تضاعفت عمليات العنف المسلح التي ينفذها مسلحون متشددون، بعضهم يطالب بانفصال كشمير عن الهند وآخرون يطالبون باستقلالها عن كل من باكستان والهند.

وكان التمرد الذي بدأ كانتفاضة شعبية وطنية ضد الإدارة الهندية اقليم كشمير عام 1989، شهد تحولاً كبيراً خلال السنوات الـ15 الماضية. فالتوجه السياسي الحالي وسط الجماعات المسلحة في كشمير بات موالياً لباكستان مع تركيز اكبر على الجانب الديني، ويعتبر ذلك تحولاً جذرياً من الخط الايديولوجي الوطني العلماني السابق لهذه الجماعات، الى منحى سياسي اكثر انجذاباً الى الدين.

وبدا هذا التوجه اكثر وضوحاً مع الخطوات السلمية الاخيرة بين الهند وباكستان، والتي لم ترض معظم الجماعات المسلحة التي تقود نزاعا مسلحا ضد القوات الهندية في كشمير. الى جانب ذلك، فإن التهديدات المستمرة لخط الباص الذي بدأ تسييره قبل نحو اربعة شهور بين كشمير المقسمة، دليل آخر على ذلك.

ومن المعروف أن باكستان اصبحت بعد تفجيرات 11 سبتمبر (ايلول) في الولايات المتحدة، حليفاً اساسياً للولايات المتحدة ضد الارهاب في شبه القارة الهندية، ومنعت العديد من الجماعات التي تحمل افكاراً متشددة من ممارسة أي نشاط داخل اراضيها.

وترجع بدايات نشاطات المتطرفين الى فترة ما بعد العام 1986، وتحديداً عندما أثارت اتهامات بتزوير الانتخابات غضب العديد من الشبان الكشميريين، وعبر هؤلاء الشبان «الخط الاخضر» الفاصل بين القطاعين الهندي والباكستاني بحثا عن السلاح والتدريب في الجزء الباكستاني من الاقليم. وتردد أن جهاز الاستخبارات الباكستاني تولى التنسيق مع «جبهة تحرير جامو وكشمير»، وهي اكبر الجماعات المتطرفة، لتأسيس شبكة لتجنيد مزيد من الشباب الكشميري وتشجيعهم على عبور الخط الفاصل من الهند الى باكستان للحصول على السلاح والتدريب. وكانت باكستان تنفي باستمرار الاتهامات بأنها تحتضن المسلحين الذين خاضوا قتالاً ضد الهند في الشطر الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير.

لكن قائد الجيش الباكستاني السابق ميرزا اسلام اعترف اخيراً بأن وزير الاعلام الباكستاني شيخ رشيد احمد كان يدير معسكراً لتدريب المسلحين المناوئين للحكم الهندي في كشمير. ونقلت وكالة الانباء الالمانية (د ب أ) عنه قوله الاربعاء الماضي (15.6): «كنت قائداً للجيش في عام 1991 عندما كان شيخ رشيد يدير معسكراً لتدريب مسلحي كشمير يقع على مسافة 16 كيلومتراً من العاصمة الباكستانية اسلام اباد». وكان الجدل حول شيخ رشيد أثاره بيان صادر عن زعيم «جبهة تحرير جامو وكشمير» ياسين مالك الذي يزور باكستان حالياً، وقال ان الوزير الباكستاني شيخ رشيد كان يدير معسكر تدريب المسلحين في الايام الاولى لحركة تحرير كشمير، وأنه كان يحتفظ بحوالي 3500 فتى في مزرعته لهذا الغرض. وفي السنوات التالية ظهرت مشاكل بين جماعة «جبهة تحرير جامو وكشمير» (التي لم تخف تأييدها لكشمير مستقلة) وباكستان، مما دفع الاخيرة الى سحب دعمها لهذه الجماعة وتشكيل عدد من الجماعات الموالية لإسلام آباد، خصوصاً، «حركة المجاهدين» (1990) و«حركة الانصار» (1992) و«عسكر طيبة» (1993) و«جيش محمد» (2002). وفي ما عدا «حركة المجاهدين»، اتخذت الجماعات الاخرى اسماء جديدة لها. والجماعات الكشميرية المتشددة الاخرى هي «البدر» وجماعة «دوختاران أي ميلات» النسائية المتشددة (بنات الأمة).

و«حركة المجاهدين»، التي تعتبر اكبر الحركات الكشميرية والمؤلفة اساساُ من الكشميريين، تعتبر الجناح العسكري لأكبر الاحزاب الاسلامية السياسية الباكستانية «الجماعة الاسلامية». وتردد انها كانت تمارس نشاطها في افغانستان حتى منتصف التسعينات وتدربت الى جانب «الحزب الاسلامي الافغاني» في افغانستان الى ان سيطرت حركة «طالبان» على السلطة في كابل. وتضم الحركة حاليا حوالي عشرين الف رجل من الكشميريين والاجانب. وتعتبر واحدة من اكثر الجماعات تسلحاً، وتسيطر على 60 في المائة من النشاطات المسلحة في كشمير.

وكشفت مصادر في «حركة المجاهدين» لـ«الشرق الأوسط» ان إسلام آباد طلبت من «الحركة» إجراء محادثات مع الحكومة الهندية مرتين بعد وقت قصير من زيارة الرئيس الباكستاني برويز مشرف للهند الشهر الماضي. وقال مدير شرطة كشمير، الجنرال جويد مقدومي، ان «حركة المجاهدين» تعتبر اخطر مجموعة ويجب مراقبتها باستمرار. لم تعلن مجموعة «عسكر طيبة»، المعروفة بكوادرها الانتحارية، مسؤوليتها عن أي من الهجمات التي وقعت في كشمير. وتعمل هذه المجموعة تحت مظلة «جماعة الدعوة». وأشارت مصادر قريبة الى زعيم الجماعة حافظ محمد سيد، أن الحكومة الباكستانية اقنعته بتقليص حجم ظهوره في الساحة والتوقف عن إصدار البيانات التي ينتقد فيها مساعي السلام الهندية الباكستانية. وفي المقابل حصل سيد على تأكيدات بعدم فرض أي قيود على نشاطات «عسكر طيبة»، بما في ذلك جمع التبرعات وتجنيد العناصر الجهادية وتدريبها. جماعة «جيش محمد»، التي تطلق على نفسها ايضا اسم «خدام الاسلام»، تدعى انها تركز على الدعوة للاسلام والعمل الاجتماعي. ويعتبر زعيم جيش محمد مولانا مسعود أزهر، الذي اضطرت الحكومة الهندية الى اطلاقه في ديسمبر 1999 عقب اختطاف طائرة ركاب هندية، واحد من بين اخطر 20 مطلوباً لدى الهند. أما «حركة المجاهدين» فقد قلصت ايضا نشاطها، وتعمل حاليا تحت اسم «جمعية الأنصار»، ويؤكد مسؤولوها ان لا برامج عسكرية للحركة حالياً. وتزعم الحركة انها لا تعاني من أي شح في المال او في المتطوعين المستعدين للجهاد. وتقول مصادر في الاستخبارات الهندية، انه على الرغم من حظر التبرعات للجهاد، فإن «جماعة الدعوة» (عسكر طيبة سابقا) نجحت في جمع تبرعات بلغت 710 ميلون روبية وما لا يقل عن 1.2 مليون من جلود الأضاحي خلال أيام عيد الاضحى السابق في باكستان، فضلا عن 1.4 مليون روبية من المسلمين الباكستانيين في بريطانيا. كما زعم مصدر في الاستخبارات الباكستانية ان «عسكر طيبة» و«حركة المجاهدين» و«جيش محمد» لم تعد تعمل تحت هذه الأسماء. فقد انشقت جماعة «عسكر طيبة» الى جناحي «المنصورين» و«الناصرين». وعقب حظر الولايات المتحدة نشاطها، تفككت مجموعة «المنصورين» الى «حركة العارفين» و«حركة إنقاذ كشمير» و«أبناء الأمة». وادعت المجموعات الاربع المسؤولية عن الهجمات الاخيرة على محطة استقبال المسافرين بالحافلات عبر كشمير في ابريل (نيسان) الماضي، إضافة الى هجمات على مناطق اخرى في الاقليم. وأضاف سرينيفاسان انه مع ازدياد الاختراق والتسلل فمن المتوقع ان تصعد هذه الجماعات المسلحة أعمال العنف خلال الفترة المقبلة.