رئاسة الاتحاد الأوروبي تعترف: أوروبا في مأزق عميق

تفاصيل فشل قمة بروكسل

TT

عندما ظهر رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر على منصة المؤتمر الصحافي، في مقر المجلس الأوروبي ببروكسل، مع الساعات الأولى من فجر أمس، (الثانية صباحا بالتوقيت المحلي)، لاحظ الجمع الغفير من الصحافيين فشل القمة واضحا على وجه الرجل، الذي تتولى بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي.

وحتى قبل ظهور يونكر ومعه رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، شاهدت الأخير وهو يجذب يونكر من يده قبل خطوتين من إطلالهما أمام الجميع. ووضح أن هناك محاولة من جانب رئيس المفوضية لتهدئة يونكر، والاتفاق على ضبط النفس وعدم مهاجمة أي طرف، خلال المؤتمر الصحافي حتى لا تتفاقم الخلافات داخل المجموعة الاوروبية الموحدة، وهو الأمر الذي حاول رئيس وزراء لوكسمبورغ الحفاظ عليه، ونجح فيه في بعض الاحيان، وخرج عن هدوئه في أحيان أخرى، مستخدما عبارات الاستهجان والاستهزاء، مما وصلت اليه الأمور بين قادة دول الاتحاد الأوروبي، وخشيته على مصير العمل الأوروبي المشترك.

وكما كان متوقعا من القمة، التي تأجلت جلستها الختامية ثلاث مرات، أعلن يونكر فشل القمة في التوصل إلى اتفاق في شأن الموازنة العامة للاتحاد الأوروبي للفترة من 2007 الى 2013، وأرجع السبب في فشل قادة اوروبا لحل الخلاف حول الموازنة العامة للاتحاد، بصورة غير مباشرة الى بريطانيا. وقال: «كنت أتمنى أن تنتهي فترة الرئاسة اللوكسمبورغية للاتحاد الأوروبي مع نهاية الشهر الحالي بالتوصل الى اتفاق، ولكن دول في الاتحاد حالت دون تحقيق ذلك، ووجدنا رغبة بريطانية في تحويل الاتحاد الى سوق تجاري حر، ورغبة فرنسية في تحويل الاتحاد الأوروبي الى اتحاد سياسي». وهنا تحدث رئيس المفوضية الاوروبية قائلا : «بالرغم من الفشل الذي شهدته القمة، في التوصل الى اتفاق على الموازنة، لا يمكن أن ينكر أحد النجاحات والجهود التي قام بها يونكر، وفريق العمل اللوكسمبورغي طوال الشهور الستة». ولمح الى ان الرئاسة والمفوضية، كان لديهما أمل في التوصل الى حل في اللحظات الأخيرة. وخلال أجوبته عن اسئلة الصحافيين قال يونكر «إن أوروبا تواجه الآن أزمة عميقة، ورغم ذلك لا يمكن أن نصل الى درجة من التشاؤم، لدرجة ان تصبح اوروبا بعد هذا الفشل تابعة لأي طرف آخر». وجاء ذلك ردا على سؤال عن مدى امكان أن تصبح أوروبا بعد هذا الفشل والازمات، التي تواجهها تابعة للولايات المتحدة. وأضاف يونكر : «ان أوروبا لديها القدرة كي تنهض مجدداً، بعد هذه الكبوة، وان تواصل مسيرتها وسيستمر العمل الاوروبي المشترك». لكنه لم ينكر، في اجابته عن سؤال آخر، أن الفشل الذي شهدته القمة سيؤثر على سياساتها الخارجية في ملفات عدة، ولكن يقتصر الأمر على القضايا الاوروبية الداخلية. وكان من المقرر أن تنعقد الجلسة الختامية للقمة الثانية ظهر الجمعة، وتأجلت الى السادسة مساء ثم الى الثامنة، ثم اتفق على عقدها في العاشرة والنصف، بعد عشاء عمل تخللته لقاءات ومشاورات بين القادة. وشوهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وهو يغادر مكان الاجتماع ثم عاد بعد 15 دقيقة، وشعر الجميع أن هناك خلافا حادا، واتضح الأمر أكثر عندما خرج أحد أعضاء الوفد البريطاني المشارك في القمة، ليعلن ان الاقتراح اللوكسمبورغي مرفوض، ويتضمن نقاطا غامضة، وأن بريطانيا تتمسك بموقفها، وقابل ذلك خروج الوفد الفرنسي بتصريحات، تشير الى أن فرنسا لن تقدم أي تنازلات، وهناك تصميم على وضع حد للامتيازات التي تحصل عليها بريطانيا، ثم تسربت أنباء حول موافقة معظم الدول الاعضاء، ماعدا اربع دول على اعتماد الموازنة، والدول هي بريطانيا والسويد وهولندا واسبانيا، وان الدول العشر المنضمة حديثا الى الاتحاد، عرضت فكرة التنازل عن نصيب، مما تحصل عليه من الاتحاد لانقاذ الموقف. وعندما تأجلت الجلسة الختامية، تسربت انباء عن محاولة أخيرة يشارك فيها رئيس وزراء لوكسمبورغ ورئيس المفوضية والمستشار الالماني جيرهارد شرودر، ولكن بعد انعقاد المؤتمر الصحافي الختامي بدأت تتضح الامور، وقال يونكر ان بريطانيا ارادت افشال القمة من خلال مطالبتها اعادة النظر في الموازنة. وقال شيراك ان قادة اوروبا كانوا على وشك التوصل الى اتفاق، وحمل بريطانيا مسؤولية الفشل، وانتقد «أنانية عدد من الدول» الأخرى مثل هولندا واسبانيا والسويد.

وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، إن ما حدث يعتبر فرصة للتجديد، ورفض ان يكون هناك اي شعور لدى لندن بالعزلة، بعد فشل التسوية حول الموازنة، قائلا ان تلك التسوية كانت ستكلف بلاده 18 مليار يورو خلال الفترة من 2007 الى 2013، وأعلن عزمه فتح نقاش جديد حول أوروبا خلال الرئاسة البريطانية، المقرر ان تبدأ مطلع الشهر المقبل. ومن خلال نظرة سريعة على الاحداث التي شهدتها القمة نرى ان دول مثل هولندا واسبانيا والسويد، تعتبر ان مساهماتها في الميزانية العامة اكبر مما تستفيد منه من عائدات الموازنة عليها. وقدمت تلك الدول خدمة الى الموقف البريطاني الذي رفض الموازنة وكذلك الحل الذي قدمته لوكسميورغ، انطلاقا من انها ستؤدي الى تقليص الخصم، الذي تحصل عليه منذ عام 1984، وانتقدت السياسة الزراعية والانفاق عليها. ولكن فرنسا وجدت ضرورة ان يتم وضع حد للامتيازات التي تحصل عليها بريطانيا، وانتهى الامر في النهاية بالفشل، واصبحت اوروبا في ازمة عميقة، كما قال يونكر وان الانقسامات والخلافات ستتسع بين الدول الاعضاء، ويضاف فشل جديد وانتكاسات جديدة للعمل الاوروبي المشترك، عقب اللطمة القوية، التي تعرض لها من خلال رفض الناخب الاوروبي في فرنسا وهولندا للدستور الاوروبي، واضطر القادة خلال القمة الى تأجيل التصديق على الدستور في باقي دول الاتحاد، تفاديا لأي رفض جديد يزيد الأمور تعقيدا. شيراك: أوروبا تشهد «أزمة خطرة» وبريطانيا مسؤولة عنها

* بروكسل ـ ا.ف.ب: صرح الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليل الجمعة / السبت بأن «أوروبا تشهد أزمة خطرة»، محملا بريطانيا التي وصفها بأنها بلد «أناني» مسؤولية هذه الأزمة.

وقال شيراك في مؤتمر صحافي في بروكسل بعد 14 ساعة من المفاوضات التي لم تسمح بالتوصل إلى اتفاق حول ميزانية الاتحاد الأوروبي للأعوام 2007 ـ 2013 إن «أوروبا تشهد أزمة خطرة، وكنا في الواقع على وشك التوصل إلى اتفاق». وعبر شيراك عن أسفه لان بريطانيا أرادت «الاحتفاظ بكامل» الامتياز الذي تتمتع به مما أدى إلى فشل القمة، منتقدا «الأنانية التي أبداها بلدان أو ثلاثة» لم يسمها.

وصرح الرئيس الفرنسي «آسف لرفض بريطانيا تقديم هذه الحصة المعقولة والعادلة من نفقات توسيع الاتحاد. لقد أراد الاحتفاظ بكل الامتيازات، وبعض الدول تبنت مواقف مساومة ومصالح محض وطنية. إنها نتيجة سيئة لأوروبا». ورفضت بريطانيا اقتراحا أخيرا بتجميد خفض قيمته 5.5 مليار يورو يمنح لها كل عام منذ 1984 .

وأشاد شيراك بموقف الدول العشر الجديدة في الاتحاد الأوروبي التي حاولت حتى اللحظة الأخيرة إنقاذ اتفاق مالي بين البلدان الأعضاء. وقال «انه أمر مثير للإعجاب. هذه الدول تعبر عن إرادة أوروبية وأمل وتفاهم ولقنتنا درسا لأوروبا الغد». وأضاف «لكن للأسف هذا الدرس لم يلق آذانا صاغية».

وعبر شيراك عن أسفه أيضا لان الدول الأعضاء في الاتحاد كانت تفتقد إلى «روح أوروبية» في المفاوضات.

.. وبلير يدعو إلى «حوار معمق» حول مستقبل أوروبا

* بروكسل ـ أ.ف.ب: بعدما وجهت أصابع الاتهام نحوه، على أنه المسؤول عن فشل قمة بروكسل، أطلق رئيس الحكومة البريطاني توني بلير أمس، نداء من أجل إجراء «حوار في العمق»، حول مستقبل اوروبا، معتبرا أن الازمة يمكن أن تتحول إلى فرصة «للتجدد».

وقال بلير بعد فشل المفاوضات في مشروع الموازنة الأوروبية للفترة الممتدة بين 2007 و2013، «آمل أن نتمكن من المضي قدما»، مدافعا بذلك عن الموقف البريطاني الرافض لاعادة النظر في الامتياز الممنوح لبريطانيا، والذي يقلص المساهمة البريطانية في الموازنة الاوروبية. وقال بلير «إذا أردنا أن ننهي الاستثناء البريطاني، فعلينا ان ننهي أسباب هذا الاستثناء (..) إنها علة اساسها علة اخرى»، مذكرا بأن 40% من الموازنة الأوروبية، يتم تخصيصها لتمويل السياسة الزراعية المشتركة. وأشار بلير إلى أن مشروع الموازنة المطروح يخصص للزراعة سبع مرات، أكثر مما يخصصه للعلوم والتقنية والتنمية والتعليم. ورفض بلير «الأولويات»، التي تطرحها هذه الموازنة، واعتبر ان هذه الأولويات «لا تتطابق مع الاصلاحات، التي يحتاجها الاتحاد في القرن الحادي والعشرين». ودعا بلير، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد ابتداء من الأول من يوليو (تموز)، في ظل احدى أهم الازمات التي تعصف بالمشروع الاوروبي الوحدوي، الى اقامة «حوار في العمق حول أوروبا» مؤكدا أنه «الوقت المناسب لاقامة هذا الحوار».

وقال إن الأوروبيين عبروا عن مخاوفهم، التي يجب أن «نستمع اليها»، لتحديد «جدول اوليات يتطابق مع تطلعات الأوروبيين» وأشار، خصوصاً الى مسائل كالعولمة والأمن والجريمة والهجرة.

واعتبر بلير أن الأوروبيين «ليسوا راضين عن الوجهة، التي اتخذتها أوروبا»، وشدد على أهمية «التواصل مع الناس لإعادة ايجاد مثال أوروبي نسعى إلى تحقيقه». وقال «من الضروري أن نغير السرعة، لنتأقلم مع العالم، الذي نعيش فيه»، واعتبر أن المرحلة هي «فرصة للتجدد». ونفى بلير أن تكون بريطانيا معزولة في مقاربتها لهذه الافكار، في حين أكد مسؤولون بريطانيون أن فنلندا وهولندا وإسبانيا والسويد، وقفت إلى جانب بريطانيا في القمة.