غالبية تاريخية سمت «رفيق» الرئيس الحريري لتشكيل أول حكومة لبنانية بعد إتمام الانسحاب السوري

السنيورة يأمل بفتح «أفق تعاون» مع لحود

TT

كلّف الرئيس اللبناني اميل لحود وزير المال السابق فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة الجديدة بعدما سماه 126 نائباً من اصل 128 من اعضاء المجلس النيابي في غالبية تاريخية هي الاولى من نوعها منذ بدء العمل بالدستور الجديد الذي اقر في اتفاق الطائف الذي ينص على الزامية الاستشارات.

واعلن السنيورة، في اول تصريح ادلى به بعد تكليفه، انه يشارك سعد الحريري «يده الممدودة لسائر فئات الشعب اللبناني وجهاته السياسية من اجل السير قدماً في برنامج اصلاحي شامل» محدداً ملامح هذا البرنامج بـ «استكمال تطبيق الطائف واعداد قانون جديد ودائم للانتخابات وقانون اللامركزية الادارية وخطة النهوض التربوي الشامل... ومكافحة الهدر والفساد والتصدي للمشكلات الاقتصادية».

ويبدأ السنيورة اليوم الاستشارات النيابية غير الملزمة مع النواب لتحديد شكل الحكومة الجديدة. فيما توقعت مصادر قريبة منه ان يتم تأليف الحكومة في وقت سريع جداً وقد يكون قبل الاثنين المقبل.

وقالت المصادر لـ «الشرق الأوسط»: «ان الحكومة ستضم كافة الكتل النيابية. اما الخاسرون في الانتخابات فسيكونون خارجها. وشددت على ان السنيورة ليس في وارد التحدي مع رئيس الجمهورية، لكنها قالت ان الدستور واضح لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وهو (السنيورة) متمسك بصلاحياته ولن يتعدى على صلاحيات رئيس الجمهورية.

وكان الرئيس لحود اجرى امس الاستشارات النيابية التي تميزت بمشاركة واسعة من قبل اطراف المعارضة. وقد استهل المشاورات باللقاءات التقليدية مع رئيس البرلمان نبيه بري ورؤساء مجالس النواب والحكومات السابقين. وكان لافتاً فيها حضور العماد ميشال عون الى القصر الجمهوري كرئيس سابق للحكومة، علماً انه كان اطيح عام 1990 بعملية عسكرية لبنانية ـ سورية بعدما اتهم بـ «اغتصاب السلطة».

وقد اعلن الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني انه لم يسم احداً لتشكيل الحكومة لانه «لم يعد هناك لزوم للتسمية بعدما حسمت الغالبية النيابية قرارها». اما نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري (تيار الحريري) فقد اعلن انه سمى الوزير فؤاد السنيورة «رفيق درب الرئيس الحريري واحد اقرب المقربين له». وقال: «ناقشت مع فخامة الرئيس صراحة المرحلة الماضية التي اتسمت بالسلبية وكانت نتائجها عاطلة على البلد وعلى المواطنين. وبالتأكيد اليوم وبعد الانتخابات النيابية، افرزت واقعاً جديداً يتطلب تعاون الجميع لمصلحة الوطن والمواطن». واضاف: «في الواقع وجدت عند فخامة الرئيس تجاوباً كلياً بهذا الموضوع وان شاء الله يتحقق ذلك في تأليف الحكومة وفي عمل الحكومة مستقبلاً».

ورداً على سؤال حول العلاقة مع الرئيس لحود قال مكاري: «عندما تكون هناك مصلحة للبلد نتعاون مع جميع الناس» واوضح ان النائب سعد الحريري «قام بخطوات باتجاه الجميع عن قناعة ولم يكن يهوى الزيارات لاجل الزيارات». وقال: «اتحدث عن مرحلة جديدة، وهي مرحلة ما بعد الانتخابات وافرازاتها. ونتطلع لان تكون المرحلة المقبلة للعمل وكما سماها النائب سعد، مرحلة عمل وطني».

وسمت كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري (15 نائبا) السنيورة لتكليفه تأليف الحكومة العتيدة. وقال الناطق باسم الكتلة انور الخليل ان الرئيس بري اكد على «وجوب ان يكون نمط التعاطي مع الحكومة المقبلة جمع اللبنانيين في حكومة اتحاد وطني. واذا اراد رئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومة غير برلمانية فالكتلة لا تعارض ذلك».

وسمت كتلة نواب «تيار المستقبل» (36 نائباً) ـ التي تمثلت بوفد ترأسه النائب محمد قباني ـ السنيورة. وقال قباني ان «الكتلة سلمت الرئيس لحود لائحة باسماء الكتلة وبطبيعة الحال سمينا الاستاذ فؤاد السنيورة لانه كان رفيق الرئيس الشهيد رفيق الحريري ويمكن ان يقود مسيرة الانقاذ الاقتصادي باعتباره كان في المحطات الرئيسية الى جانب الرئيس الشهيد، وخاصة في باريس ـ 2 الذي نطلب متابعته».

ثم استقبل الرئيس لحود كتلة «اللقاء الديمقراطي» (17 نائباً) التي حضرت بكامل اعضائها باستثناء رئيسها وليد جنبلاط والنائب باسم السبع. وتحدث باسم الكتلة النائب مروان حمادة فقال: «حضرنا باسم اللقاء الديمقراطي، وبموجب المادة 53 من الدستور، لنسمي السيد فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة»، واعلن ان الكتلة سلمت لحود كتاباً جاء فيه: «ان اللقاء الديمقراطي النيابي يسمي السيد فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة العتيدة، ويتمنى له التوفيق في مسيرة المصالحة الوطنية وتكملة مسيرة الاعمار وحماية المقاومة وتعزيز الحريات والنظام الديمقراطي وتفكيك النظام المخابراتي».

وسمت كتلة نواب «حزب الله» (14 نائباً) السنيورة ايضاً وقال رئيسها محمد رعد: «نأمل من الحكومة الجديدة حفظ الثوابت الوطنية التي انجزت التحرير وتؤكد على حماية المقاومة والمعالجة الوطنية وتطبيق اتفاق الطائف تطبيقاً كاملاً والشروع في برنامج وطني شامل لمكافحة الفساد في البلد» . واشترطت كتلة نواب زحلة توزير رئيسها النائب ايلي سكاف «والا سننسحب من كل شيء» كما قال باسمها النائب جورج قصارجي. وسمت كتلة «القوات اللبنانية» السنيورة ايضاً. واعلنت النائبة ستريدا جعجع انها متوجهة للقاء (زوجها)، سمير جعجع، في سجن وزارة الدفاع للبحث معه في اسم الوزير الذي سيمثل «القوات اللبنانية» في الحكومة «لكن المبدأ الذي يطرحه «الحكيم» ان يكون الوزير من خارج نواب الكتلة».

والتقى الرئيس لحود نواب «التكتل الطرابلسي» (3 نواب) الذي سمى السنيورة. وتحدث باسم التكتل النائب محمد الصفدي فأكد ان التكتل سيشارك في الحكومة.

اما النائب اسامة سعد فقد اعلن انه لم يسم احداً. واكد رداً على سؤال ان الرئيس لحود «سيسهل تشكيل الحكومة خلافاً لما تردد لانه يرى ان المرحلة صعبة وتستدعي التعاون». واضاف: «ان اعطاء الثقة للحكومة متوقف على ما سيتضمنه البيان الوزاري». وبعد انتهاء الاستشارات، وصل الرئيس بري الى القصر الجمهوري حيث اطلعه لحود على نتائجها. واستدعي السنيورة لإبلاغه قرار تكليفه تشكيل الحكومة.

وادلى السنيورة بتصريح استهله بالقول: «ان استشهاد الرئيس رفيق الحريري هو الذي اوقفني هذا الموقف، لكن احداً لم يحل محل الرئيس، فلا حول ولا قوة الا بالله. ان اغتياله رحمه الله والذي تقترن فيه الخسارة الشخصية بالخسارة الوطنية اطلق انتفاضة الحرية والاستقلال، وادى الى تحمّل الاستاذ سعد الحريري العبء والمسؤولية في قيادة تيار المستقبل بقدرة وحماس، والوصول بالانتخابات النيابية الى تجديد الثقة العالية بنهج الرئيس الشهيد، وبالقيادة الجديدة التي سارت على خطاه في الحرص على الوحدة الوطنية، ومتابعة انجاز النهوض الوطني». واضاف: «استناداً الى ما سبق اود ان اشكر عائلة الشهيد رفيق الحريري والاستاذ سعد الحريري وكتلة تيار المستقبل وحلفاءها على الثقة والترشيح، وكذلك سائر الاخوة النواب في الكتل الحليفة والصديقة. وبهذه المناسبة اؤكد حرصي على القيام بالمسؤوليات التي يوليني اياها الدستور تجاه وطننا ومجتمعنا، كما اؤكد التزامي بنهج الرئيس الشهيد في تحمل المسؤولية مهما كانت الصعوبات والتضحيات. نحن مؤتمنون على الاهداف الكبرى للشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني. مؤتمنون على نضاله من اجل الحرية والاستقلال وتعزيز الاستقرار بشتى جوانبه الذي نعتبر اولى دعائمه كشف حقيقة وهوية الجُناة الذين اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والوزير باسل فليحان ورفاقهما واغتالوا المفكر الدكتور سمير قصير، والمناضل الوطني جورج حاوي، والذين حاولوا قبل ذلك اغتيال الشهيد الحي النائب والوزير مروان حمادة». مبدياً ثقته بان الشعب اللبناني «قادر على مواجهة تحديات النهوض، وان المسؤولية التي نحن بصددها هي مسؤولية مشتركة بين كل المؤمنين بلبنان وطناً عربياً حراً سيداً مستقلاً، وبالمستقبل الآمن والزاهر لهذا الشعب العظيم».

وقال السنيورة: «ليست اللحظة لحظة للتجاذب السياسي، ولا لتجديد النزاعات والاختلافات. ولذلك نشارك الاستاذ سعد الحريري يده الممدودة لسائر فئات الشعب اللبناني، ولسائر جهاته السياسية، من اجل السير قدماً في برنامج اصلاحي شامل بدءاً باستكمال تطبيق الطائف والدستور، وبالقانون الجديد والدائم للانتخابات، واللامركزية الادارية، وخطة النهوض التربوي الشامل، والخروج تدريجياً من آثار الطائفية بما يحفظ الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وتعزيز استقلالية القضاء، وترشيق حجم ادارة الدولة، وتعزيز كفاءتها، وتصويب عمل المؤسسات، ومكافحة الهدر والفساد، وتعزيز النمو والتنمية والتصدي للمشكل الاقتصادي بمعالجات تعتمد على قدرات اللبنانيين، وعلى ما بناه الرئيس الشهيد وراكمه من انجازات وخيارات وصلات بالاشقاء والاصدقاء». واضاف: وثمّن السنيورة «الجهد الذي بذله رئيس مجلس الوزراء، سلفه نجيب ميقاتي وحكومته في انجاز الاستحقاق الانتخابي منوهاً بـ «الجو الايجابي الذي ساد لقائي مع فخامة رئيس الجمهورية، والذي ارجو ان يفتح افقاً للتعاون في ما بيننا بما يخدم المصلحة العامة».

وفور مغادرته قصر بعبدا، زار السنيورة ضريح الرئيس الحريري وقرأ الفاتحة عن روحه وارواح رفاقه، ثم توجه مباشرة الى قريطم حيث كان في استقباله رئيس كتلة «تيار المستقبل» النيابية النائب سعد الحريري الذي عانقه بحرارة وهنأه على تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة متمنياً له التوفيق في مهمته، وعقد معه اجتماعاً استمر ساعة تم خلاله عرض الموضوع الحكومي من كل جوانبه.