تأكيدات أميركية بإبلاغ روما مسبقا عن اعتقال الإمام المصري وبرلسكوني سيبحث القضية اليوم مع سفير واشنطن

TT

قبل ان ترسل فريقا شبه عسكري تابعاً لها، بهدف اعتقال امام مصري من شارع بمدينة ميلانو في فبراير (شباط) 2003، ابلغت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه)، عن طريق رئيس فرعها في روما، نظيرتها الايطالية سعياً للحصول على موافقتها، حسبما قال ثلاثة ضباط في «سي. آي. ايه»، على علم بالعملية ورابع درس القضية بعد حدوثها.

لكن رغم هذا التأكيد، اعلن وزير العلاقات مع البرلمان الايطالي كارلو جوفاناردي امس ان «السلطات الايطالية لم تبلغ قط بسير هذه العملية»، مؤكدا ان الحكومة الايطالية لا علاقة لها بهذه القضية. واكد الوزير الايطالي ان رئيس الحكومة سيلفيو برلسكوني استدعى السفير الاميركي في روما ليطلب توضيحات عن خطف الامام حسن مصطفى عثمان نصر (المدعو ابو عمر). ولم يكن السفير موجوداً في روما اثناء استدعائه، لكنه سيتوجه اليوم الجمعة على الارجح للقاء برلسكوني، حسبما اضاف الوزير.

واكد مسؤولون استخباراتيون اميركيون، ان اتفاقا ابرم بين الاستخبارات الإيطالية والاميركية بانهما ستمتنعان عن تأكيد وقوع العملية، اذا تم كشف امرها. وهذا الاتفاق إجراء عام تقوم به «سي آي ايه» مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية عند تنفيذها عمليات سرية.

وكان قاض إيطالي قد أصدر الاسبوع الماضي مذكرة باعتقال 13 عميلا للاستخبارات الاميركية بتهمة خطف حسن مصطفى أسامة نصر، المشتبه في علاقته بالارهاب، ثم ابقائه محتجزا في قاعدتين عسكريتين أميركيتين قبل نقله جوا إلى القاهرة. ومن القاهرة، اتصل الامام بزوجته هاتفيا وقال لها إنه تعرض للتعذيب أثناء التحقيق معه. وقال عضو سابق في وكالة «سي. آي. ايه»، إن زوجة الرجل أخبرت عددا محدودا من الأشخاص حول العملية، وبالتأكيد لم يكن القاضي واحدا منهم.

ولم يتضح بعد مدى إشراك عناصر الاستخبارات الإيطالية في المعلومات أو ما إذا كان مكتب رئيس الحكومة برلسكوني قد ابلغ بالامر قبل حدوثه.

وقد نفذت وكالة «سي. آي. ايه» أكثر من 100 عملية من هذا النوع، تسمى عادة بـ«عملية تسليم استثنائي» منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، حسبما قال مسؤولون امنيون.

وفي السويد، اثبت تحقيق ان وزراء سويديين كانوا قد وافقوا على اعتقال وطرد مصريين يشتبه في علاقتهما بالإرهاب عام 2002 لكنهم طلبوا من «سي آي ايه» المساعدة في نقلهما جوا إلى خارج السويد، بسبب عجزهم عن حجز طائرة بسرعة تقوم بنقل المشتبه فيهما إلى مصر.

وقال مسؤول في وكالة «سي آي ايه»، إن العملية السرية كشف عنها بعد أن أثارت عناصر القوة الخاصة الانتباه بسبب تنفيذهم العملية مقنعين. كذلك، كشفت تحقيقات في كندا عن دور لاستخبارات هذا البلد في طرد سوري يحمل الجنسية الكندية وإعادته إلى سورية، بعد أن تم اعتقاله أثناء تبديله طائرة في مطار بنيويورك.

وقال المسؤولون المعنيون بعملية ميلانو، إن العملية خطط لها من قبل رئيس فرع «سي. آي. ايه» في روما، وتمت الموافقة عليها من قبل قيادة وكالة «سي. آي. يه» مع موافقة شخص واحد على الأقل من مجلس الأمن القومي الاميركي. ورغم تقاعد رئيس فرع «سي. آي. ايه» في روما، فان مكانه لم يكشف عنه بعد.

وكانت عملية ميلانو استثنائية جدا رغم تنفيذ وكالة الاستخبارات المركزية لمائة عملية مماثلة. ففي أكثر تلك العمليات التي نفذت بعد هجمات 11 سبتمبر، أصبح تسليم المشتبه فيهم من مسؤولية الاستخبارات المحلية، ثم يتم تسليمهم الى «سي. آي. ايه»، لكن في حالة إيطاليا، فإن فرع ارسال وحدة الكوماندوز التابع لوكالة «سي. آي. ايه»، ساعد في ما يبدو في كشف العملية.

وقال ضابطان في «سي. آي. ايه»، ان العناصر الميدانية أصبحت تشارك بشكل مباشر في العمليات بحلول عام 2003، لأن عمليات مكافحة الإرهاب أصبحت العنصر الأساسي الذي تهتم به قيادة الوكالة والبيت الأبيض. وقال ضابط سابق: «ان كل شخص مرغوب به للمشاركة في اللعبة. ورئيس فرع «سي آي ايه» في إيطاليا يريد أن يحقق إنجازا يحسب باسمه».

لكن ضابطا آخر من «سي آي أيه» قام بمراجعة العملية بعد وقوعها، قال «إن هذا الامر غير مألوف تماما لأنه كان ينبغي تنظيمها بين مدير الوكالةحينها جورج تينيت، ونظيره الجنرال نيكولو بولاري. لكن ذلك لم يحدث».

وبعد خطفه بفترة قصيرة يوم 17 فبراير (شباط) 2003، نقل ابو عمر سرا على ظهر طائرة إلى مصر، حيث اعتقل بتهمة مرتبطة بالإرهاب. وعندما أطلقت السلطات المصرية سراحه ووضعته تحت الإقامة الإجبارية اتصل هاتفيا بزوجته في إيطاليا، واكد لها أنه تعرض للتعذيب ووصف لها طريقة اختطافه. وليس معروفاً مكان وجود ابو عمر الآن، لكن مصادر مطلعة تعتقد انه اعيد اعتقاله على الارجح.

وحسب تقارير المحكمة الإيطالية، فإن عناصر «سي. آي. ايه» تركوا وراءهم آثارا ورقية والكترونية سمحت لوكلاء النيابة الإيطاليين بتقصي تحركاتهم وتحديد هوية ضابط واحد على الاقل من عناصر «سي. آي. ايه» هو مدير الفرع في ميلانو.

وقد غادر مدير الفرع ايطاليا بعد فترة قصيرة من انكشاف امر العملية، حسبما قال موظفون سابقون في «سي. آي. ايه». كما اختفى فريق الكوماندوز الذي نفذ العملية، ويبدو من غير المرجح ان تكشف الحكومة الأميركية هوياتهم أو تسلمهم لغرض محاكمتهم. وقال ضابط سابق في «سي. آي. ايه»: «فقط، لن يكون بامكانهم العودة إلى أوروبا».