ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والقانونية حول تزامن رفع الطوارئ مع إجازة الدستور الجديد في السودان

TT

اثار اعلان الرئيس عمر البشير رفع حالة الطوارئ المفروضة على البلاد بالتزأمن مع اجازة الدستور الجديد ردود فعل متباينة في الاوساط السياسية والقانونية. وهناك من شكك في الاعلان، ويتوقع بالتالي فرضه من جديد حتى بعد اجازة الدستور، ودخول البلاد مرحلة التحول الديمقراطي، وان الوضع «اصبح الآن اخطر وبدون ضمانات»، ولكن البعض الآخر يعتقد ان رفع الطوارئ في مقبل الايام امر جدي، بميله الدستوري الجديد والاوضاع الجديدة. وفرضت حالة الطوارئ في البلاد بعد قليل من البيان الاول لانقلاب الرئيس البشير صباح الجمعة 30 يونيو (حزيران) لعام 1989 عبر مرسوم عرف بـ «المرسوم القانوني»، ومنذ ذلك الحين تفشت مظاهر الطوارئ في البلاد، الى يومنا هذا مع اختفاء بعضها لحين، وعودتها «بسبع رؤوس»، وبأوجه عدة عندما تشتد المعارضة على نظام الحكم، او يطل حدث يجعله «ينظر الى الوراء». وجاء في اعلان الطوارئ حظر التجوال منذ السادسة مساء وحتى صباح اليوم التالي ثم تدرج الحظر، ليبدأ منذ الثانية عشرة منتصف الليل وحتى صباح اليوم التالي، ويرافق الحظر عمليات تفتيش واسعة من خلال متاريس أمنية في الاحياء ومداخل الجسور ومداخل المدن بصورة اشد، كما ان كل الملاحقات السياسية في النصف الاول من التسعينات والمعروف بسنوات «الشرعية الثورية»، تمت استناداً الى قانون الطوارئ، وكذلك بعض المحاكمات الخاصة التي جرت للمعارضين تحت تهم «التخريب، ومحاولات قلب نظام الحكم، وغيرها من التهم»، اجراءاتها الاولية على الاقل بدأت وفقاً لاحكام الطوارئ، مثل محاكمة انقلابيي «رمضان» الى اعدام المتاجرين بالعملة في السنوات الاولى للانقلاب. ولكن في النصف الأخير من التسعينات اخذت «الانقاذ» بعد ان اطمأنت بعض الشيء «على ظهرها»، تغمض العين عن بعض الاجراءات المرتبطة بالطوارئ مثل التشدد على ابراز بطاقات الهوية في الليل «بعد منتصف الليل»، والاكتفاء «بنظرات عابرة» للعابرين، كما شكلت نيابات امتصت الكثير من الاجراءات التي كانت تتم باسم الطوارئ، وهي «نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة»، كما صارت لا تكترث بسفر معارضيها الى الخارج عودتهم، ولم تشهد الصحافة طوال هذه الفترة الرقابة المباشرة».

ولكن بعد «حرب البسوس» التي اندلعت بين الرئيس البشير وعراب الانقاذ الدكتور الترابي في العام «1999» انتكست الانقاذ في شأن تعاطيها مع قانون الطوارئ ففي حين كانت سارية بلا تفصيل قبل المفاصلة قام البشير مع احترام الصراع بإعلان حالة الطوارئ في البلاد بتاريخ «12/12/1999» مصحوب بقرارات كثيرة استهدفت اقصاء الترابي من النظام السياسي والتشريعات في الحكم وهي القرارات الشهيرة التي عرفت بقرارات رمضان. وبموجب الاعلان جرت اعتقالات واسعة تركزت على عناصر حزب المؤتمر الشعبي وعلى رأسهم في العام 2001 الدكتور الترابي نفسه، ونشأت محاكم المعارضين ونفذت حملات تفتيش «ليلاً ونهاراً»، ولاول مرة تبدأ الرقابة المباشرة على الصحف عبر جهاز الأمن السوداني بديلاً لما يعرفه الصحافيون السودانيون.

ومنذ ذلك الاعلان الذي تم بموجب قانون وجرت العادة بتجديد الطوارئ لكل ستة اشهر في البرلمان وتأتي في حيثيات التجديد، واستمرار الحرب في الجنوب وتوتر الاوضاع في شرق البلاد حيث توجد حركات مسلحة ضد الخرطوم ووجود تدهور أمني في دارفور اولاً، ووجود حركات مسلحة في ذات القصم اخيراً وحماية البلاد من المحاولات التخريبية التي تستهدف مقدرات الامة».

وبعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركة في نيروبي في 9 يناير (كانون الثاني) الماضي والمعروف باتفاق نيروبي انحصرت دواعي الطوارئ في «تدهور الوضع في دارفور والشرق والاعمال التخريبية» بل ان اتفاق السلام نفسه حدد ان قانون الطوارئ سيرفع بعد سن دستور جديد للبلاد جديد للبلاد لفترة انتقالية.

كما حددت الاتفاقية ان «حالة الطوارئ تفرض في حالة الاستهداف الخارجي للوطن وظهور ممارسات تستهدف القضايا الأمنية الكبرى للبلاد ويتم اعلانه عبر رئاسة الجمهورية بالتشاور بين الرئيس وهو عمر البشير ونائبه الاول وهو الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية».

وبينما، اعتبر الدكتور الترابى بعد خروجه من محبسه ان الوضع غير مطمئن، وقال ان وضع الطوارئ في الدستور الجديد هش، توقع امين الدائرة القانونية لحزب المؤتمر الشعبي المحامي كمال عمر اعادة فرض الطوارئ «في اي لحظة او بعد شهرين على الاكثر»، وقال ان النصوص الواردة في الدستور حول الطوارئ تجعل الوضع اخطر مما كان عليه.

وقال لـ «الشرق الاوسط» الآن لا توجد ضمانات بان الرئيس ونائبه لا بفرضان الطوارئ، كما ان البرلمان الجديد في الدستور هو برلمان معين بغلبة من الحكومة والحركة الشعبية فمن البساطة ان يمرر قانون الطوارئ في حال عرضه عليه، وقال ان الطوارئ في الدستور الحالي يمكن ان يمس الحريات في حين في دستور 1998 استثنيت الحريات، ومضى الى القول ان الطوارئ سيظل سيفا مسلطا على الرقاب بدون ضمانات. ولكن فتحي خليل نقيب المحامين السودانيين المقرب من الحكومة قال لـ «الشرق الاوسط» انه لا يتوقع فرض الطوارئ في الفترة المقبلة، واضاف بعد اجازة الدستور الجديد فانه يتم الغاء الدستور القديم 98، ومضى «ان الدستور الجديد حدد الكيفية التي يتم بها اعلان الطوارئ عبر الرئاسة بالتشاور بين الرئيس ونائبه الاول ورفع الامر الى البرلمان»، وبدون هذه القنوات الدستورية لا يمكن فرض الطوارئ التي تمليها احداث كبرى في البلاد.