العلاقات بين الجزائر وفرنسا تتوتر على خلفية قانون فرنسي يمتدح الاستعمار

TT

ما زالت فرنسا والجزائر تعملان على بلورة معاهدة صداقة يُفترض أن توقع قبل نهاية العام الجاري. غير أن الأجواء بين البلدين آخذة بالتدهور وهو ما تعكسه خصوصا تصريحات المسؤولين الجزائريين; وعلى رأسهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يشن حملة على قانون صدر عن مجلس النواب الفرنسي أوائل هذا العام. ويطالب القانون وزارة التربية الفرنسية بأن «تتضمن المناهج المدرسية اعترافا بالدور الإيجابي الذي لعبه الحضور الفرنسي عبر البحار، وخصوصا شمال أفريقيا». ويعني هذا الكلام، بلغة أوضح، الاعتراف بفضائل الاستعمار الفرنسي، خصوصا في الجزائر التي استعادت استقلالها عام 1962 بعد 132 عاما من الاحتلال الفرنسي. وحتى الآن، التزمت الحكومة الفرنسية الصمت إزاء التصريحات الجزائرية. فموضوع الاستعمار الفرنسي للجزائر حساس للغاية. ورغم العلاقة الشخصية الجيدة التي تربط الرئيسين بوتفليقة وجاك شيراك وزيارة الدولة التي قام بها الأخير قبل عامين الى الجزائر، فإن «المصالحة» التاريخية لم تحصل بعد. ورفضت فرنسا باستمرار «الاعتذار» عما اقترفته في الجزائر، بل إن قانون عام 2005 الخاص بالمهمة «الحضارية» للفرنسيين وراء البحار يأتي تماما عكس ما تريده الجزائر.

ويزيد من «حساسية» الوضع عودة أنصار «الجزائر فرنسية» الى الواجهة واستقواء الأصوات الداعية الى تمجيد هذه الحقبة من تاريخ فرنسا الخارجي والاستعماري. وأمس، منع كريستيان فريمون، محافظ منطقة «بوش دو رون» الواقعة جنوب فرنسا، والتي يسكنها مئات الآلاف من الفرنسيين الذين رحلوا من الجزائر، من إزاحة الستار عن نصب في مقبرة مدينة مارينيان يكرِّم منظمة الجيش السري التي أوقعت خلال حرب الاستقلال الجزائرية المئات من القتلى بين صفوف الجزائريين وكذلك بين صفوف الفرنسيين. وسعت المنظمة الى اغتيال الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول في منطقة بوتي كلامار، باعتباره «خائنا» لفرنسا ولتخليه عن الجزائر لجبهة التحرير الجزائرية.

وسبق للجمعية التي روجت لبناء النصب التذكاري أن أقامت نصبا مشابها في مدينة بربينيان المتوسطية الواقعة جنوب مارينيان. وبسبب المنع، لم يُزَحْ الستار عن النصب الذي أقيم داخل مدافن مارينيان حيث تجمع صباح أمس ما يزيد على 600 شخص. وبعد مناوشات مع رجال الأمن الذين كانوا موجودين بكثرة، تفرق المتظاهرون من غير أن يتسببوا فـي مشاكل إضافية. وينشط اليمين المتطرف في هذه المنطقة من فرنسا التي تضم نسبة مرتفعة من المهاجرين من أصول مغاربية، والتي ينتمي اليها أيضا رئيس بلدية مارينيان الذي لم يمانع في إشادة النصب.

ودعت جمعيات مناهضة للعنصرية ودعاة حقوق الإنسان الى تجمع كبير أمام مبنى بلدية مارينيان. وقال مولود عونيت، رئيس جمعية مناهضة العنصرية والصداقة بين الشعوب، وهو من أصل جزائري، إن حركته تدعو الى «إزالة النصب الذي يكرم مجموعة من القتلة والإرهابيين الذين أدانتهم العدالة الفرنسية». وكان القضاء الفرنسي قد حكم بالإعدام على العشرات من أعضاء ومناصري حركة الجيش السري; بينهم خصوصا أربعة منتمين الى صفوفها، وهم مسؤولون عن محاولة اغتيال الجنرال ديغول وعن عملية اغتيــال محافظ مدينة الجزائر وجرائم أخرى مشابهة.

وتأتي هذه العمليات التي تصفها أوساط محاربة العنصرية بـ«الاستفزازية» لتزيد من توتر الأجواء بين فرنسا والجزائر عن طريق إثارة صور مؤلمة من الماضي، فيما كان الطرفان المرتبطان بـ«علاقة استراتيجية» يسعيان الى تخطيها عبر توقيع معاهدة الصداقة التي يراد لها تحقيق المصالحة التاريخية بين الطرفين، ولكن بلورتها تصطدم بصعوبات عدة، لعل أهمها تحديدا صعوبة قلب صفحة الماضي.