الشرق الأوسط في مقدمة قضايا الساعة التي تناقشها القمة وسط توقعات بنتائج متواضعة

الرئيس بوتفليقة يشارك غدا في اجتماعات قمة الثماني

TT

بدأت مساء امس قمة الدول الثماني اعمالها في قلب الريف الاسكوتلندي وسط اجراءات أمن لم تشهدها من قبل المنطقة التي عاشت حتى ظهر الثلاثاء حالة هدوء حذر اشبه باستراحة بين معركتين حاميتين.

ويتردد بقوة ان نتائج الاجتماعات التي تختتم غدا «لن تكون باهرة»، وذلك خلافا لما سعت اليه بريطانيا الرئيسة الدورية لمجموعة الدول الثماني. وعزيت «خيبة الأمل» المتوقعة هذه الى تعثر المفاوضات التمهيدية التي كادت تصل الى طريق مسدود على اثنين من ابرز مسارات القمة، وهما معالجة التسخين المناخي العالمي وشطب الديون الافريقية. وأفيد بأن رفض الولايات المتحدة المساومة على مصالحها يهدد بعرقلة الجهود البريطانية الرامية الى الخروج بإجماع حول هذين الملفين الشائكين. وعدا الموضوعات المتعلقة بالتجارة الدولية ومكافحة الفقر، ستناقش القمة على عادتها قضايا الساعة. والأرجح ان العالم العربي بمشاكله الكثيرة سيحضر بقوة، لا سيما ان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سينضم غدا الى زعماء الدول الثماني مع ستة من نظرائه الافارقة.

وكانت القمة قد افتتحت رسميا مساء امس بوليمة عشاء اقامتها الملكة اليزابيث الثانية على شرف الزعماء المشاركين في القمة التي يستضيفها منتجع غلين إيغيلز الذي يبعد حوالي 50 كليومترا عن العاصمة الاسكوتلندية ادنبره.

وقد بدأ المشاركون الرئيسيون وهم الرؤساء الفرنسي جاك شيراك والروسي فلاديمير بوتين والاميركي جورج بوش والمستشار الالماني غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء الياباني جونتشيرو كويزومي والايطالي سيلفيو برلسكوني والكندي بول مارتن، بالتوافد على غلين إيغلز بدءا من العاشرة صباحا. وكان مارتن اول الواصلين (12.15) وتلاه شرودر (1.40) ثم كويزومي (1.55)، فبوش (12.55). ويحضر الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان ورئيس المفوضية الاوروبية مانويل باروسو ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي الفا عومارو كوناري، الى جانب الزعماء الثمانية اجتماعات اليومين القادمين.

وتتوزع اعمال القمة على ثلاثة مستويات; أفرد الأول لزعماء الدول الثماني الذين سيعقدون ثلاث جلسات رسمية من المقرر ان تستغرق كل منها ساعة ما لم تكن هناك حاجة ملحة لتمديدها. اما المستوى الثاني، فهو مكرس لاجتماعات ما يعرف بـ«الثماني مقابل الخمس». وفي نطاق هذه الاجتماعات يلتقي زعماء الدول الثماني مع زعماء الدول الخمس ذات الاقتصادات المنامية، وهي الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب افريقيا. ويعقد الزعماء الـ13 اليوم جلستين يحضرهما رؤساء وكالة الطاقة الدولية والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. ويعتقد ان كلا من هذين اللقاءين سيستغرق ساعة ونصف الساعة.

ويوم الجمعة يأتي دور اجتماعات المستوى الثالث التي يجريها الزعماء الثمانية مع الرئيس بوتفليقة ونظرائه الاثيوبي والغاني والنيجيري والسنغالي والجنوب افريقي والتنزاني. وسيبحث الزعماء الـ15 عددا من الموضوعات خلال غداء عمل حول اجتماع طاولة مستديرة بين الجانبين. وسيكون اللقاءان آخر الفقرات المدرجة على جدول اعمال القمة.

وأفادت مصادر بريطانية رسمية مطلعة امس بأن اجتماعات اليوم الصباحية ستتناول قضايا الاقتصاد والتجارة العالمية اضافة الى التغيير المناخي.

وقال مسؤول بريطاني طلب عدم ذكر اسمه ان الزعماء الثمانية سيركزون على هذين الملفين في جلساتهما الخاصة واللقاءات التي تجمعهم بزعماء الدول الخمس. وأضاف ان مكافحة الفقر وشطب الديون الافريقية سيمثلان المحورين الرئيسيين لاجتماعات غد.

ولفت المسؤول ذاته الى ان المشاركين سيتوقفون طويلا عند قضايا الشرق الاوسط. وقال ان «اجتماعات ظهر الخميس ستناقش مسائل السياسة الخارجية وقضايا الساعة». وأردف «ولا استبعد ان تتركز المداولات التي ستتواصل على مائدة العشاء على الشرق الاوسط بوجه خاص، بيد انني لا استبعد ان تشمل امورا اخرى أساسية». وأشار الى «أن جيم ولفنسون، وهو مبعوث المجموعة الرباعية لشؤون فك الارتباط في غزة، سيقدم الخميس عرضا لزعماء الدول الثماني عن خططه (المتعلقة بغزة وسبل تنميتها)، وهذا سيكون جزءا مهما من مداولات ذلك اليوم».

غير ان تحقيق تقدم بصدد كل من هذه الملفات الرئيسية لن يكون سهلا. ويتكهن مراقبون بأن «أحلام» بريطانيا بخروج القمة بتوصيات تمثل «كيوتو 2» ستتحطم على صخرة المعارضة الاميركية القوية. واذ تحث لندن واشنطن على عدم الخروج عن «الاجماع الدولي الواضح» المؤيد لاتخاذ اجراءات عملية لتقليص نسبة غاز ثاني اوكسيد الكربون المنفوث في الجو، فان الرئيس بوش يؤكد عدم استعداده لقبول ذلك.

في المقابل، تلقت «نظرية» الإجماع هذه صفعة مؤلمة امس حين ثبت ان ثمة معارضة قوية في بريطانيا ذاتها، ناهيك عن العالم ككل لمشروع «كيوتو 2». فقد اطلقت لجنة تابعة لمجلس اللوردات البريطاني امس تقريرا وجه انتقادات شديدة للمشروع.

وأكد عضو اللجنة ـ التي تضم شخصيات بارزة ـ اللورد نايجل لوسون، وهو وزير مالية سابق لست سنوات، ان خلفه وزير المالية البريطاني غوردون براون قد ارتكب خطأ كبيرا حين أطلق يد هيئة البذل المناخي التابعة للامم المتحدة، باتخاذ القرارات التي تشاء بخصوص نسبة ثاني اوكسيد الكربون في بريطانيا، لا سيما ان لذلك اثره المهم على اقتصاد البلاد.

أما بالنسبة لشطب الديون الافريقية التي تقدر بـ170 مليار جنيه استرليني، ففرص احراز تقدم تبدو متواضعة للغاية. ويتردد ان دعوة براون للدول الثماني لعقد صفقة ستتمخض عن شطب ديون قدرها 50 مليار جنيه استرليني، لن تلقى آذانا صاغية بسبب تحفظ الاميركيين والالمان عليها. ويذكر ان براون تمكن قبل اسابيع من الغاء ديون مترتبة على 18 دولة افريقية وقدرها 25 مليار جنيه.

بيد ان جمعيات خيرية وناشطين معنيين اخذوا على تلك الصفقة اغفالها ديون اكثر من 45 دولة افريقية اخرى.

وشطب الديون بحد ذاته لن يكفي لمساعدة الدول الفقيرة على الوقوف على الصمود ما لم يقترن برفع الحواجز والقيود التي تعترض تبادلاتها التجارية مع الدول الغنية. إلا ان فرنسا تعترض على اجراءات من شأنها ان تفتح ابواب اوروبا امام التجارة الافريقية، فيما ترفض الولايات المتحدة تطبيق خطوات مشابهة. وخلافا للملفات الثلاثة السابقة، فان ثمة املا بتحقيق بعض التقدم بشأن الملف الرابع الرئيسي المتعلق بمكافحة الفقر من خلال تقديم مساعدات كبيرة للدول المعنية. ومع ان الدول الغنية تخشى ان تذهب مساعداتها الى جيوب حكام ديكتاتوريين، فالمراقبون يرجحون التزام المشاركين في القمة بتقديم 14 مليار جنيه استرليني لدول فقيرة خلال خمس سنوات. لكن ناشطين لفتوا الى ان التقدم بشأن هذا الملف مرتبط ارتباطا عضويا بما يجري على صعيد الملفات الاخرى، معتبرين ان توفير الدعم المادي وحده لن يكفي لمعالجة أزمة الفقر معالجة ناجعة.

الى ذلك، خيم الحذر امس على ادنبره والمناطق القريبة من مكان انعقاد القمة في غلين إيغلز. فشوارع العاصمة الاسكوتلندية التي تحولت الاثنين الماضي الى ميدان معركة حامية الوطيس بين مناهضي العولمة والفوضويين من جهة ورجال الشرطة من جهة اخرى، كانت هادئة. الا ان ثمة توقعات باندلاع اعمال العنف التي هددت بها مجموعات فوضوية، في وقت لاحق قد يترافق مع بدء حفلة غنائية يتوقع ان يزيد عدد جمهورها عن 60 ألف شخص. كما شهدت مناطق متفرقة في الريف المحيط بغلين إيغلز مناوشات بين مجموعات من المتظاهرين ورجال الامن. ولعل قرار السلطات المعنية الغاء مظاهرة كبيرة (5 آلاف شخص) ستزحف من نقاط عدة الى اقرب موقع ممكن من غلين إيغلز، ثم السماح باجرائها يدلان على التوتر الذي تعيشه الاجهزة المكلفة السهر على أمن القمة. ومن المقرر ان تبدأ اعمال قمة موازية في ادنبره بجلسة يشارك فيها المفوض الاقتصادي الاوروبي بيتر مندلسون ورئيس البنك الدولي بول وولفويتز.