سفير إسبانيا في بغداد عام 1958 المستشرق غارثيا غوميث يسجل انطباعاته عن عبد الكريم قاسم

كتب عن قائد ثورة 14 تموز بعد أول لقاء معه: باسم ووديع وصوته عذب ومكتبه متواضع

TT

شغل المستشرق الاسباني المعروف اميليو غارثيا غوميث (1905 ـ 1995) منصب سفير بلاده في بغداد، في فترة حرجة من تاريخ العراق، عام 1958، وقابل رئيس الوزراء قائد ثورة 14 يوليو (تموز) من ذلك العام عبد الكريم قاسم، فكتب عنه بعض الملاحظات الشخصية.

ويعد المستشرق غارثيا غوميث من أهم مستشرقي اسبانيا في العصر الحديث. فبالاضافة الى كونه استاذا جامعيا للغة العربية، فقد تسلم مناصب علمية وثقافية، وله مؤلفات وترجمات في الأدب والتاريخ العربيين، خاصة الأندلس منه، ونشر العديد من النصوص العربية المخطوطة، مثل «رايات المبرزين» لابن سعيد، وترجم العديد من النصوص العربية الى الاسبانية مثل «طوق الحمامة» لابن حزم، وكتب عن المتنبي وابن زمرك وابن قزمان وآخرين. وله آراء متميزة في قضايا عديدة مثل الموشح والزجل وغيرهما.

كان غارثيا غوميث صديقا للشاعر ذائع الصيت فدريكو غارثيا لوركا، وطبع كتابه المعروف «تماريت» بعد وفاة لوركا، وكان استاذ اللغة العربية لاخت لوركا، ايزابيل، في جامعة غرناطة، وهو ايضا صديق الشاعر رافائيل البرتي وكان يراسله في منفاه، ويبعث له بمجلة «الأندلس» التي كان يصدرها في مدريد.

وفي عام 1958، عين غارثيا غوميث سفيرا لاسبانيا في بغداد، وقابل عبد الكريم قاسم، فكتب عنه. وحول ما دار في المقابلة كتب المستشرق والسفير الاسباني ما يلي:

* «عبد الكريم قاسم

* «استقبلني رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في جلسة خاصة يوم الخميس 25 ايلول (سبتمبر) الساعة الثانية عشرة ظهرا في مكتبه بوزارة الدفاع. وفي مثل هذه المقابلات عادة يقوم مترجم بدور الوسيط، وبالرغم من ان رئيس الوزراء يعرف الانكليزية قليلا، فقد تحدثنا بالعربية وكانت مقابلتي معه على انفراد..

«في مكتب متواضع للغاية، يجلس قاسم أمام مائدة ملاصقة لمكتبه على كرسي أعلى من مقعد الشخص الذي يحاوره. انه شخص خجول، باسم وديع وودي». يتكلم بصوت عذب منخفض جدا، وهو نفس انطباعي عنه من خلال خطاباته..

«تناولت المحادثة نفس المواضيع المطروقة: الثورة كانت ضرورية، وان التخطيط لها قد تم منذ فترة طويلة، وان تنفيذها تم بدقة وكتمان شديدين، وان الشعب قد حقق هويته من خلالها وان الحكومة الجديدة حيادية، ومحبة للسلام، وتمد يدها الى الشرق والغرب على حد سواء، وسوف يرفع مستوى المعيشة نتيجة لخيرات البلاد الهائلة، وانه يحاول رفع المستوى المعاشي للفقير بدون تخفيض مستوى الغني، وانه سيصل بالبلاد الى ديمقراطية حقيقية.. الخ. أما الموضوع الحساس وهو الجمهورية العربية المتحدة فانه لم يتطرق اليه».

«وما يخص اسبانيا فان عباراته كانت متحمسة جدا، لقد أطرى بشكل كبير على ماضي اسبانيا العربي، ولكن بدون مبالغة، وأبدى اهتمامه بآثارنا المعمارية. وقال ان اسبانيا والعراق يشكلان طرفي العالم العربي ويمكن لهما ان يكونا صديقين حميمين وان يلعب كل منهما دورا مشابها لدور الآخر..

«وعدني بالمساعدة في كل ما يتعلق بنشر الثقافة واللغة الاسبانيتين وحثني على تطوير العلاقات الاقتصادية، وسألني باهتمام بالغ عن وجهة نظرنا حول جبل طارق».