إطلاق الصيادين اللبنانيين.. لكن الأزمة تتفاقم.. وسائقو الشاحنات قطعوا طرقا دولية

ميقاتي يتحدث عن عقدة «الباطن» مع دمشق... وسورية تعزو أزمة الحدود إلى «ضيق المكان» و«كثرة الشاحنات» وأسباب أمنية

TT

بيروت: «الشرق الأوسط»: شهدت أزمة عبور الشاحنات الآتية من لبنان الحدود السورية، واحتجاز صيادين لبنانيين من قبل السلطات السورية لاختراقهم المياه الاقليمية السورية بعض الانفراج امس خصوصاً على صعيد الصيادين. اذ اعلنت رئاسة الجمهورية ان الرئيس اللبناني اميل لحود اتصل بالرئيس السوري بشار الاسد واعلن على إثره انه «سيتم الافراج بعد ظهر اليوم (امس) عن الصيادين اللبنانيين المحتجزين في سورية، بعدما تبين عدم وجود خلفيات أمنية تستوجب احتجازهم». كما ذكرت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية ان الافراج عن الصيادين اللبنانيين التسعة تم ظهر امس بعد اتصالات اجراها رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي مع السلطات السورية. الا ان ازمة الشاحنات بقيت على حالها وقد عمد عدد من سائقي الشاحنات واصحابها الى قطع الطريق الدولية بين بيروت ودمشق، وذلك قرب نقطة المصنع على الحدود السورية. وفي دمشق عزا وزير الاقتصاد السوري الدكتور عامر لطفي أزمة الحدود الى «ضيق المكان» (المعابر)، وكثرة الشاحنات، واسباب أمنية.

وسبق الاعلان عن الافراج عن الصيادين اضراب تحذيري نفذه صيادو الاسماك في عدد من نقاط الشاطئ الشمالي لاسيما في مدينة طرابلس (عاصمة محافظة الشمال) والعبدة (قضاء عكار) التي تبعد نحو 25 كيلومتراً شمال طرابلس احتجاجاً على توقيف تسعة صيادين من قبل البحرية السورية على خلفية تجاوزهم المياه الاقليمية بين لبنان وسورية قبالة منطقة العريضة.

وقد تجمع الصيادون بعد ان اقفلوا محلات بيع السمك لبعض الوقت مطالبين المسؤولين بالتحرك السريع لحل هذه المشكلة خصوصاً وان امر تخطي المياه الاقليمية مسألة اعتاد عليها الصيادون منذ عشرات السنين ومن الطرفين دون ان يواجهوا بأية اجراءات، ومشددين على ضرورة الافراج عن الصيادين في اسرع وقت ممكن وكذلك عن زوارقهم الاربعة المحتجزة.

وعلى صعيد أزمة الشاحنات المتوقفة عند نقاط العبور السورية في الجديدة (المحاذية للبقاع) والدبوسية والعبودية (الشمال) فقد نفّذ اصحاب ومالكي شاحنات النقل في لبنان اعتصاماً رمزياً على الاوتوستراد الدولي في المنية (شمال لبنان) احتجاجاً على الاجراءات التي تتخذها الجمارك السورية حيال الشاحنات اللبنانية وغيرها. ورفع المعتصمون شعارات على مقدمة شاحناتهم، أبرزها: «نريد ان نعيش والشعب السوري بأمان»، «نناشد الرئيس بشار الاسد فتح الحدود»، «نطالب الرئيس اميل لحود بان يهتم بفتح الحدود»، و«نحن لسنا رجال سياسة، عندنا عيال».

وكانت القوى الامنية من جيش وأمن داخلي قد عملت على تنظيم الاعتصام وتسيير دوريات منذ الصباح للحؤول دون إغلاق الطريق الدولية، وذلك تحسباً لوقوع اي احداث شغب، حيث عملت على منع دخول الشاحنات والباصات والسيارات السورية الى حين انتهاء الاعتصام، الذي امتد قرابة ساعة، منعاً لتعرض اصحابها لمضايقات كانت وقعت في المنطقة في اليومين الماضيين وشملت اعتداءات على سيارات وشاحنات سورية.

نقيب اصحاب ومالكي شاحنات النقل في لبنان شفيق القسيس لفت الى «ان هذا الاعتصام سلمي ورمزي وتحذيري، وان هناك اعتصاماً ثانياً سيعم كل الاراضي اللبنانية».

كذلك قطع سائقو واصحاب الشاحنات وبرادات النقل الى الدول العربية والاوروبية المحتجزين في منطقة المصنع (المحاذية للبقاع) على الحدود اللبنانية السورية الطريق الدولية المخصصة للاياب لمدة ساعة واحدة بعد اقفال طريق الذهاب بالشاحنات المحتجزة منذ 17 يوماً، وقد افترش السائقون الطريق الدولية بين سورية ولبنان ومنعوا حركة المرور امام السيارات السياحية بالاتجاهين، بعدما خصصت طريق الاياب للاتجاهين. وقد تدخلت القوى الامنية اللبنانية بأمرة الرائد محمد دسوقي الذي عمل على تفريق المحتجين، وجرى احتجاز اثنين من السائقين، لتتدخل بعدها قوة من الجيش اللبناني وتسير دوريات على الطريق الدولية بين بيروت ـ دمشق.

وحصلت امس مشادات بين العناصر الامنية (قوى الأمن الداخلي) وسائقي الشاحنات المعترضين على التوقف القسري الذي مضى عليه اكثر من اسبوعين. هذا وقد بلغ تجمع الشاحنات باحة الأمن العام اللبناني الجنوبية، ليرتفع عدد الشاحنات الى حوالى 700 شاحنة بينها 100 براد تنتظر دورها للعبور. وتحدثت اوساط السائقين عن عبور شاحنة او براد كل 4 ساعات. كما جرى رصد عبور 14 شاحنة يوم اول من امس منها عشر شاحنات عبرت صباحاً و4 مساء باتجاه الاراضي العربية عبر سورية.

هذا وجمعت الدعوة الى الاحتجاج ما بين السائقين اللبنانيين والسوريين والاردنيين والعراقيين والاتراك والخليجيين والسعوديين الذين دعوا لأن تكون الخطوة التالية توقيف شاحناتهم (التريلات) في عرض الطريق، وذلك لقطعها احتجاجاً على ما يجري.

احد السائقين اللبنانيين قال «هم (السوريون) يمشّون كل السائقين عند نقطة الجمارك السورية ما عدا اللبنانيين. لدينا اجهزة اتصال. واتصلنا معهم وابلغونا ذلك. ومن اصل 14 شاحنة لم يعبر اي سائق لبناني حتى الآن».

سائق لبناني آخر ممن كانوا يحرضون على مجابهة القوى الأمنية قال: «منذ 16 يوماً وانا محتجز هنا مع حمولتي الى الكويت. لا مياه معنا ولا مازوت. واصبحت في مركز متقدم على بعد كيلومتر عن الحدود السورية. وقد نفد مني الطعام واتلف الكرز والخس والزهرة والفريز».

سائق سوري قال: «مضى علينا 15 يوماً بين الحدودين مقطوعين من المياه. وعلقنا وسط الطريق. ويا ليت يسمحوا لنا بالعودة الى لبنان لنفرغ الحمولة من كرز، لأن الكرز الذي اشحنه ضربه التلف واصبحت مصيبتنا كبيرة. لا اعرف اين سنرمي الكرز المحمل الى دبي. اجرة الشاحنة ثمانية آلاف ريال، واذا ما وجدوا تلفاً في البضاعة حسموه من اجرتنا فكيف اذا كانت البضاعة كلها تالفة؟».

رئيس نقابة الفلاحين ابراهيم ترشيشي دعا النقابات الزراعية والتجار ونقابة اصحاب الشاحنات الى اعتصام اعتباراً من قبل ظهر اليوم على طريق المصنع اما وزير الزراعة عادل حمية فدعا الى لقاء يعقد مع التجار وأصحاب البرادات والصناعيين لبحث ما توصلت اليه الامور ولتعويض الخسائر على المتضررين. ونوه ترشيشي بموقف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ودعوته مجلس الوزراء بشكل طارئ للنظر بتعويض الخسائر.

وكان رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي قد التقى رئيس الجمهورية اميل لحود امس حيث جرى بحث موضوع الازمة المتفاقمة على الحدود بين لبنان وسورية، وجرى التشاور في الخطوات التي اتخذت مساء اول من امس اثر الاجتماع الوزاري الذي عقد في منزل ميقاتي في بيروت، وابرزها تأليف لجنة خاصة للنظر في المطالب ومواكبة المعوقات الموضوعة، ومواكبة المصدرين من مزارعين وصناعيين واصحاب الشاحنات والنظر في كيفية اعطائهم المساعدة اللازمة بهذا الخصوص. هذا واجتمعت اللجنة ظهر امس مع الهيئات الاقتصادية ومع اصحاب الشأن ومع المتضررين للنظر في امكان التعاون في هذا الخصوص وتسهيل التصدير من لبنان لفترة زمنية محددة ومعينة لحين انهاء هذه الازمة الحدودية بين البلدين.

واثر لقائه لحود اجاب ميقاتي على اسئلة الصحافيين فقال رداً على سؤال «الازمة بدأت بعد استقالة الحكومة الحالية، وفي التالي كما قلت ان الظاهر هو ظاهر امني ولكن الباطن الله اعلم، في التالي علينا ان نقوم بمباحثات رسمية بين الدولتين للنظر ما هو الباطن، ولا يحق لنا القيام بهذه المباحثات في الوقت الحاضر لانها ربما تؤدي الى اي التزام من جانبنا..».

وفي دمشق، قال وزير الاقتصاد السوري الدكتور عامر لطفي لـ«لشرق الأوسط» إن ما يتصل بمسألة ازدحام الشاحنات على الحدود السورية اللبنانية ناجم عن سببين أولهما كثرة الشاحنات التي تمر عبر الأراضي السورية قادمة من لبنان باتجاه العراق إلى جانب ضيق المكان الذي يمثله الموقع الحدودي والذي يتناقش بشأنه الجانبان السوري واللبناني منذ أكثر من خمس سنوات بغية توسيعه لاستيعاب أكبر عدد من الشاحنات، إلا أن هذا الأمر لم يحصل حتى الآن. وأضاف الوزير السوري إن السبب الثاني يتصل بالجانب الأمني حيث تبين أخيراً أن بعض الشاحنات كانت تحمل بعض الأسلحة المهربة مما استدعى القيام يإجراءات أمنية في مكافحة هذه الظاهرة التي ترتبط بالإرهاب، موضحاً أن عمليات التفتيش الأمني للشاحنات لا تقتصر على تلك القادمة من لبنان بل من مختلف الجهات التي تأتي منها شاحنات عبر نقاط الحدود السورية مع الجوار.

وفي جولة جديدة نظمتها اليوم وزارة الإعلام السورية للصحافيين إلى نقطة الحدود السورية اللبنانية في موقع الدبوسية/العبودية على بعد خمسين كيلومتراً غرب مدينة حمص السورية، قال أمين جمارك الدبوسية عبد الهادي درويش إن مسألة ازدحام الشاحنات ليست جديدة وتعود إلى فترة طويلة سببها ضيق الطرقات وضيق الجسر في نقطة عبور الدبوسية/العبودية مشيراً الى أن هناك أعمالاً قيد الإنشاء من الجانب السوري لتوسيع الجسر وتدعيمه.

وأضاف إن الجانبين السوري واللبناني سبق أن اتفقا على توسيع الطرق الحدودية، حيث يقوم الجانب السوري بما يتعلق به من الاتفاق فيما لم ينفذ الجانب اللبناني ما يترتب عليه منه بسبب مشكلة ملكية الأراضي التي تعود إلى المواطنين اللبنانيين. وأوضح أن عدداً كبيراً من الشاحنات في الجانب اللبناني من الحدود هي شاحنات سورية ومتوجهة الى سورية، مؤكداً ان من غير المعقول ان تعمل سورية ضد مصالحها علما انها لم تتعامل مع السائقين اللبنانيين ولن تتعامل معهم إلا بنفس تعاملها مع السائقين السوريين. وقال إن الشاحنات المبردة التي تحمل بضائع قابلة للتلف تعطى الاولوية في العبور وهذا ما أكده سائقو الشاحنات المبردة الذين قالوا انهم عبروا الحدود بعد ساعات من شحن بضائعهم من لبنان.

وعن بطء عمليات التفتيش أحياناً اكد بعض رجال الجمارك السورية للصحافيين ان ذلك يعود الى طبيعة الحمولة من جهة، والى بعض الاخباريات عن نقل مواد مخالفة وممنوعة حيث تم ضبط اكثر من حادثة تهريب لأسلحة الى داخل سورية وبينها اسلحة اتوماتيكية ومتفجرات وقنابل، بينما اشار سائقون إلى أن الاجراءات على الحدود السورية اسهل بكثير من الاجراءات المتخذة على الحدود الاخرى في الدول المجاورة وان التدقيق الذي يحدث احيانا في عمليات التفتيش عائد اما الى ضبط عمليات تهريب او للقبض على مطلوبين وارهابيين متطرفين كما حدث أخيراً.

وقد لاحظ الصحافيون خلال جولة اليوم على معبر الدبوسية حركة مكثفة ونشاطا كبيرا بالاتجاهين سواء بالنسبة للسيارات السياحية او للبولمانات المحملة بالركاب او الشاحنات المحملة بالبضائع المختلفة الى سورية او دول الخليج العربي والعراق، كما لاحظوا مرور ستين شاحنة من مختلف الجنسيات خلال فترة زمنية لم تتجاوز الساعتين ونصف الساعة.