مسؤولون وخبراء إرهاب: تفجيرات شرم الشيخ ولندن تشير إلى أن قيادة القاعدة أعطت الأوامر بتنفيذهما

الأسلوب تشابه في التفجيرات المتعددة التي تستهدف المدنيين وشل الاقتصاد

TT

تشير الهجمات المتتالية في مصر ولندن، من حيث التماثل في الطرق المستخدمة، إلى أن قيادة تنظيم القاعدة أعطت الأوامر لتنفيذ الهجمات في كلا المكانين، وهي إشارة واضحة الى ان أسامة بن لادن ومساعديه ما زالوا متحكمين بالشبكة، حسبما جاء على لسان محللين مختصين في مكافحة الإرهاب ومسؤولين حكوميين في أوروبا والشرق الأوسط.

وقال المحققون في هجمات السبت الماضي، إنهم مقتنعون بوجود جماعات محلية وراء الاعتداءات الإرهابية الفتاكة، التي وقعت في مصر وبريطانيا، وهي تعمل باستقلالية عن بعضها البعض. ففي شرم الشيخ حيث بلغ عدد القتلى 88 شخصا، انصب التركيز على منتمين للقاعدة، وهم الذين كانوا وراء هجوم مماثل جرى في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي، بطابا وهي مركز سياحي آخر على البحر الأحمر. وفي لندن حيث قضى 52 شخصا في أنفاق القطار وحافلة، شخص رجال الشرطة ثلاثة مهاجمين انتحاريين، باعتبارهم من السكان الأصليين مع اواصر مشتبه فيها بالمتطرفين الباكستانيين.

لكن مسؤولي الاستخبارات وخبراء الإرهاب، قالوا إنهم يشتبهون في احتمال اشراف أسامة بن لادن ومساعديه على كلتا العمليتين عن كثب، إضافة إلى الانفجارات التي قتلت المئات في إسبانيا وتركيا والسعودية والمغرب منذ عام 2002. فالعلامة الفارقة وراء كل حالة، هي تفجيرات متعددة تستهدف سكانا مدنيين غير محروسين، وهي مصممة لتخويف الغربيين وشل الاقتصاد.

كذلك قال المسؤولون والمحللون، إن الهجمات الأخيرة تشير إلى أن مركز الأعصاب لشبكة القاعدة الأصلية ما زال حيا وفي حالة جيدة، على الرغم من حقيقة أن الكثير من قادتها قد قتلوا أو اعتقِلوا منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وقد يكون أسامة بن لادن مختبئا، لكن حسب رأي هؤلاء المسؤولين، أن الكثير ما زال مجهولا عن هذه الشبكة. وقال ماغنس رانستورب، مدير مركز دراسات الإرهاب والعنف السياسي في جامعة سانت أندروز باسكوتلندا «ما قد يجمع بن لادن وهجمات شرم الشيخ هو أن الأفراد هم الذين يقدمون التوجيهات: هذا هو ما يجب القيام به والكيفية التي يجب اتباعها». أما الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات الخارجية السعودية سابقا، والمعين في الأسبوع الماضي سفيرا للسعودية لدى الولايات المتحدة بعد فترة من عمله سفيرا في لندن، فقال في مقابلة معه «كل هذه الجماعات تحتفظ بآصرة ما مع بن لادن، إما من خلال مواقع إنترنت أو من خلال الرسائل أو عن طريق التوجه إلى المناطق الواقعة على الحدود بين باكستان وأفغانستان، وقد لا يكون ضروريا أن يكون هناك لقاء مباشر مع بن لادن لكن مع رجاله».

وأضاف الأمير تركي الفيصل «منذ 11 سبتمبر، هؤلاء الناس مستمرون في عملياتهم. إنها في حالة هروب لكنها تستطيع أن تعمل بلا أي حدود. فهي تستطيع أن تنتج موادها وأن تصل إلى الإعلام في أي وقت تشاء، إضافة إلى ذلك فإنهم يصدرون أوامرهم لميدانيهم في أي مكان كانوا».

وظل بعض المسؤولين الكبار في البيت الأبيض يجادلون بأن بن لادن محاصر منذ غزو الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001، وظلوا يتساءلون إن كانت للقاعدة القدرة على التخطيط لعمليات كبرى، مثل هجمات 11 سبتمبر.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، استنتجت وزارة الخارجية الأميركية، على سبيل المثال، في تقريرها السنوي حول النشاطات الإرهابية في العالم، أن القاعدة تم التعويض عنها بجماعات محلية من المتطرفين الإسلاميين، يعملون لوحدهم بدون مساعدة بن لادن ومساعديه. وكان الأسلوب الذي تحكم في هجمات عام 2004، حسب التقرير، يكشف «عما يراه الكثير من المحللين، أن مرحلة جديدة في الحرب ضد الإرهاب على المستوى العالمي قد بدأت، حيث تقوم جماعات محلية تستلهم القاعدة في تنظيمها، وقيامها بهجمات بدون دعم او توجيه من القاعدة نفسها».

لكن مسؤولي الاستخبارات والمحللين من بلدان أوروبية وعربية يقولون، إن هناك تزايدا في الأدلة التي تؤكد أن عددا من القنابل الاكثر فتكا ضد المدنيين، خلال السنوات الأخيرة، يمكن ارجاع مصدرها إلى ميدانيين من القاعدة يقعون ضمن كوادرها المتوسطة. وفي بعض الحالات فإن المحققين المتخصصين في مكافحة الإرهاب، استنتجوا أن بن لادن أو مندوبيه وضعوا خططا لإطلاق هجمات، ثم تركوها، كي تنفذ من قبل شبكات محلية أو خلايا تهتم بالتفاصيل الصغيرة.

وقد نفذت شبكة القاعدة المحلية اول هجماتها في 12 مايو (ايار) 2003 عندما قادت سيارة محملة بالمتفجرات في مدخل منطقة سكنية للغربيين في الرياض، مما ادى الى مقتل 35 شخصا، من بينهم 9 اميركيين. وفي اقل من اسبوع بعد تفجيرات الرياض، تعرض المغرب الذي لديه علاقات طويلة بالولايات المتحدة وتاريخ محدود من الارهاب، لعملية ارهابية. ففي 16 مايو 2003، شنت مجموعات من الانتحاريين هجمات متعددة على الفنادق والمطاعم وغيرها من الاهداف المدنية في الدار البيضاء، مما ادى الى مقتل 45 شخصا.

وفي البداية، لم ير المسؤولون في السعودية والمغرب اية علاقة بين العمليتين، اكثر من انها وقعت خلال اربعة ايام، وان ذلك تم بالصدفة.

غير ان المسؤولين عن مكافحة الارهاب في البلدين يجدون علاقة بين المجموعتين التي نفذت الهجمات. فقد ظهر اثنان من منفذي عملية الدار البيضاء، هما عبد الكريم المجاطي وحسين محمد الحسكي، كقائدين لشبكة القاعدة المحلية في السعودية.

وقد قتل المجاطي في تبادل اطلاق النار مع شرطة مكافحة الارهاب في بلدة سعودية صغيرة. اما الحكسي فقد قبض عليه في يوليو (تموز) من العام الماضي في بلجيكا، حيث يواجه تهما بالمساعدة في تنظيم خلية نائمة اخرى ذات علاقة بالقاعدة. كما اتضحت علاقة مشابهة بين تفجيرات الدار البيضاء وتفجيرات قطار الركاب في مارس (اذار) من العام الماضي، الذي اودى بحياة 119 شخصا في مدريد. فقد حدد المحققون الاسبان، عمر عزيزي المغربي، ناشط القاعدة، باعتباره قائدا لعملية مدريد. وهو مطلوب ايضا من قبل السلطات المغربية بتهم المشاركة في شبكة نظمت هجمات الدار البيضاء.

وذكر المحققون في مجال مكافحة الارهاب، انه من غير المرجح ان الناس الذين نظموا عملية 7 يوليو في لندن شاركوا مشاركة مباشرة في عملية شرم الشيخ. ولكنهم تكهنوا بأن المؤامرتين ترتبطان بالقاعدة.

ويتوقع رانستورب خبير شؤون الارهاب في اسكوتلندا، ان المحققين المصريين سيحاولون البحث عن علاقة تربط بين الظواهري، نائب بن لادن والمنظر الرئيسي للقاعدة منذ التسعينات، وما تم في شرم الشيخ. واوضح رانستورب «اشك في ان ذلك من تنفيذ نفس المجموعة من الباكستانيين الذين يتحملون مسؤولية ما حدث في لندن. ولكن يمكن ان يكون قد تم بتوجيه من الظواهري بهدف تنشيط الجبهة المصرية». ويعتقد المسؤولون في الاستخبارات المصرية والاوروبية، ان بن لادن والظواهري مختفيان في المنطقة الواقعة بين الحدود الباكستانية والافغانية.

وكان المسؤولون الباكستانيون قد اكدوا ان ثلاثة من الانتحاريين الاربعة الذين نفذوا عملية لندن زاروا باكستان لفترات مطولة في العامين الماضيين. وذكر مسؤولون بريطانيون ومحللون ان الخيوط تقود الى باكستان، التي تواجه انتقادات مجددة لمنحها الملاذ للمتعاطفين مع القاعدة وغيرها من الجماعات الاسلامية المتطرفة. ويسأل م. جا غوهل المحلل المتخصص في شؤون الارهاب في مؤسسة اسيا ـ المحيط الهادي، وهو مركز ابحاث في لندن، «لماذا تقود كل الطرق الى باكستان؟ هل هي صدفة ام هل هناك شيء آخر؟». وكان الرئيس الباكستاني برويز مشرف، قد تعهد هذا الاسبوع بتجديد الحملة ضد «المتطرفين» في بلاده. وقال ان المسؤولين يبذلون كل ما في وسعهم للتعاون مع المحققين في تفجيرات لندن.

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»