انتحاري لندن تنوير: نشأ محبا للحياة الغربية ووسط عائلة نموذجية.. ثم بدأ التحول مع زيارة لباكستان

قضى يومه السابق للتفجيرات في لعب كرة القدم وصبغ شعره بنيا

TT

في اليوم السابق لحمله حقيبة ظهر محملة بالمتفجرات ويتجه الى لندن للمشاركة في نشاط ارهابي، كان شاهزاد تنوير يلعب كرة القدم في ساحة بمدينة ليدز (شمال انجلترا). وذلك أمر اعتاد القيام به كل يوم تقريبا، اذ انه اعتاد ممارسة رياضة الكريكت، وهي لعبة يشارك فيها بيض وسود وآسيويون وغيرهم. فلعدة ساعات ينسى كل هؤلاء الاحتفالات العرقية والدينية والاحكام المسبقة بينهم ويلعبون باعتبارهم بريطانيين.

في ذلك اليوم ظهر تنوير بشعره الأسود المعتاد، لكن عليه خصلات مصبوغة بالبني كما يذكر اصدقاؤه. عدا ذلك، لم يكن هناك أي شيء غريب في وضعه ولم تبدر منه أي اشارة تفيد بأنه سيُقتَل في اليوم التالي بقنبلة يحملها معه الى قطار انفاق في لندن. وقال سعيد أحمد، 29 سنة، وهو يغمض عينيه متذكراً الصدمة: «كان شخصا ضحوكا ويحب المزاح بشكل طبيعي».

ومن بين الأربعة الذين نفذوا التفجيرات الدامية في 7 يوليو (تموز) في لندن، كان تنوير، 22 سنة، أقل من يمكن التفكير بأنه سيقدم على مثل هذا الفعل، حسبما قال اصدقاؤه. كان يبدو وكأنه يستمتع بكل شيء بريطاني وغربي وكانت لديه الوسائل للقيام بذلك.

لهذا السبب ما زال معارفه، بعد مرور ثلاثة أسابيع على التفجيرات، يبدون مستغربين. وقال احمد: «أعتقد أن هناك شخصا ما وراءه. لو شاهدت شاهزاد في الشارع فإنه لن ينبس لك ببنت شفة».

يتحدر تنوير من عائلة باكستانية عملت كثيرا للوصول إلى حالة من الرخاء، وهي تمثل قصة كلاسيكية للنجاح بالنسبة للمهاجرين وكأنها دليل على التعدد الثقافي الذي تتباهى به بريطانيا. لكن الأصدقاء يقولون إن تنوير الشاب النحيل ذا الملامح الصبيانية، بدأ، في سن 18، بالتحول دينياً وسياسياً. وبدأ يشعر سرا بأن هناك ما يفصله عما هو بريطاني، وراح يختلط بأشخاص مقتنعين بأن الإسلام محاصر في العالم.

بكل تأكيد فإن تنوير والثلاثة الآخرين الذين نفذوا تفجيرات 7 يوليو، يمثلون حالة شاذة. فغالبية المسلمين في بريطانيا (نحو 1.6 مليون شخص) يحترمون القانون وأدان قادتهم دوماً الهجمات الارهابية باعتبارها مخالفة لمبادئ الإسلام. لكن، التفجيرات الاخيرة أعادت إلى السطح الأسئلة القديمة حول قدرة البلد على احتضان ودمج المسلمين.

تساءل محمد أرشد، 44 سنة، زعيم الجالية المسلمة في منطقة بيستون حيث كان يعيش تنوير: «من هو المسؤول؟ هؤلاء الشبان تربوا ضمن نظام التعليم البريطاني. أكلوا الطعام البريطاني وكانوا طيلة حياتهم تحت تأثير الثقافة البريطانية. جاليتنا تنظر إلى نفسها للحصول على إجابات، لكننا نبحث أيضا عن الإجابات من الحكومة»، مشيرا إلى فشل السياسات الاجتماعية ونقص الفرص. وقال محمد إقبال عضو المجلس البلدي في مدينة ليدز ان عائلة تنوير هي «عائلة عادية مثل أي عائلة باكستانية أخرى. انها عائلة محترمة جداً». ويمكن لأي صحافي ان يسمع هذا الوصف عن عائلة تنوير في هذه المنطقة.

والد شاهزاد، ممتاز، كان قدم الى بريطانيا عام 1961 من مدينة فيصل آباد الباكستانية. جاء في اطار موجة مهاجرين قدموا من الهند وباكستان وبنغلاديش وأنشأوا جاليات ذات ثقافة جنوب آسيوية من حيث الدين والطعام في قلب المنطقة الصناعية لشمال وسط انجلترا. قدم ممتاز مع والديه لمساعدتهما وللدراسة من أجل الحصول على شهادة في صناعة القماش، حسبما قالت صافينا أحمد، 23 سنة، ابنة خالة شاهزاد التي تبنت دور الناطقة باسم العائلة ضمن مقابلة جرت معها في البريد الالكتروني. وعندما تخرج ممتاز تنوير أراد أن يؤسس مشروعه التجاري في صناعة الملابس، لكنه لم يكن يملك الاموال الكافية لتشغيل مشروعه، فعمل ضابط شرطة في منطقة يوركشاير. وخلال سنوات قليلة تمكن من ادخار مبلغ كاف لفتح دكان، وتدريجيا تمكن من بناء تجارة مزدهرة تتضمن قصابة ومطعما لبيع السمك والبطاطا المقليين. وبعد ذلك، توجه الى باكستان واقترن بزوجته بارفين، ثم استقرا في برادفورد التي تبعد نحو 15 كيلومتراً عن بيستون. وكتبت صافينا احمد ان ممتاز تنوير «كان يبذل جهدا كبيرا في العمل لأنه لم يكن يريد لأبنائه أن يعانوا مثلما حدث معه».

كان ممتاز وشقيق زوجته، يتلقيان مضايقات عنصرية من بعض السكان البيض، لكنهما لم يشعرا بالغربة تجاه وطنهما الجديد. وأضافت صافينا: «يتذكر الاثنان احاطتهما بمجتمعات رحبت بهما وراعتهما بحيث شعرا بأنهما جزء منها».

انتقلت الاسرة الى بيستون قبل 20 سنة، واليوم فإن ممتاز تنوير هو احد اقطاب الجالية الباكستانية في المنطقة. فهو يقدم نصائح واستشارات قانونية الى الاصدقاء والجيران ويساعد في تعبئة الطلبات الرسمية لاولئك الذين لا يمكنهم قراءة او كتابة الانجليزية. وقال محمد علي وهو صاحب محل: «إذا أردت استعارة اي شيء، فإنه يساعدك».

وهناك ثلاثة ابناء في اسرة تنوير، يعيشون في منزل من طابقين، هو واحد من اكبر المنازل في الحي. يقود ممتاز سيارة مرسيدس فضية، بينما شوهد شاهزاد يقود سيارة مرسيدس حمراء.

كانت احلام شاهزاد وهو صبي احلاما بريطانية: كان يريد ان يصبح لاعب كريكت محترفاً، وكان يفضل ارتداء الملابس الرياضية والتي شيرت، ليتمكن من ممارسة الكريكت او كرة القدم. لكن في الوقت ذاته، كان تنوير يقترب من ثقافته الاخرى. ففي المنزل كان الابن المطيع، وفي محل والده يساعده في إعداد وبيع السمك والبطاطا. وقد زار باكستان عدة مرات مع اسرته، لكنه لم يكن متحمسا، وحفظ هناك بعض سور القرآن الكريم.

لم يكن تنوير مهتما بالسياسة عموما، كما قال احمد الذي اضاف انه لم يشاهد أبدا تنوير يقرأ صحيفة او يشاهد الاخبار او يشارك في مظاهرات احتجاجية على خلفية الاحداث في العراق او افغانستان او فلسطين.

لكن الحياة المرفهة نسبياً التي كان يعيشها شاهزاد لم تكن هي الحال نفسه مع الكثير من اقرانه. فالبطالة بين المسلمين في بريطانيا تصل الى 22 في المائة في الوقت الذي تصل فيه اجمالا في البلد الى 5 في المائة، وهي اقل نسبة بطالة تعرفها بريطانيا منذ عقود، حسبما يفيد مكتب الاحصاء القومي البريطاني. ويأتي المسلمون في آخر قائمة الحاصلين على شهادات تعليمية عالية او الذين يسكنون منازل جيدة.

كما يشعر العديد من المسلمين البريطانيين بالغربة والتناقض خصوصاً عندما يتعلق الامر بأشياء مثل شرب الخمور والرقص والارتباط بفتيات خارج إطار الزواج. ويقول سعيد احمد وهو صديق لتنوير: «لسنا انجليزيين ولا باكستانيين. في السنوات القليلة الماضية، كان علينا البحث عن هوية. لقد عاد العديد من الناس هنا الى دينهم لمعرفة من أين قدموا».

في بستون، كان تنوير واثنان من منفذي تفجيرات 7 يوليو، يترددون على مكتبة اسلامية محلية تحمل اسم «مركز اقرأ الاسلامي»، وبدأوا يثيرون قضية ما يتعرض له اخوانهم المسلمون في العالم، حسبما قال اصدقاء لتنوير. وقال أحد أصدقاء تنوير انه شاهد هذا الاخير ومحمد صديق خان، احد المشاركين في التفجيرات، يشاهدان فيلم «دي في دي» يظهر قيام جندي اسرائيلي بقتل فتاة فلسطينية.

وفي ديسمبر (كانون الاول) الماضي، توجه تنوير الى مدينة لاهور الباكستانية ليتعلم كيف يقرأ القرآن بطريقة سليمة، وقضى هناك شهرين، كما ذكر اقرباؤه. وقد كان برفقته خان، وتقول السلطات انه تحقق ما اذا كان الرجلان تلقيا تدريبات ارهابية هناك. وذكر خال تنوير، طاهر برويز، في مقابلة مع صحيفة باكستانية ان «المثل الاعلى لشاهزاد كان اسامة بن لادن».

وعندما عاد تنوير الى بريطانيا كان عاديا وواثفا من نفسه. وفي الاسبوع الذي سبق التفجيرات، كان يضحك ويلعب المصارعة مع ابناء عمومته الصغار. ويوم 7 يوليو، قال تنوير لأسرته انه متوجه لزيارة صديق، وكانت الأسرة تتوقع عودته في نفس اليوم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»