المغرب يعود للحضن الأفريقي من باب المشاركة في فض النزاعات

ساهم في إنجاح تجمعات مثل «نيباد» و«نهر مانو» و«سين صاد»

TT

لم يتخل المغرب عن دوره الفاعل والناشط في فضاء السياسة الافريقية، من دون ان يؤثر عليه استمرار حال الجمود بينه وبين المنظمة التي كان احد مؤسسيها الاوائل، والتي قلبت له ظهر المجن، جراء تفاعلها السلبي مع التيارات المتصارعة الآتية من قطبي الصراع في الشرق والغرب خلال العقود الاخيرة من القرن الماضي.

وعوض ان تظل منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي حاليا) بمنأى عن النزاع الذي نشب بين عضوين (الجزائر والمغرب)، وتقوم بدور الوسيط المحايد النزيه، واطفاء الحرائق التي تندلع بين الدول الاعضاء، فانها تحت تأثير واغراءات من كل صنف، مالت بكفتها نحو الاتجاه الذي تأكد خطأه مع مرور الزمن، وذلك حين قبلت في حضنها، جسما غير مكتمل الولادة، في صورة دولة، لا يملك أية مقومات او مبررات.

وصدم المغرب في مواقف اشقائه الافارقة، ولم تطل فترة الذهول، وبدأ العمل من اجل استعادة حضوره المعنوي والسياسي في قارة تربطه بها وشائج التاريخ والجغرافيا، متحاورا ومتعاونا مع دولها خارج غطاء المنظمة التي خذلته.

وعلى الرغم من ان الرباط لم تنجح بعد في اقناع الاتحاد الافريقي وريث منظمة الوحدة الافريقية، بتصحيح الخطأ التاريخي، فانه لم ييأس من انتصار العقلانية السياسية في النهاية.

في هذا السياق، يبادر المغرب كلما دعت الحاجة الى المساهمة في التجمعات الاقليمية والمنتديات الافريقية التي تتحرك في استقلال عن المنظمة الجامعة، لأسباب جيوسياسية ومصالح اقتصادية متشابكة. وتبرز، خصوصاً مشاركته في تجمع دول «الشراكة الافريقية للتنمية» (نيباد)، ودول الساحل والصحراء (س.ص) كما يشارك المغرب في القمم الفرنسية الافريقية. وفي هذا الاطار، كان اعلان العاهل المغربي في القمة الثانية والعشرين (باريس 2003) عن مبادرته الجريئة بخصوص مواجهة اشكالية ندرة المياه في القارة السمراء، دعوته الى التعاون جنوب ـ جنوب، وانشاء صندوق دولي للماء لمصلحة افريقيا.

وتميز الاسبوع الماضي، بمشاركة المغرب في شخص وزير خارجيته محمد بن عيسى في قمة رؤساء دول اتحاد نهر مانو، المنعقدة بفريتاون (سيراليون) حيث عبر الوزير المغربي عن تضامن بلاده الطبيعي مع اشقائه الافارقة وعزمه تقديم المساهمة الممكنة كي تعود المنطقة كما كانت من قبل فضاء للتبادل والاستقرار.

واستعرض رئيس الدبلوماسية المغربية النتائج المسجلة على المستويين السياسي والامني، مبرزا ان اللقاءات السابقة كانت صادقة وهادئة ومصيرية ساعدت على ارساء الاهداف التي ينبغي بلوغها وبالاخص تيار الاحتكام الدائم الى الحوار والسلم، معربا عن يقينه الراسخ ان المراحل المستقبلية، بفضل هذه الروح، ستكون مطبوعة بالثقة المتبادلة وبالارادة القوية لتجاوز العراقيل، كما تمكنت جمهوريتا غينيا وسيراليون من تسوية سلمية واخوية للخلاف المتصل بمنطقة «يانغا» وعودة اللاجئين الى ديارهم بعد استقرار السلم. واضاف، ان ما تحقق من نتائج تم بفضل تجاوب جميع دول اتحاد نهر مانو، وانخراط الامم المتحدة والمجموعة الدولية.

ويعتبر وزير خارجية المغرب، التجارب المستخلصة من المبادرات السلمية الناجعة، قاعدة عمل في المستقبل للشروع في مسلسل تنموي، مع تأكيده ان ربح معركة محاربة الفقر، يستلزم مضاعفة الجهود. وفي هذا الاطار، ابرز الاهمية التاريخية لمبادرة الملك محمد السادس عام 2002 حين احتضنت الرباط قمة دول اتحاد نهر مانو، من اجل التشاور والحوار بين اعضائه (غينيا وليبيريا وسيراليون)، التي توجت بتوقيع الرؤساء الثلاثة على وثيقة السلام والوفاق وحسن الجوار في منطقة نهر مانو.

وكانت القمة الاخيرة في الاسبوع الماضي، مناسبة كي يعرب قادة تلك الدول عن امتنانهم الصادق للعاهل المغربي على الجهود التي بذلها بلا كلل من اجل احياء انشطة اتحاد نهر مانو، وضمان السلم والاستقرار في المنطقة. كما ابرز قادة الاتحاد استعداد المغرب والاتحاد الاوروبي لدعم احياء مسلسل تنشيط عمل امانة اتحاد نهر مانو الذي تأسس عام 1973 لتحقيق الاندماج الاقتصادي بين الدول الثلاث.

لا يمكن في هذا الباب اغفال المبادرة الانسانية التي قام بها المغرب اخيرا حيال دولة النيجر، التي زارها عاهله وتفقد اوضاعا انسانية شديدة القسوة، وهو ما كان احسن مواساة لسكان تلك الدولة المنكوبة بالمجاعة والقحط والاوبئة.