السعودية:حملة وزارة العمل لتوظيف العاطلين بين اتهامات رجال الأعمال وتحدي الشباب

TT

«كن سعوديا ووظف سعوديا« رسالة وزارة العمل السعودية التي أطلقتها خلال حملتها المستمرة على المؤسسات الصغيرة التي تمثل الحجم الأكبر والمستهدفة في توظيف السعوديين إلى جانب الشركات الكبرى والتي تتعامل معها بسياسة العصا والجزرة، عبر منع الإستقدام للشركات التي تقوم بتزوير بياناتها عن أعداد الموظفين لديها، وتقوم بإعطاء التأشيرات التي وصلت لشركة واحدة إلى 8 آلاف تأشيرة حسب المؤتمر الصحافي للدكتور أحمد الزامل وكيل وزارة العمل لشؤون العمال أخيرا، كونها ــ أي الشركات الكبرى ــ تنفذ مشاريع تنموية، تعزز من قدرة الاقتصاد الوطني في مسيرة التنمية، خصوصا في قطاعات المشاريع البترولية. وفي ظل عدم وجود أرقام دقيقة لنسبة البطالة داخل المملكة، ولعدم توافر مراكز الإحصاء الأهلية التي تعكس مؤشرات عن أية قضايا حساسة تمس هموم المواطن، قامت وزارة العمل السعودية أخيرا بإحصاء خلال حملتها بينت فيه أن عدد المتقدمين والراغبين بفرص عمل لم يتجاوز 180 ألف باحث، ولم يتقدم إلى الوظائف المعروضة إلا 36 ألفا منهم كما كشف الدكتور أحمد الزامل وكيل الوزارة لشؤون العمال أخيرا، الذي أبان بأن الكثير من المتقدمين يرغبون برواتب محددة، ويستفسرون عن طبيعة العمل، وكانت وزارة العمل قد وضعت هدفا استراتيجيا يتمثل برفع تكلفة استقدام العامل الأجنبي، وكأنه ضغط ضمني على رجال الأعمال بهدف توظيف السعوديين الذين تعتبر أجورهم أعلى.

ويختلف سوق العمل السعودي عن الأسواق العالمية الأخرى بأن العمالة الأجنبية التي تجاوزت الـ 8.8 مليون نسمة ـ نصف سكان المملكة ـ لا تقوم بإدخال أموالها ضمن الدورة الاقتصادية، وهذا يعتبر خللا في النظام الاقتصادي، ويعود السبب إلى انعدام البيئة التي تجعل من العمالة الأجنبية على مختلف مستوياتها الاجتماعية، والإقتصادية تتغلغل داخل المجتمع، وبالتالي تقوم بضخ أموالها داخل الاقتصاد السعودي، حيث وصلت تحويلاتهم إلى أكثر من 60 مليار ريال سنويا إلى الخارج.

ويشكل الشباب من الجنسين في المجتمع السعودي أكثر من 55 في المائة من إجمالي السكان، مما يزيد من أهمية أخذ القضية بجدية أكبر، لا سيما في ظل المواجهة الأمنية المستمرة للمملكة مع قوائم الإرهابيين، حيث يعتبر أغلب المطلوبين فيها في سن صغير، مما يجعل ضرورة توظيف طاقات الشباب في إيجاد فرص عمل أو تدريب مناسب يحقق لهم حياة كريمة. وتعتبر البطالة أحد العوامل التي تشكل بيئة خصبة وسهلة لتجنيد الشباب، خصوصا في ظل عدم وجود فعاليات ومراكز فكرية وثقافية حقيقية تركز على ضرورة التفاعل مع الحضارات الأخرى واستغلال المميزات النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي أو الحضارة الإسلامية وتأثيرها في العلاقات الدولية، سواء في مناهج التعليم الحكومية والتي لا تواكب متطلبات سوق العمل أو في الخطاب الديني الذي لا يعكس الواقع الذي نعيشه. وكانت المملكة قد شددت عبر «إعلان الرياض« لمكافحة الإرهاب أخيرا، في إحدى توصياته على ضرورة «تشجيع الجهود الذاتية بهدف تحقيق التنمية المستدامة، وتلبية متطلبات التوازن الاجتماعي وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني للتصدي للظروف المساعدة على انتشار العنف والفكر المتطرف».

وأوضح عبد الله البازعي نائب رئيس مجموعة »البازعي« الاستثمارية في اتصال مع »الشرق الأوسط« أن الشاب السعودي قادر على تحمل المسؤوليات، مفيدا أن لدى الشركة في السابق موظفا سعوديا يعطى فوق راتبه نسبة من الأعمال التي يتم الاتفاق عليها ويقوم بإنجازها، وأضاف أن وزارة العمل تقوم بجهد كبير جدا يحتاج الوقوف إلى جانبها، ورفض البازعي نظرة بعض رجال الأعمال عن الشباب السعودي كونه غير قادر على تحمل المسؤوليات، مشددا على ضرورة أخذ رب العمل للعوامل النفسية والاجتماعية للموظفين، وتهيئة أجواء العمل المناسبة لإعطاء الشباب فرصة للإبداع والاستقرار.

إلى ذلك، فإن المتابع لشؤون قضايا العمال في مختلف دول العالم يلاحظ وجود نقابات عمالية تواجه الحكومات وتأخذ على عاتقها ضمان حقوق العمال وحياتهم المعيشية وشؤونهم القضائية، إضافة إلى أن الأنظمة التي تصاغ عبر البرلمانات من أجل تخفيض الأجور أو زيادة عدد الساعات تواجه بـ »لوبي« وجماعات ضغط عبر هذه النقابات، على عكس ما هو موجود لدى المملكة حيث تنتشر جماعات الضغط بين مجتمع عالم المال والأعمال من أجل إيقاف زحف توظيف السعوديين، عبر نشر شائعات مفادها أن الشباب السعودي اعتاد على نمط حياة الطفرة الماضية، وهذا لا تفسره سوى الأجور المتدنية التي يقبل بها العامل الأجنبي، والذي يقوم بتحويل أغلب راتبه إلى موطنه الأصلي.

ويكمل البازعي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يستطيع أن يستغني عن موظف أجنبي يعطيه عائدا بالإنتاجية ويوظف آخر سعوديا لا يقوم بأداء نفس العمل وعلى مستوى الكفاءة، وأضاف أن التدريب والتأهيل المناسب الطريق الوحيد لتهيئة الشباب السعودي.

وفي ذات السياق يتهم بعض رجال الأعمال أصحاب الشركات الكبرى الشباب السعودي بعدم الجدية والالتزام بالعمل، كونهم لا يرغبون بالاستقرار، وكون الشاب السعودي يفكر في عمل آخر، مما يؤدي إلى خلل في عمل الشركات التي تعتمد عليهم، وينفي سامي البشير خريج معهد الإدارة العامة ومتدرب حاليا في مجموعة »سامبا« المالية في إدارة العمليات والتكنولوجيا هذه النظرة من قبل البعض، مبينا وجود خلل عند الطرفين، حيث ذكر أن البعض من رموز القطاع الخاص يعملون على التعميم رغم وجود نجاحات كبيرة للشباب السعودي في قطاعات مهنية كقطاع سلاح الطيران العسكري، من فنيين وغيرهم، وأضاف أن هؤلاء الشباب السعودي أعطيت لهم الفرصة وخضعوا للتدريب المناسب، وتمت مكافأتهم برواتب تحقق لهم الاستقرار، وكشف البشير أن أزمة البطالة عبارة عن معادلة من الدرجة الثالثة يتطلب حلها تفكيك هذه المعادلة التي يرفض بعض رجال الأعمال المساعدة على حلها، وأضاف ان وزارة العمل وحدها لا تستطيع العمل بدون مشاركة فعالة من قبل القطاع الخاص الذي يصف البطالة بأنها *اختيارية>، مبينا أن هذا الوصف يعتبر خارجا عن حدود المنطق!! ويضيف البشير الذي يصف تجربته بالمجموعة المصرفية مرحلة صقل للمهارات، كونه يستفيد من خبرات زملائه الأكبر سنا. ويوضح البشير أنه من الطبيعي أن يتهم الشباب السعودي بعدم الجدية من قبل البعض، مبررا ذلك بأن العامل الأجنبي لا يكلف رب العمل الشيء الكثير، مقارنة بالموظف السعودي، متسائلا عن مستقبل أرباب العمل في حال انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية والكيفية التي سيتم التعاطي معها.

وأخيرا يبقى التحدي في ما يتعلق بوضع للأجل القصير والطويل للبطالة النسائية، خصوصا أن هناك الكثير من القطاعات سواء الصحية التي تتطلب كوادر فنية ومهنية نسائية ليتم توطينها، أو حتى في قطاعات إدارية وتسويقية، في ظل تزايد أعداد الخريجات في مختلف التخصصات التقنية، سنويا، حيث تتحمل الدولة عبء عدم استغلالها بالطريقة الأمثل، خصوصا في ظل نظام موحد لا يفرق بين الجنسين، ـ في لوائحه ـ ووجود معوقات أخرى لا تتعلق لا بالحد الأدنى للأجور ولا بعدد ساعات العمل، إنها العادات والتقاليد التي لم تسمع عنها منظمة العمل الدولية؟